الفصل السابع عشر... 3

162 28 0
                                    

*
-..... إلى أين تريدين أن نذهب؟
-ليس إلى مكانٍ محددٍ؛ هيا أوقف السيارة هنا ولنجلس فى الحديقة المجاورة...
هز مراد رأسه موافقاً ثم أوقف السيارة فى أحد الجوانب، وترجل منها برفقة فريدة؛ سارا سوياً حتى جلسا على أحد المقاعد العامة....
-لم أتوقع أن تتصلى بى؛ ظننتكِ ما زلتِ غاضبةً منى منذ ذلك اليوم...
ابتسمت فريدة وهى تخرج تلك العلبة البلاستيكية من حقيبتها وتضعها فى المساحة الصغيرة بينهما ثم بدأت تتحدث: لستُ غاضبةً منكَ؛ ولكن بما أنكَ تقول هذا فلا شكَ أنكَ فعلت شيئاً قد يغضبنى... أسمعكَ
-لا أدرى من أين أبدأ... أرجع جسده إلى الخلف قليلاً ثم راح يحدق فى السماء الداكنة
....أترينَ هذه النجوم الجميلة يا فريدة؟ أنتِ أكثر جمالاً منها...
لم تجب؛ ولم تفعل شيئاً، اكتفت فقط بتلك الابتسامة الباهتة التى ارتسمت على وجهها...، تنهد هو قليلاً قبل أن يبدأ بالحديث مجدداً: أنا ذهبتُ إلى أمى يا فريدة...
اتسعت عيناها بعض الشىء وهى تنظر إليه نظراتٍ محملةً بالدهشةِ...
-أحقاً ما تقوله؟ هذا رائعٌ... ماذا حدثَ؟ عمَ تحدثتما؟؟
-أشياء عادية، سألتها عن حالها وتفقدتُ المنزل الذى تعيش به... تبدو بخيرٍ...
-إذن لماذا لا تبدو أنتَ بخيرٍ؟...
-لأننى قابلتُ هناكَ أحداً لم أكن أرغبُ برؤيته في حياتى
-هل يمكننى أن أسألَ..من؟ هذا إذا كنتَ تريد ان تقول طبعاً...
قسمات وجهه المبهمة لم تمكنها من تأكيد تلك الشكوك التى تدور بداخلها؛ لا حل سوى انتظار جوابه....
-...ميليس، يعنى حبيبتى السابقة، لم يكن لقاءً طويلاً ولكننى حقاً انزعجتُ...
..." ضغط مراد على دواسة البنزين لتنطلق السيارة على الطريق... ليس من عادته أن يقود بسرعةٍ؛ من الواضح أنه أراد تفريغ طاقته السلبية بهذا الشكل بدلاً من الشجار معها....
-ألا تريدُ أن تقولَ لى شيئاً؟
-لا، أنتِ من طلبتِ الحديث... أمامكِ دقيقتان لا غيرَ...
-مراد... أنا أريدُ أن أوضحَ لكَ...
-وأنا لا أريدُ أن أتحدثَ عن الماضى؛ لا أتخيلُ حتى أن لديكِ تبريراً منطقياً...
تنهد قليلاً قبل أن يتابع: كيفَ ستبررينَ أنَ كل كلمة حبٍ... وكل لحظةٍ جميلةٍ عشناها كانت من تدبير أمى؟ وأنكِ شاركتها فى هذه الخطة البشعةِ...؟
بأى وجهٍ تخرجين أمامى وتقولين بكل ثقةٍ سأوضح لكَ؟
-ولكننى حقاً أحببتكَ يا مراد... لا تفعل
-وأنا حقاً أحببتكِ؛ وبقدر هذا الحبِ لن أنسى ما فعلتهِ، هل سمعتِ؟ لن أنسى....
...ضغط على مكابح السيارة فجأةً ثم ترجل منها، علَّ الهواء النقى يعيده إلى وعيهِ...، لتخرجَ هى الأخرى بعده ببضع لحظاتٍ وتسير فى الاتجاه المعاكس...."
....عودة مرةً أخرى للوقت الحالى...
-إذن لا شكَ أنها هى من تركت هذه الورقةَ... 
-أى ورقةٍ؟
...وضعت يدها فى جيب سترتها وأخرجت تلكَ الملاحظة الصغيرة وأعطتها لهُ، اخذ يتفحصها قليلاً قبل أن يعود ببصره إلي فريدة ويتحدث بجمودٍ: أنتِ من أجلِ هذا تعامليننى بهذه الطريقة منذ أيامٍ؟ أجل هذا خطها تقريباً... ربما تركتها فى السيارة دون أن أنتبه...
...لماذا لا تأتين وتتحدثين معى مباشرةً؟
-لم أرد أن نتشاجر بلا داعى...
-أنتِ لم تريدى الشجار؟ لا أصدق...  بالتأكيد هذا ليس كلامكِ وإنما كلام يوسف... الآن فهمتُ إلام كان ذلكَ الأبله يلمح لى...
-هل انزعجتَ؟
-أجل... لوى شفتيه قليلاً وهو ينظر فى الاتجاه المقابل..
-حسناً سأصالحكَ؛ خذ تذوق هذه... فتحت العلبة البلاستيكية وأعطتها له قائلةً بمرحٍ: للأسفِ هذا فقط ما تمكنتُ من إنقاذه قبل أن يأكله يوسف...؛ ابتسم لها ثم أخذ العلبة من بين يديها وبدأ يتناول القليل...
-جميلةٌ... سلمت يداكِ يا عزيزتى... اصنعى لى واحدةً أخرى وسأسامحكِ... من دون أن يأكل منها يوسف بالطبع...
..هزت رأسها مع ابتسامةٍ بسيطةٍ؛ ثم عادت تنظر إلى السماء...
************************************
...فتح عينيه ببطءٍ شديدٍ؛ ماذا يحدثُ؟ كان هذا أول سؤالٍ خطر على باله... حرَّك رأسه قليلاً وقال: منذ متى وأنا نائمٌ؟
-لا أدرى... أظن أنكَ تجاوزتَ الساعتين...
-لماذا لم توقظينى؟ لا شكَ أن كتفكِ آلمكِ بسببى.. رفع رأسه عن كتفها ورمقها بنظراتٍ طفوليةٍ...
-لا تقلق أنا بخيرٍ؛ لم أشأ إزعاجكَ، كنتَ تبدو متعباً...
-أين فريدة؟
-بعد أن تأكدت أنكَ نمتَ خرجت مع مراد... قالت أنه لا داعى لوجودها ما دمتَ نائماً...
-المزعجة...، هل ما زال هناكَ المزيد من تلكَ الكعكةِ؟
-لا... أخذت البقية لمراد..، أنا تقريباً أنهيتُ التقارير.. ما زال لدينا بعض الوقتِ قبل أن تعود فريدة وتطردكَ..، هل لديكَ أفكارٌ؟..
-لا شىءَ؛ أنتِ لا تحبينَ أى شىءٍ أساساً...
-أحبكَ أنتَ، ألا يكفى...؟
ابتسم يوسف ثم سحبها من ذراعها معانقاً إياها و تابع: لا تفعلى... أحاول أن أبقى مهذباً فلا تسحبينى للانحراف... حتى أنه من الأفضل أن أغادر الآن قبل أن أنحرفَ ونتشاجرَ...
....وقف بجوار الباب يكمل انتعال حذائه لتقول هى: يوسف... لستَ غاضباً أليس كذلكَ؟
-أبداً... ابتسم وهو يقبل جبينها برفقٍ؛ أعلمُ أنكِ مشغولةٌ؛ أنا يكفينى أن أراكِ وأكون بجانبكِ فقط... حتى لو بقينا صامتين ولم نفعل أى شىءٍ...
........................................................................
...لا أنتم بالتأكيد تمزحون؛ سأعتبر أنكِ لم تقولى شيئاً؛ وأنا لم أسمع شيئاً... والآن هيا اخرجى يا عزيزتى ليلى وتعالى مرةً أخرى مع أخبارٍ أفضل من هذه....   هكذا ختم يوسف هذا الحوار؛ والذى لم يستمر أكثر من بضعة دقائق؛ لتتنهد ليلى بسأمٍ وتخرج من غرفته وتغلق خلفها الباب..
..أخرج يوسف هاتفه وعاد يشغل تلك اللعبة الالكترونية؛ والتى يتسلى بها منذ عدة أيامٍ بينما قال لنفسه: لا هذا كثيرٌ على صحتى وشبابى... بالتأكيد أبى يمزح؛ يا ربى أنا بالكاد ارتبطتُ قبل أسبوعٍ ولم أجد وقتاً للخروج مع الفتاة حتى...  سأبدأ بالاقتناع أننى منحوسٌ حقاً....
........... فى ذات الوقت وفى مقهى الشركة
...وقف مراد أمام مسخن الماء الكهربى واضعاً على الطاولة فنجانين زجاجين؛ اليوم قرر أن يعد هو القهوة من أجلها... أمسك الفنجان الخاص بها وابتسم وهو ينظر إلى الرسم المميز الذى يزينه- تداخلٌ غريبٌ من الألوان المختلفة أقرب إلى الفن التشكيلى-؛ غريبٌ ولكنه ملائمٌ لشخصيتها الفريدة من نوعها؛ ظل على نفس هذه الحالة من الشرود وقتاً لا بأس به...  قبل أن يشعر بذلك الصوت الأنثوى الهادىء...
-...مراد؛ الماء...
-ماذا؟ التفت إلى-ليلى- الوافقة بجواره ثم أعاد سؤاله مجدداً: ماذا؟
-أقول الماء... لقد غلى منذ وقتٍ طويلٍ؛ ما هذا الشرود؟ أم أنكَ عاشقٌ أنتَ الآخر مثل صديقكَ؟
-تقريباً؛ ابتسم لها قليلاً ثم تابع: يعنى بالطبع لم أصل إلى مرحلته ولكن...  وأنا أيضاً حالتى غريبةٌ يا ليلى...   بدأ يصب الماء المغلى فى الفنجانين؛ ثم عاد ببصره إليها وسأل: ما زال هناكَ بعض الماء؛ هل تريدين؟
-...لا شكراً لكَ... سأعد شكولاتة ساخنةً من أجل يوسف... ربما يهدأ قليلاً ويستوعب القرارات الجديدة...
-أيةُ قراراتٍ؟   استطرد مراد وقد ترك الملعقة الصغيرة على الطاولة؛ لتتابع ليلى بمرحٍ: أم أنكَ لا تعلم أنتَ الآخر؟ ... تهانينا... مجلس الإدراة قرر البدء فى عدة مشروعاتٍ جديدةٍ فى نفس الوقت وتم توزيعها على جميع العاملين بقسم المعمار بنظام الفرق لأن الوقت قليلٌ جداً هذه المرة ولكن...   كانت تحاول كتم ضحكاتها بينما تتابع الكلام..
-.... لا .. لا تقولى أننى ويوسف سنعمل سوياً؛ يا ربى لماذا يحدث معى هذا؟ ألا يوجد غيره يعنى؟ لقد وعدت نفسى ألا أعمل معه ما لم أكن مضطراً منذ مشروع التخرج.......
...إلا أنها لم تعقب وإنما استمرت فى الضحك؛ قطب حاجبيه وقال بقلقٍ: ماذا؟ ماذا يمكن أن يكون أسوأ من العمل مع يوسف؟....
-هناكَ أسوأ؛ العمل وحدكَ يا عزيزى مراد؛ أنت ويوسف مستثنيان من هذا القرار وبالطبع الاستثناء لا يشمل الوقت....
-طيب يوسف وفهمنا؛ والده يريد إعادة تربيته...  ما ذنبى أنا؟ لماذا أعانى مثله؟ ما الذى فعلته فلى حياتى ليحدث معه كل هذا؟؟ 
-لستُ متأكدةً... ربما فعل هذا لكى لا يتذمر يوسف... على كلٍ الموضوع نهائىٌ وغير قابلٍ للاعتراض؛ لن نجد وقتاً للعودة إلى المنزل حتى فى الأيام القادمة...
-معكِ حقٌ... شىءُ من الإحباط بدأ يغطى قسمات وجهه وهو يتابع: على كلٍ... بالكاد سأعود إلى المكتب لأناقش الموضوع مع فريدة ونرى ماذا سنفعل؛ يبدو أننا سنبيت فى الشركة نحن الأربعة يا ليلى..
...هيا أراكِ فيما بعد....
*************************************
....وتمضى الدقائق والساعات والأيام... بإيقاعٍ هادئٍ وبطيء؛ الشتاء البارد يحمل دفءً على غير عادته، حتى شروق الشمسِ وغروبها صار أجمل... عتمة الليل تمحوها تلكَ اليراعات الصغيرة؛ ترسم سراجاً فى السماء... هل من الممكن أن تحلو الحياة فى عينيكَ... فقط بسبب شخصٍ فيها؟؟....
.......................
-شكراً لكَ يا عم...   ابتسمت بلطفٍ بينما ناولت السائق أجرته ثم ترجلت من السيارة، أخرجت بطاقة الذاكرة من جيبها ثم أخذت تحدق بها قليلاً بابتسامةٍ غير مفهومةٍ؛ من المفترض أن تكون منزعجةً لأنها قطعت كل هذه المسافة-وفى يوم عطلتها- فقط من أجل الملف الذى نسيته فريدة فى المنزل...؛ ولكن بالنظر للأمر من جانبٍ آخر فهى فرصةٌ جيدةٌ لتراه...؛ لم يتقابلا منذ عدة أيامٍ بسبب إنشغاله فى مشروعه الجديد على حسب ما تعلم...
خرجت من المصعد ثم سلكت طريقها أولاً نحو مكتب مراد-حيث تعمل فريدة-، طرقت الباب بخفةٍ ثم دخلت عندما سمعت إذنه بالدخول...
-صباح الخير...   ابتسمت برقةٍ وهى تتابع طريقها نحو الداخل
-صباح الخير يا مريم، أعتذر لأننا أتعبناكِ بالقدوم حتى هنا فى يوم عطلتكِ   قال مراد وهو ينهض مصافحاً إياها؛ فيما تابعت فريدة: لماذا جئتِ؟ كان يكفى أن ترسليه فقط..
-لا عليكما، حقاً لا مشكلةَ فأنا لم أكن مشغولةً...
-لماذا بقيتِ واقفةً؟ هيا اجلسى وأنا سأطلبُ من أجلكِ شيئاً تشربينه..   اقترح مراد وهو يمسك هاتف المكتب
-لا داعى لا تتعب نفسكَ، سأمر على يوسف فأنا لم أره منذ فترةٍ، ربما أشرب شيئاً معه...
ابتسم لها مراد بتفهمٍ ثم قال: كما تريدين، اطلبى منه أن يبدأ العمل بدلاً من أن يؤجله كعادته لآخر يومٍ، أراكِ فيما بعدٍ....
خرجت مريم من المكتب لتقول فريدة بابتسامةٍ: وأنا أقولُ لماذا أصرت على القدوم؛ كان يجب أن أفهم  أكره الاعتراف بهذا ولكن يوسف فعل ما لم يستطع أحدٌ فعله طوال السنوات الماضية...
