السادس والعشرون

123 2 0
                                    

واشنطن ..

بعد مرور عشر دقائق تقريبا على جلوسها تحت شجرة كبيرة في منتزه , تتأمل كل شيء حولها .
الأطفال وهم يلعبون ويمرحون في الأرجاء .
الأمهات وهن يركضن وراء الأطفال , أو الأباء .
على المقاعد , بعض العشاق .. يتحدثون ويضحكون .
ابتسمت بألم وهي تشتم حظها السيء في الحب .
قبل أن يقطع لحظات التأمل تلك , جلوس أحدهم على بعد مسافة بسيطة منها .
التفتت إليه مستغربة , لتجده سامح .
الذي ابتسم ابتسامة واسعة .
قطبت حاجبيها باستغراب :
- وش جابك هنا ؟
- لحقتك .
ردت باستنكار :
- والله ؟ وليش يا حضرة الطبيب النكدي , أقصد الكندي .
ضحك سامح :
- أول شيء أنا من زمان نقلت لأمريكا وما أشتغل في كندا , ثانيا .. حاب أعرف ليش ما تبيني ؟
دُهِشت من سؤاله , وتلعثمت :
- مين قال لك إني ما أبيك ؟ سمعت اللي قالته أمي .
مدد سامح رجليه أمامه , ووضع كفيه خلفه على الأرض :
- اللي قالته أمك , بس اللي قاله وجهك شيء ثاني .
ازدردت ريقها بارتباك , وهي تتحاشى النظر إليه .
غصة مؤلمة تقف في حلقها , تمنعها من الرد .
لأنها إن تحدثت ستبكي لا محالة , وهي لا تريد ذلك .
وأمام مَن ؟ هذا السامح ؟
سألها بهدوء :
- قولي السبب هينا .
زفرت هينا بصوت مسموع وهي تستند بظهرها على جذع الشجرة :
- بعلمك عشان ما تتقدم في الخطبة , بس لا تعلم أمي , توعدني ؟
أومأ بإيجاب :
- أوعدك .
ضمت هينا كفيها بتوتر :
- تدري إنه ما تجوز خطبتك على خطبة أخيك المسلم .
رفع أحد حاجبيه باستغراب :
- إيش قصدك ؟
- لما جينا واشنطن في أحد خطبني قبلك , أنا لسه قاعدة أفكر بالموضوع , لكن أمي ما تباني أتزوجه , يعني .. أنا ما رفضت , ما يصير هالشيء صح ولا لا ؟
بدت نبرتها طفولية وهي تسأله بيأس , ابتسم :
- ومين هالشخص ؟ ليش أمك ما تبيك تتزوجيه ؟ وليش انتِ لسه قاعدة تفكرين حتى بعد رفض أمك .
تذمرت هينا :
- أمي رافضة لأنه مريض , أقصد كان مريض .. جا أمريكا عشان يسوي عملية استئصال , سواها ونجحت العملية بس لسه ما قام .. تقول ما تباني أتزوج واحد بين الحيا والموت , يعني خلاص نجحت العملية يمكن بيقوم بالسلامة و …………..
قاطعها سامح يسأل بفضول :
- لحظة , عملية إيش ؟ استئصال إيش ؟
- استئصال ورم من الدماغ .

اتسعت عيناه بصدمة :
- هينا من جدك ؟ أصلا الموضوع ما يبي له تفكير .. هو حتى لو قام يمكن يفقد شيء من حواسه أو شيء من وظايف جسمه إذا ربي كتب , ليش ما تسمعين كلام أمك وترفضينه .
يأست مجددا واسود وجهها :
- ويمكن يكون بخير .
- طيب إيش اللي يجبرك تتزوجين واحد كان مريض سرطان , ترى في احتمال ترجع له هالأورام مستقبلا لو قام بالسلامة يعني .
عضت هينا شفتها بضيق :
- لا تضيق صدري أكثر .
نظر إليها بعينين ضيقتين :
- تحبينه ؟
أجابت بتلقائية وعدم مبالاة :
- لا وين .
- أجل ما في سبب مقنع لرفضك لي , بروح معاكم للسعودية عشان نعقد القران .
التفتت إليه بغضب , وملامح عابسة :
- الحين توك تقول سمعت اللي قالته أمي وما سمعت رأيي , بعد ما سمعت رأيي ليش مُصِّر ؟
أجابها بهدوء وهو ينظر إلى الأمام :
- اصلا وانا جاي هنا كنت مصر على قراري , وكنت متأكد إنه عمي ما راح يردني .. لكن لما شفت ردة فعلك عرفت إنه وراك شيء , حبيت أتأكد منك , ما دام السبب مو حب لشخص ثاني , ما عندي مانع أتزوجك , لأني أرفض أتزوج وحدة تحب غيري .
عند حديثه , ألمها قلبها .
وأجفلت .
هل هادي سيرضى بذلك ؟
أن يتزوج فتاة تحب غيره ..!
لا بد من أنها لم تستوعب جدية ما قاله سامح حتى الآن .
بما أنه سمح لها بالبوح عما بها , وعن سبب رفضها وأجابته بأريحية تامة .
وربما .. جرح زياد كان عميقا , لدرجة أنها حتى وهي أمام شخص آخر يريد أن يرتبط بها , تفكر في هادي , وشعوره إن علم أنها كانت تحب سواه .
صاحت فجأة :
- ياخي أنا لسه صغيرة ليش كلكم تبون تتزوجوني ؟ قبل كم يوم متزاعلة مع أمي عشان نفس الموضوع , من رجعت من أمريكا وانا وياها بس نتهاوش على سالفة الزواج والعرسان اللي ما يتعوضون , فكوني بس ما أبي أتزوج خلاص بكمل دراستي , كأنه ما في بنت غيري في العالم .
أحرق دمها برده البارد :
- ما قلت إني بمنعك من الدراسة , بالعكس لو انتِ رفضتِ بخليك تكملين غصب .
تأففت بصوت عالِ وهي تقف :
- انت بس سويها واخطبني رسمي , صدقني بخلي حياتك جحيم .
ابتعدت عنه بخطوات مسرعة وغاضبة .
حين ابتعدت بمسافة كافية لتختفي عن ناظريه .
وقفت في مكانها تفكر , هل ستظلم هادي إن وافقت عليه وتزوجته ..!
على حسب ما قالته والدته , أنه قبل أن يسافرا .. أخبرها بأمنيته الوحيدة في حالته هذه , وهي أن يتزوجها .
يعني ..
إن وافقت سيفرح كثرا , هذا أمر مؤكد .
عنها هي ..
تشفق عليه , تريد أن تسعده .. وأيضا .
تريد الهرب من تأثير حبها لزياد , تريد أن تتخلص من الوجع الذي خلفه ذلك الحب البائس .
ألن تظلمه هكذا ؟
ألن تخدعه ..!
ضربت الأرض برجلها على حين غرة .
ما هذه الحياة المملة ؟
مؤخرا أصبح أمر الزواج يشغل عقلها تماما , لا شيء سوى الزواج .
سامح السامج , هو فقط ما كان ينقصها لتفقد صبرها وعقلها .
تبا ..!

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن