36- فرصة ثانية

594 37 8
                                    


" لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين "
----------------

" حسناً، تقبلين صداقتي؟! "
هذه كانت الجملة الأخيرة لعائشة و هي تمد يدها لمصافحة براءة قبل أن تحمل حقيبتها و ترحل..
تبادلتا حساباتهما علي مواقع التواصل لتدوم الصداقة أو بأصح تعبير لتبدأ كما تريدان.

عادت أيضاً براءة لشقتها التي تتقاسمها مع سمر، شعرت بإرتياب عند وصولها لباب المنزل، وقفت أمامه تحاول تهدئة الأمور داخل رأسها، أخذت شهيقاً طويلاً قبل أن ينقطع خوفاً
" براءة "
أخذت خطوة سريعة للوراء تزامناً مع صوته الذي جعل جسدها يرتجف من الرهبة، سرت به أيضاً قشعريرة مذعورة شعرت بها كامل أعضاء جسدها، الحمدلله أن صوت صرختها خرج مكتوماً لكي لا يحاول كتم أنفاسها كما فعل سابقاً _ هذا ما جال بخاطرها حينها_

" أسف، أسف، فقط استمعي إليّ، كل ما أريده منك بضع دقائق فقط "
حاول عدم إخافتها، ابتعد خطوة للخلف و بقي يكرر إعتذاره بينما وجهه متألم و عيناه مغمضة و كأنه هو الواقع في وضع يخشاه.
" ماذا تريد؟ "
هذا هو كل ما خرج منها بعد مجاهدة لإبقاء صوتها ثابتاً غير مرتجف
"

فقط الغفران.. "

---------------------

" هذا كل ما في الأمر، بعد رحيلك دخل في إكتئاب حاد جعله يفكر في الإنتحار، أقدم عليه لكن أنقذه أحد أصدقائه الذي ذهب لزيارته بعد أن شعر بأن غيابه التام قد طال عنه، قابلته ذات مره و رأيت في عينيه الإنكسار أمامي لأنني أعرف ما يخفيه، كانت نظراتي له ليست مستحقرة لكنه كان يخشي ذلك الأمر، ذلك ما أخبرني به بعد أن طلب مساعدتي، لا أخفي عنك الأمر ارتجف جسدي من الخوف لذلك الطلب، خفت أن أكون ضحيته التالية، لكن بعد بعض المشكلات بين عائلتي و تأثري نفسياً بها، وجدت أنني وحدي حقاً ليقتلني و أتخلص من الحياة أو ليكون بجانبي و أنا أعينه علي ما هو فيه، أصبحنا أصدقاء لأننا العرب الوحيدين هنا بعد رحيلك أنتِ و مُريد كنا نشعر بالألفة، اعتدنا علي وجودنا معاً، ساعدته في التعافي عند طبيب نفسي و بقيت بجانبه إلي أن عاد طبيعياً نوعاً ما، أما هو فبقي بجانبي حتي لا أشعر أني وحيدة. أحببته فأخبرته بذلك دون وعي مني أنني لا يجب عليّ فعل ذلك، و هو أخبرني بأنه يبادلني الشعور منذ طلبه مني المساعدة لكن خشي أن يخبرني فيزيد من خوفي منه و رفض الأمر.."

أسهبت سمر في الحديث بعد طلب براءة بأن تحكي لها كيف حدث هذا التقارب بينهم رغم معرفتها التامة بما هو عليه، كانت تحكي لها و مشاعرها تتحرك علي وجهها بوضوح كوضوح الأسماك في المياه الضحلة.
الأمر ذاته الذي تردد في عقل براءة حين حدثها جود أمام الباب قبل دخولها جال بخاطرها، هل تغير بحق؟!
أم أنها لعبة جديدة منه عليها! أم أنها لعبة بالإتفاق بينهما عليها؟..

بات الشك يأكل عقلها و قلبها، و إن كانت ستستند لصدق ما يقوله الإثنين فالدليل الوحيد هي عيناه الصادقة، كانت عيناه سابقاً تحملان الدهاء و الجاذبية لإيقاعها في شباكه و بعض الخبث الذي لم تفطن به إلا بعد رجوعها إلي مصر، كلما تذكرت ما حدث لها كانت تتذكر عيناه التي تتقد بالخبث و لم تستطع تفسير ذلك حينها، أما الآن عيناه كانت خاضعة تحمل الرجاء طالبة العفو إلا إن كان يستطيع التمثيل بتلك الحرفية العالية، وقتئذ سيكون مخادع جذاب يجب عليه أخذ مقعد في مقدمة حافلة هوليوود لإحتراف التمثيل و الخداع.