-وهو أيضاً تغير كثيراً؛ إنهما أفضل ثنائى رأيته منذ فترةٍ؛ من بعدنا طبعاً...   ابتسم لها وهو يلامس خدها بحركةٍ مازحةٍ، بادلته الابتسامة ثم نهضت لتصبح فى مقابلته تماماً وتابعت: عزيزى هذان طفلان لا داعى لأن نقارن نفسنا بهما....
-معكِ حقٌ؛ لتنتهى هذه الأعمال المتراكمة أولاً وسأجهز يوماً رائعاً من أجل كلينا.......
.............................................................
.وصلت إلى مكتبه؛ لتجد سكرتيرته-ليلى- التى صارت تعرفها جيداً من حديثه عنها؛ كانت تضع بعض الأوراق على مكتبها بعنايةٍ ثم أمسكت فنجاناً يحوى مشروباً ساخناً وتحركت مقتربةً من مكتب يوسف
....هنا دخلت مريم فى تلك اللحظة؛ حمحمت بهدوءٍ لتلفت انتباه ليلى وقالت: صباح الخير..
استدارت ليلى نحوها وسرعان ما ابتسمت بلطفٍ...؛ مريم أليسَ كذلكَ؟
-أجل، وأنتِ ليلى...  لم نستطع التعرف بأى شكلٍ من قبلِ... 
-ربما أنتِ لا تعرفيننى ولكننى أعرفكِ منذ وقتٍ طويلٍ...  ابتسمت ليلى وهى تعيد وضع الفنجان على المكتب الخاص بها؛ لتقول مريم بعدم فهمٍ: ماذا تقصدين؟...
-أعرفكِ منذ أول باقة أقحوانٍ؛ لأننى أنا من كنتُ أقوم بإحضارها...
لونٌ وردىٌ طفيفٌ صبغ وجنتيها وهى تبتسم بخجلٍ؛ ما لبثت أن غيرت مجرى الحديث وقالت: هل يوسف فى الداخل؟
-أجل؛ كنتُ سآخذ إليه القهوة علَه يفيق قليلاً ويبدأ العمل...؛ هل تعلمين؟ لدىَ فكرةٌ افضل... خذى أنتِ القهوة واذهبى إليه؛ أنا مشغولةٌ وليس لدىَ وقتٌ لأحاول إقناعه بأن يعمل؛  ثم تابعت وهى تحمل الفنجان وتضعه بين يدى مريم: أنتِ حبيبته لذا عليكِ أن تتصرفى...؛ أعتمدُ عليكِ...
...لم تنتظر رداً منها وإنما غادرت مسرعةً؛ تاركةً مريم خلفها تنقل بصرها بدهشةٍ بين الفنجان وباب مكتبه....؛ ابتسامةٌ خفيفةٌ ارتسمت على شفتيها وهى تطرق الباب...
-تعالى يا ليلى ولكن لا تتعبى نفسكِ سأبدأ غداً...    أتاها صوته من الداخل، فتحت الباب لتراه جالساً على كرسى المكتب-متخذاً وضعيةً أقرب للنوم-، دخلت وهى تقول بنبرتها الرقيقة: هل يمكن أن آتى أنا؟
بتلقائيةٍ فتح عينيه مع ابتسامةٍ خفيفةٍ؛ نهض من الكرسى متجهاً نحوها؛ فيما كانت هى قد أغلقت الباب واقتربت منه، بالكاد تمكنت من وضع فنجان القهوة على الطاولة-قبل أن تجد نفسها بين ذراعيه فى هذا العناق اللطيف-، همس لها بنبرةٍ اتضحت فيها ابتسامته: ماهذه المفاجئة الجميلة؟ اشتقتُ لكِ
-وأنا أيضاً...  أجابت برفقٍ وهى ترخى ذراعيها عنه قليلاً.. خفف هو الآخر ذراعيه ثم ابتعد عنها وتابع التحديق بعينيها الزرقاوين؛ حتى الآن ما زال غير مستوعبٍ لهذه الحالة الغريبة التى يعيشها منذ قرر أن يخوض هذه التجربة معها؛ كان متردداً من حقيقة مشاعره فى البداية؛ إلا أنه لم يعد يمر عليه يومٌ إلا ويكتشف فيه أنه يحبها بحقٍ.... بل أكثر مما تتصور هى..؛ من كان يتخيلُ أن يقع يوسف ديميرهان فى الحب بهذا الشكل...يوماً ما؟؟..
