الفصل الأول

1.4K 56 13
                                    


صهيل الخيل يرتفع بصوته القوي يركض بقوة فوق الرمال المتناثرة يمتطيه شابًا في أعوام مراهقته الأولى وعيناه الخضراء تلمع بمرح ناظرًا بعيدًأ؛ على حافة السور الخشبي تستند بكفيها الناعمان ممسكه به وابتسامة هادئة ترتسم بخفة على ثغرها الوردي، شهقة خائفة خرجت من بين شفتيها عائدة بخطوتها للوراء مُحركة قدميها في تتابع بعدما أقترب وجه الفرس ملامسًا لأنفها وضحكة قوية ضربت في الهواء تطالعه بضيق ضاغطة على أسنانها بقوة...

عينان بنيتان نظرتهما حادة صارمة كانت متابعة للموقف ليهدر صوت رجولي قوي بنبرته الجادة :

- مش بنت سالم الراشد اللي تخاف وترجع لورا

رمقت القابع فوق حصانه متوعدة له بقوة، نظرة فهمها هو لينظر بعيدًا عن ملتقى عيناها، متمتمة بقوة أكتسبتها من الرجل أمامها تبرر خوفها بثبات :

- أنا بس سرحت شوية إنما مخوفتش يا سيادة العقيد وبعدين دي كانت خطوة واحدة

- الخطوة الواحدة لو كانت غلط في إيديها تهدم مسيرة كاملة زي.....

قالها ملتفًا لعيناها صامتًا، ليحصل على أجابته الشافية خارجة من بين ثغرها بحروفٍ جامدة :

- زي الشطرنج لو حركة واحدة أتلعبت غلط يبقى خسرت الحرب والملك مات علشان كدا لازم أدرس خطواتي وأكون واثقة منها

نظرة فخورة حصُلت عليها مربتًا فوق كتفها يقربها من أحضانه، هتف موجهًا حديثه للشاب وابتسامة حانية يوجهها لكلاهما :

- يالا يا آسر علشان نمشي

- حاضر يا عمي

قالها أحترامًا للرجل أمامه، بلحظة وثب من فوق الفرس يقفز عابرًا السور الخشبي يقف جوارهما، ابتسامته المرحة يوجهها للمياء يراقص أحد حاجبيه ويبعثر خصلاتها السوداء بعبث يقهقه عليها وهي تنفخ بغضب مهرولة خلفه وكلماتها المتذمرة تصيح بها حانقة؛ يكبرها بعامٍ ولكن هي من تكبره بجديتها...

- مش هتعرفي توصليلي يا لومي

كلمات مرحة خرجت من بين شفتيه يتسابقا للسيارة السوداء المصفوفة خارج نادي الخيل، يركب على المقعد الأمامي لتصعد هي للخلف موجهة لكمة من قبضتها المضمومة تُلامس كتفه الأيسر...

نظرته المطمئنة وهي تلمح كلاهما سويًا تبعث بقلبه السكينة والهدوء فإذا غاب يومًا هو وجد بجوارها البديل... وبديلها الأول أن تبقى هي قوية واثقة لاتخاف الإنهزام...

***

توقفت السيارة أمام البوابة الحديدية للفيلا الصغيرة بأحد الأماكن الراقية مُحدثة صوتًا يتبعه إيقاف المحرك، هبط كلاهما من السيارة يهرولان خلف بعضهما وابتسامتهما تشق ثغرهما يرتفع صدى ضحكاتهما مترددًا بالأرجاء، خرج خلفهما سالم من سيارته تركض ناحيته ثلاث فتيات صغيرات؛ اثنتان تماثلت أعمارهن طفلتان في العاشرة وأختلفت ملامحهم؛ شقراء عابسة وعيناها مملؤتان بالعبرات المتراقصة والأخرى مندفعة ببهجة خالصة خصلاتها قصيرة تتحرك بحركة الرياح الباردة، والثالثة أصغر من كلتاهما بثلاث سنوات طفلة متوهجة عيناها الذهبية تلمع بفرحة وهي تلمح لوح الشيكولاتة بجيب والداها تصفق بكلتا يداها وهي تهرول تتعلق بساقه يتراقص حولها فستانها الطفولي بلون الأزهار الهادئة...

ألحان الحب "نوفيلا"Where stories live. Discover now