عقلها تشتت لكن إستجمعت شتاته حين توقفت سمر عن الحديث، سألتها براءة جادة
" هل تصدقينه لتلك الدرجة أم تكذبين عليّ مثله؟! "

امتعض وجه سمر للحظات قبل أن تتساقط قطرات الدمع من عينيها المتفاجئة من السؤال بعد كل ما أخبرتها به، لتقول من بين شقهاتها و صوتها الحزين
" بعد كل ما أخبرتك به!! "
أكملت بقطبة جبين و أسي
" حسناً؛ أدليت لك بدلوي و كل ما معي و الأمر متروك لك تصدقيني أو تكذبين ما أخبرتك به ذلك يرجع لك يا براءة "
تركتها سمر جالسة في صالة المنزل وحدها تقلب ما سمعته منها داخل رأسها، الشك مازال يخرب عليها كل شيء لكن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين عليها الحذر و بشدة لما يجري حولها هذه المره، لن تخذل ثقة مُريد بها مهما حدث..
اشتاقت له، لم يتصل بها أو يرسل لها الرسائل حتي الآن أيضاً، تنتظر بشوق سؤاله عنها، تشتاق لصوته حين يدللها، اعتادت وجوده حولها و معها أغلب الأوقات بعد إنهاء عمله..
ابتسمت لذكري إحدي مشاحناتهم التافهه علي أمر لا يذكر، كانت تتصرف بجنون، أخبرت نفسها أنها مازالت تتصرف بذات الجنون و العناد لولا ذلك العناد لما عادت إلى هنا و بقيت معه.
حسناً لترسل له رسالة، التقطت هاتفها و تسمرت أمام لوحة المفاتيح لا تعرف كيف تبدأ المحادثه؟!
بدأت في كتابة
" كيف حالك؟ " لكن وجدتها جملة جافة جداً فمسحتها لتكتب
" اشتقت إليك أكثر مما تتخيل حبيبي " توقفت قليلاً تقرأ ما كتبته لتشعر بسماجة الكلمات و كأنها تترجاه ليخبرها بأن تعود إليه و تترك ما أصرت علي فعله، مسحتها علي الفور.

فكرت ماذا يفعل الآن يا ترى؟! ماذا يفعل بدوني؟، هل يخرج ما أصدقائه كل يوم؟! أم أن واحدة مما تحوم حوله في العمل تتحدث معه بكل أريحية لعلمها بسفري!!
و هو لينتقم مني يجاريها في الحديث ولا يوقفها عند حدها تلك ال...، هل يمكن ذلك؟، هل يخونني الآن لأنني اخترت أن أسافر لإتمام دراستي؟؟
صرخت بصوت مفجوع
" ماذا، لا؟!!! "

خرجت علي إثر صوتها سمر من الغرفة تصرخ هي الأخري " ماذا حدث؟!، هل أنتِ بخير؟! "
" إنه يخونني "
صعقة ضربت سمر لتتوقف في منتصف الصالة تحاول إستيعاب ما تتفوه به هذه المجنونة التي مازالت في حاله عصبية و توتر و تنقر بكل غضب علي هاتفها و كأنها ترسل شيء لأحد، فكرت سمر ثم سألتها بلا أي ملامح تعلو وجهها من الصدمة
" كيف علمتِ بذلك و أنتِ هنا؟! "

توقفت براءة عما تفعله و نظرت لسمر و هدأت ملامحها لتقول و بكل بلاهة
" ظننت ذلك "
رفعت سمر حاجبيها قائلة
"ماذا؟؟ "
ردت براءة بذات البلاهة و بصوت خافت
" ماذا!! تخيلت أن ذلك يحدث.. فقط"

حاولت سمر تمالك ضحكتها بكل ما أوتيت من قوة و لم تستطع فانفجرت في الضحك حتي جلست علي الأرض علي أفعال تلك المجنونة، تخيلت أن زوجها يخونها فإنزعجت و تغير مزاجها كأجواء الخريف المزاجية

براءة أيضاً ضحكت ببلاهة علي نفسها و ما فعلت و ازداد ضحكها لرؤيتها سمر ماتت من الضحك علي الأرض أمامها.

صوت الرسالة التي وصلت لبراءة أوقفت موجة الضحك الهستيرية التي غزت الأجواء.
قالت سمر بترقب
" ماذا أرسلتي له؟! "
ازدردت براءة لعابها ببطيء و رمشت عدة مرات لتأكد لسمر شكوكها و أنها الآن في ورطة.

براءةWhere stories live. Discover now