-تعالى لنجلس هناكَ قليلاً...  احتضن كفها بين أصابعه ساحباً إياها وراءه ليجلسا سوياً على الأريكة الفخمة الموجودة فى أحد جوانب غرفته...
-فريدة نسيت بعض الملفات فى المنزل لذا جئتُ لأحضرها... وقلتُ أن آتى لرؤيتكَ بما أننا لم نتقابل منذ وقتٍ طويلٍ...
-جيدٌ أنكِ جئتِ فأنا اشتقتُ لكِ، ماذا أطلبُ لكِ؟ شاى.. قهوة.. عصير..
-لا أريد شيئاً شكراً لكَ، إنما جئتُ لأراكَ فقط، لن أطيل البقاء أصلاً فأنا لا أريد تعطيلكَ...
-هل تقولين هذا الكلام بكامل وعيكِ؟ ألم أكن نائماً قبل قليلٍ؟ .. حتى أننى كنتُ أنتظر أن تأتى ليلى وتتشاجر معى الآن...
-قالت لى أنها مشغولةٌ ولا وقتَ لديها لتحاول إقناعكَ بالعمل، وتركت قهوتكَ لى ثم ذهبت... ابتسمت مريم وهى تعبث بكفه قليلاً ثم تابعت: عزيزى لماذا تتعبُ الجميع معكَ؟ جميع من رأيتهم اليوم طلبوا منى أن أقنعكَ بأن تبدأ العمل...
-صدقينى لو كان الأمر بيدى كنتُ بدأتُ؛ ولكننى حقاً لا أستطيع التركيز فى شىءٍ ولكن....  صمتَ لحظةً يفكر ثم ابتسم بمرحٍ؛ ها هو ذا ينجح فى استغلال موقفٍ آخر لصالحه؛ حدقت مريم به قليلاً محاولةً قراءة ما يدور فى عقله الفاسد...؛ ليتحدث هو: إذا وافقتِ على الخروج معى مساء الليلة ربما أعيد التفكير فى موضوع أن أبدأ العمل اليوم... بل حتى الآن...
-....هل تعلم؟ أنا المخطئةُ لأننى فكرتُ فى تشجيعكَ أيها المستغل، افعل ما تشاء ما شأنى أنا بأعمالكَ
بغضبٍ مصطنعٍ نهضت من جواره؛ ليسحبها هو من ذراعها ويعيدها إلى مكانها قائلاً: لم تنجحى.. أنتِ فاشلةٌ فى التمثيل يا حبى...؛ ها ما رأيكِ إلى أين تريدين الذهابَ؟
ابتسمت له بينما أجابت:  لا أدرى؛ اختر أنتَ المكان الذى تحبه... ولكن...
-أعلمُ أعلمُ... لا شربَ؛ مفهومٌ يا حضرة الطبيبةِ
-أحسنتَ... بدأتَ تتعلمُ، والآن هيا تفضل وابدأ بتنفيذ الشرطِ وأنا سأعود إلى المنزل وأدرسُ قليلاً حتى المساء...    نهضت بهدوءٍ لتجده ينهض ويسير وراءها؛ عادت ببصرها نحوه مستفهمةً ليجيبها بابتسامةٍ عابثةٍ: سأعمل لا تقلقى... سأوصلكِ حتى الباب وأعودُ فوراً إلى العمل...
-سنرى... بملامح لا يبدو عليها الاقتناع أبدًا أخذت تتطلعه ثم تابعا الطريق نحو الخارج...

مريم♥️... " قيد الكتابة والتعديل اللغوي"Where stories live. Discover now