السابع والعشرون

107 3 0
                                    

الم فظيع، أسفل ظهرها.. وقدميها.
الذين طوتهما منذ أن دخلت إلى هذه الحجرة، وبقيت على ذلك الحال حتى الآن.
نامت دون أن تشعر، وهي على ذلك الوضع.
حين استيقظت شعرت بعنقها متصلب من عدم الحركة لأربع ساعات.
اعتدلت بجلستها وفردت ساقيها أمامها، وتأوهت بألم.
لتهرب دمعة يتيمة من عينها دون أن تشعر.
وتستقر بمنتصف وجنتها، تلتها الكثير من الدموع التي مسحتها بسرعة.
لتلتفت إلى من تحدثها من خلف ظهرها:
- ترى كل شيء نظيف، يعني ما كان في داعي تنامين بهالوضعية وتعورين جسمك.
نظرت إلها بحدة، لتقول دون أدنى احترام لهذه الفتاة الأكبر منها سنا:
- مالك شغل فيني.
وقفت متجاهلة ألم ظهرها، لتتجه إلى الباب.. تحت أنظار المتواجدات الساخرة.
والتي تنظر إليها بفضول في ذات الوقت.
بدأت تطرق الباب بقوة, وتصيح منادية لمن تحرسهم من الخارج.
أتت لتقول بغضب:
- انتِ محسبة نفسك في بيتك عشان تزعجينا كذا؟ انطمي وارجعي مكانك.
وضعت لجين يدها على بطنها الذي يؤلمها من الجوع, فهي لم تتناول شيئا منذ الأمس:
- جوعانة طيب أموت؟
- انتِ ما أكلتِ الأكل اللي قدمناه ما لنا دخل.
تأففت لجين وهي تزم شفتها بعدم رضى، ثم قالت رغما عنها:
- قولي للأستاذ فواز اني بتكلم، ما أقدر أقعد هنا أكثر من كذا.
غادرت الحارسة، لتعود بعد ربع ساعة وتخبر لجين التي لم تجلس، بل ظلت تذرع المكان جيئة وذهابا تكتف يديها وتنظر إلى الأسفل.
وما إن سمعت صوت القفل حتى هرعت نحوه.
- ينتظرك المحقق فواز.
خرجت من الحجرة البائسة، لتذهب وراء الحارسة بعد أن قيدت يديها.
حين اقتربت وجدت سامي وزين ورائد بالقرب من حجرة التحقيق.
أدمعت عيناها لا إراديا، حين أبصرت اخويها.. ورأت أعينهم المحمرة.
اقترب منها رائد أولا بعد أن حلّت الحارسة قيدها وغادرت، وأمسك بكتفيها، وبنبرة غاية في الحنية:
- إنتِ بخير؟ نمتِ كويس؟
هزت رأسها نفيا، لتبدأ دموعها بالنزول، وهي تعانقه بقوة وتبكي، وتقول من بين شهقاتها:
- ما سويتها والله ما سويتها، ما حاولت أذبح فهد أنا أدري إنه بريء وأنا احبه مستحيل أأذيه.
ضمها رائد بقوة ومسح على شعرها، ثم قبل جبينها ومسح دموعها بلطف:
- عارف يا قلب اخوك عارف وواثق من هالشيء، بس تكلمي وقولي الحقيقة عشان تخرجين معانا الحين، تمام؟
أومأت بالإيجاب ووجهها محمر بشدة.
أمسك رائد بحجابها, ليضعه على شعرها ويلف رأسها به.
- كذا شكلك أحلى وأفضل، واذا بتغطين وجهك بعد يكون أحسن.
ابتسمت بشحوب، ثم عانقت سامي حين اقترب منها هو الآخر.
لتسأل بهدوء:
- كيفها أمي؟ وياسر وقمر؟
تنهد سامي بضيق، وهو يتبادل النظرات الحائرة مع رائد.
ثم ابتسم بهدوء :
- كلهم بخير الحمدلله، لا تشيلين هم.
قبل أن تدلف إلى الحجرة برفقة رائد، سقطت عيناها على زين الذي يجلس على مقعد بعيد نوعا ما.
رأسه إلى الأسفل، ويضم كفيه بقوة.. يتضح عليه الشرود والحيرة.
زفرت بضيق، ثم دخلت إلى الحجرة برفقة رائد.

بعد عدة دقائق..
لا زال فواز يسأل عن سبب وجود بصماتها على السكين، وعن سبب خصامهم تلك الليلة.
إلا أنها ظلت صامتة، شاردة الذهن.
ورائد يحثها على الحديث.
حتى غضب فواز فجأة، وضرب بيده على الطاولة:
- بنفسك قلتِ انك بتتكلمي وطلبتيني، ليش الحين ساكتة؟ ولا عجبك السجن وتبين تقعدين يوم زيادة؟
أخفضت رأسها وهي تنظر إلى كفيها المحمرين من شدة الضغط، لتقول أخيرا بهدوء :
- ما حاولت أقتله، ولا قد فكرت.
قالتها وازدردت ريقها بتوتر، تبعد عيناها عن الجميع.
فواز بقلة صبر:
- أجل وش اللي جاب بصماتك للسكين؟
- أذكر مسكت السكين، لكن مو عشان أطعنه، أنا قطعت له تفاح كان بيده لما دخلت.
ضحك فواز فجأة وبعدم تصديق، هل كان الأمر سخيفا إلى هذه الدرجة؟
إلا أنه مرر الأمر هذه المرة، ليسأل:
- وش سبب هواشك معه ذاك اليوم؟
غضبت لجين:
- ياخي وش دخلك باللي بيني وبين زوجي؟ ليش ظليت تسأل هالسؤال من أول؟
- لأنه مهم، بما إنه كان في خصام قبل الجريمة، معناته يمكن طعنتيه بدافع الغضب وانتِ ما تدرين.
نظرت إليه بذهول، ثم ضحكت بصوت مرتفع:
- شكلك متأثر كثير بالأفلام البوليسية.
توقفت عن الضحك وهي ترى نظراته الحادة، والغضب على وجهه، لتقول:
- خلاص بقول لك السبب اللي ما يغني ولا يسمن من جوع ولا راح يفيدك ولا بيقدم شيء للقضية، تهاوشت وياه لأن اختي رؤى خبرتني من كم يوم إنه احتمال مو هو القاتل، بس قاعد يغطي عليه ويحميه، عصبت عليه وقلت له يتكلم ويعترف عشان يطلع من هالقضية ويريح نفسه ويريحنا، لأنه رؤى مستحيل تهدأ إلا اذا تكلم واعترف.

الجزء الثاني من سلسلة ملامح الغياب: هزائم الروح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن