29-كانت تستحق..

639 54 17
                                    

لقلوبنا علينا سلطان
-------------

دوماً ستكون النهاية صادقة و منصفة حتي و إن لم تعجبك في بادئ الأمر.

لقلوبنا علينا سلطان، لا نملك دفعها لما نحب لكنها تدفعنا لما نشتهي، إنها دوماً النقطة الفاصلة في قراراتنا الهزيلة، التي لن تنتهي معاناتها أبد الدهر.

و هل كما قيل سابقاً الحب يُضعف كل قوي متين، نعم إنه كذلك بل أسوء، الحب أعمي يجبرك علي الخضوع و كأنك عجوز لا تملك القدرة علي رفض ما لا يعجبك ولا بك حيلة لتفكير في حلول منطقية، فقط هو يجبرك علي البقاء خاضع قليل الحيلة ضعيف العزم خائر القوى، إن الحياة عادلة، والله لا يُظلم عنده أحد، لكننا نخطئ و نتخذ الخطأ وسيلة لتبرير سوء خياراتنا، الحب أعمي متهور يركض في شوارع المدينة المزدحمة، فما بالكم بمصيره مهما طال ستر الله له.

" قبل كل شيء، دعني أشركك معي في تساؤلاتي، هل تستحق أمي الحب؟! "
قطب جبينه لكنه أجاب بنفس نبرة غموض السؤال
" لا حد يمكننا الجزم بأنه لا يستحق الحب "

ركزت عيناها عليه عينيه و جددت سؤالها بصيغة قصيرة
"حقاً؟! "
أجابها و بكل بساطة " نعم، أؤمن بذلك دوماً "
" إذاً و لمَ لم يحب أبي أمي كما أحبته؟ "

--------------------

لم أكن بريئة كما أراد أبي، لم أكن دوماً نقية من الأخطاء لكن ما يجعل قلبي يطمئن هو صوت الندم الذي مازال يصرخ متألماً هناك، أخطأ و أعود طالبه الغفران من الله..
وحده القادر على الغفران دون الحاجه للكثير من المتطلبات، وحده الله يعفو و يمحى ما حدث دون حاجة للتذكر ليس كندوب القلب البشري بعد خطأ ما.

لكن أحياناً ما يقلقني هو عدم تجاهلي لبعض الأشياء رغم علمي بأنها ستشعرني بالندم لاحقاً مثل جود..
لم نتحدث منذ عُدت لكن تصلني منه بعض الرسائل علي مواقع التواصل رغم حظري له، يُصر دوماً على ملاحقتي طالباً العفو مني.

لا أخفيكم سراً في بعض الأحيان يخبرني قلبي بأنه محق و يحتاج للعفو ليكمل مسيرته العلاجية كما سمعت من سمر، أو كما تُمليه نفسي علي قلبي إن جئنا للحق، لكن غضبي منه يأتي كالطوفان و يذكرني بلحظات قاسية مررت بها معه، أيام بدون طعام، القليل من الماء حتي أظل علي قيد الحياة ليكمل لكمة لوجهي و إثارة خدوش جسدي و جذب شعري بقوة حتي يسقط بين يديه..
كانت أياماً مؤلمة كلما تذكرتها أخبرتني ذاكرة جسدي أنها لم تنسي و يرسل قشعريرة مؤلمة تغرس الكره في أعماقي تجاهه، لم أكن أعلم قبلها أن الإنسان يمكن أن يتبدل وجهه بين فنية و آخري..
كان قادر على إخفاء غضبه خلف ملامح وجهه الجميل، لا أعرف حقاً كيف إستطاع جعل ذاك الوجه يحمل كل العنف و الغضب الذي رأيته منه!!
ربما تلك الكلمات تكون يوماً باباً لأغفر له..

لكن ما أردت إخباركم به هو شيء آخر، أخشي أني لا أحب مُريد..
أخاف أن أكون كأبي كما أخبرتني أمي، أخاف أن أصبح فريسة آخري لحب الشفقة، مُريد به كل شيء تمنيته، كل شيء لكن..
هناك شيء يمنعني من الوثوق بأنني أحبه دون أي مؤثر خارجي، أخشي الإنسحاب كجندي في ساحة المعركة و أخشي بالبقاء في ذات الساحة، لا أعلم إلى متي سأظل مشتتة ليس بعقلي إجابة.

-----------------------

لينا جندي أيضاً في ساحة المعركة لكنها لا تنهزم..

