30- إنذار أخير

569 53 6
                                    


لا تتشبث بآمال زائفة، ففي بعض الأحيان التخلي هو العلاج الحقيقي لداء عقلك الأبدي
'التفكير'
-----------------------

اليوم لم أنم جيداً -و كأنني أنام كل ليلة قريرة العين!
لكن اليوم ظلت كلمات أمي تتردد داخل رأسي الأسوء من التخلي هو الحب الزائف..

عقولنا توهمنا أحياناً بعد تلقي صفعة مِن مَن سلمناهم أكواد قلوبنا المشفره بأننا نحب من يهتم لأجلنا، إنهم حقاً يستحقون الحب لكننا عاجزون عن تبادل تلك المشاعر معهم، فلا سلطان لنا علي قلوبنا..
يؤسفني أنني استيقظت اليوم و حسمت أمري، انتهت جوالات المعركة في رأسي، و الفوز لا أعرف حليف من؟!
لكن جل ما أعرفه أنه سيكون قاسي، مؤلم و في بعض الأحيان قد يكون صادماً.
و أظن أن لا أحد سيتقبله..
ففي النهاية أنه قرار محطم لآمال الجميع.. حتي أنا.

أطبقت دفتى دفترها معاً و وضعته بجانبها علي الطاولة، طاولة المقهي ذو الذوق المصري القديم.
سمحت لعينيها بالتنقل بين الأثاث و الأشخاص، و صوت أم كلثوم يصدح في المكان من المذياع، تقول:
'كان لك معايا أجمل حكاية في العمر كله..'

اللون البني العتيق يكتسح الصورة، حتي أن المباني المقابلة لواجهة المقهى تعتقت بأصابع الزمن الجميل، و ارتسمت ملامحها الشامخة بصوت 'الست' يخرج صباح كل يوم من مذياع منزل ما، كانت المباني تروي حكايات عن الزمن و البشر، كانت قديمة لدرجة أنها تصرخ لقد مر من هنا قلبان صادقان يخجلا من مصارحة بعضها البعض بالحب..

لقد خُيل إليها أنها بحاجه لسلام و جمال وسط المدينة في الستينات، تبحث بعينيها عن الرقي و الشموخ في تفاصيل تلك البقعة من القاهرة، كانت عيناها تتحرش بالجدران و التماثيل في الميادين و الأبواب العالية العتيقة، و الأحجار العتيدة.. كان السير في شوارع وسط المدينة كالتنقل عبر آلة زمان بين الماضي و الحاضر، هل فكرت يوماً بالبحث عن الماضي؟!

أظن أن إجابتك هي لا..
لا ألومك البتة فالمضي قدماً دائماً هو الحل، لكن إنسان بلا ماضِ لا حاضر له، يكمن التعقيد في البساطة و هذه هي قلب القاهرة تمضي قدماً و تنبض بالحياة و تبحث عن الأمل مستقبلاً لكنها تحمل في طياتها الماضي العتيق لم تجرأ علي التخلي عن هويتها و ذلك ما جعلها أحد أجمل الأماكن التي تشعر بعبق التاريخ ينتشر من حولك فيها و أنت تسير في شوارعها الجميلة.

هكذا أيضاً كانت تراها براءة، أُغرمت بالقاهرة القديمة و لاتزال غارقة في عشقها الأبدي لذلك المكان الذي مهما شعرت بالوحدة تعلم أنها تنتمي إليه و لن يخذلها في احتوائها.

"إذاً إنه لقائنا الأول بعيداً عن البيت و العائلة، أيمكن تسميته بوعدنا الأول؟!"
كان سؤاله الأخير مع ابتسامته الساحرة كالسهم في منتصف جبتها، إنه إنذارها الأخير، إن غادرتِ لا يمكنك العودة مجدداً..

براءةWhere stories live. Discover now