حقوق الإنسان تجاهد شرقاً و غرباً، لكن ما إن بدأ الحديث عن فلسطين تصم أذانها كطفل في الثالثة لا يرغب في إطاعة أمر والدته..

مايو 2021..
غزة..
نص رسالة وصل ليد لينا بعد أن أصبحت صوتها أحد أصوات وطنها للعالم، نص رسالة كانت تحت الأنقاض قيل فيها:

أنا قدس..
اليوم لم يمر كالأيام السابقة..
كانت ليلة العيد، في كل بلدان العالم كانت ليلة منتظرة.. لأنه العيد، حيث تصل الأرحام، نلعب نحن الأطفال معاً، يجتمع الجميع لقضاء يوم مثالي للسعادة ننتظره من العام للعام، لكن لم يمر بسعادة.
لأنني فلسطينية، و لأنني لا أسرق أمام أعين الجميع ولكن الجميع يغض عنا الطرف عن عمد، لأننا نبحث عن حقوقنا.
بالأمس القريب أخبرني أبي أن العرب سيتحدون لأجلنا، لنستعيد أرضنا، لنقف علي ضفاف يافا، و نصلي بالأقصي، و نحصد الزيتون و البرتقال.
بالأمس القريب كان أبي يتمني، و رغم أنني لم أصل لعامي الثاني عشر بعد إلا أنني أعلم أنه حلم بعيد المنال، لأن و ببساطة العرب كالنعام يدفنون رؤوسهم يخشون المواجهة، يخافون أن تفيض أرواحهم لخالقها..
أخبرني أبي أننا أطفال بلا طفولة، لم تمر حياتنا بالسلام يكفي لنكبر كأطفال لكننا ولدنا كبار وجب علينا القتال لنستمر في الحياة و نحن أحرار.

سمعت عمي حينما كنت أصغر و قبل أن يقتله جندي صهيوني يقول: نحن أطفال الحروب لم نولد للسلام بل خلقنا للبحث عنه لأبناء أبنائنا أو ربما أبناؤهم..

نحن أبناء فلسطين، أبناء الحضارة و التاريخ، جذورنا في الأرض ها هنا متوغلة، لا و لن تنقطع، نحن أبناء الحروب، نحن أطفال لا نخشي الموت فقد خلقنا و أول ما سمعناه هو صوت الرصاص، نحن أطفال بلا طفولة.
أخبرتني أمي أن السماء في الليل تكون سوداء داكنة لكن ليلة أمس كانت كالوهج الأحمر، و كأن الشمس سقطت في حينا، كل ما أذكره أن حينا بالكامل تدمر، كان كساحة معركة، الدماء في كل مكان، و الدُمي الجديدة تمزقت لأشلاء كأصحابها..

لم يبق شيء، لم يبق أحد، لم تبق هنا أصوات في الحي سوى صوت بكاء طفلة صغيرة تحت الأنقاض، و صوت أنفاسي معاها هناك..
يبدو أن الجميع قد رحل، لم يبق شيء يؤنسني الآن سوى ذكرياتي.. الأليمة، فصوت أمي في الدار صار من الماضي الآن، و الدار أيضاً من الماضي..

لا أعلم هل سأصمد حتي يصل أحدهم و يرفع عني الركام أم أنني سأرحل قبل أن أري أطفال فلسطين يحيون بطفولتهم و ينعمون بسلام..
نحن أطفال الحروب، أطفال الموت، أطفال بلا طفولة..
نحن أطفال فلسطين..

انقبض قلب لينا بينما تقرأ لتلتفت لرفقائها و عيناها تبحثان عن إجابة علي سؤالها الذي ألقته أمامهم بتوجس، تخشي رد لا ترضاه نفسها
" و الفتاة؟! "
"ماذا عن قدس؟!!"

لم تري سوى ملامحهم التي تتألم و تهدل أكتافهم بخيبة، جاء صوت غيث يقول بأسي و تهدج صوته كان جليلاً لكل مستمعيه
" وجدوها تحت الركام تحتضن دميتها و تتشبث بالرسالة جيداً... بعد أن انقطعت أنفاسها و فاضت روحها لخالقها"

أصبح الوضع لا يحتمل، قلبي ينقبض لما يجري حولنا، كل يوم حكاية، كل يوم أحلام تموت، كل يوم جثث تتساقط و يبقي أثرهم فقط بين الركام.
سأظل أنشر تلك الرسائل لعلها تمس أرواحاً بقي فيها ذرة من رحمة، و رغم يأسي الذي تملكني من بني جنسي كلهم.

---------------------

براءةWhere stories live. Discover now