تابع المقدمة

17.8K 812 74
                                    

تابع المقدمة تطلعت إلى شاشة الحاسوب في تمعن أكثر وهي تعدل منظارها الطبي لعل ما تره اللحظة غير صحيح .. دققت النظر في فحوى الرسالة المرسلة إليها معتقدة أن هناك خطأ ما ..بالتأكيد هناك لبس قد حدث.. فما هي علاقتها بكل هذا الهراء المسرد بالرسالة .. وعلى الرغم من أنها ليست الرسالة الأولى التي تأتيها بهذا الشكل والتي سيكون مصيرها الإهمال كصويحباتها ..إلا أن هذه الرسالة حملت اسم زوجها ما جعلها تعتدل في مجلسها وتعيد قراءة الرسالة بتمعن من جديد ..
أنهت وهي في حالة عجيبة من القلق والشك .. مدت كفها لهاتفها الجوال بغية الإتصال بحسام ..إلا أنها سمعت صوته محييا من الخارج ..جاء على عكس عادته مبكرا الليلة .. وضعت هاتفها جانبا ونهضت لاستقباله هاتفة في تردد بعد إلقائها التحية: حسام !؟.. هو أنت فيه حاجة مخبيها عليا !؟
تطلع إليها في تعجب : حاجة ايه اللي هكون مخبيها عليكِ يا نهلة !؟ ..من أمتى بخبي عليك حاجة من أساسه !؟ ..
واستطرد مازحا : مثال للزوجة المصرية الأصيلة .. زي ما ماما ندى الله يرحمها كانت بتقول ..
ابتسمت هامسة : الله يرحمها ..
جذبته في هدوء ليجلس امام الحاسوب وطلبت منه أن يتطلع لشاشته هاتفة : اقرأ كده الرسالة دي وقولي ايه ده !؟
أبى حسام التطلع للشاشة معترضا : يا نهلة أنا طول النهار عيني فعين الأخ ده وأنا فالمعمل .. هيبقى هنا كمان !؟
تنهدت نهلة معتذرة : دي حاجة مهمة معلش .. مش هتاخد منك دقيقة ..
تطلع من أجل رجائها وبدأ في قراءة الرسالة وما أن وصل لمنتصفها حتى تغير لونه وامتقع وجهه ولم ينبس بحرف ..
همست في قلق : ايه اللي بيحصل يا حسام!؟ ..والناس دي عايزة مننا ايه !؟
تنهد حسام وعاد بظهره مستندا على ظهر المقعد يدعك عينيه في إرهاق بعد أن خلع منظاره الطبي وألقاه على سطح المكتب مغلقا شاشة الحاسوب ..
عاوت نهلة سؤالها في اضطراب : الناس دول بيهددونا ليه !؟ ..دي مش أول رسالة توصلني يا حسام ..
اعتدل متطلعا إليها وما أن لمع الدموع تترقرق بأعماق عينيها حتى نهض جاذبا إياها لأحضانه في محاولة لطمأنتها لكنها ما أن اصبحت بين ذراعيه حتى انفجرت في البكاء بلا توقف ..فقد استشعرت بحدسها أن أمرا جلل في سبيله للحدوث ..
هدأت قليلا ورفعت رأسها نحوه تستفسر في تضرع : فيه خطر عليك !؟ صح !؟ .. الناس دي ..
قاطعها حتى يضع حدا لتخميناتها : الناس دي بتهددني عشان نتائج الأبحاث اللي بقالي سنين شغال عليها ..
همست بصوت متحشرج : ابحاث ايه !؟ انت مش ..
قاطعها من جديد مؤكدا : ابحاث أبويا .. الدكتور نبيل .. كان لازم حد يكمل وراه .. مكنش ممكن اسيب تعبه ده كله يروح هدر ..
همست نهلة ونبرة صوتها ترتجف ذعرا : ابحاث والدك !؟.. اللي طنط ندى أكدت إنه ممتش ..لكن اتقتل بسببها !؟ ..
هز رأسه في إيجاب ..لتنهار عند اقرب مقعد غير قادرة على الإتيان بأي رد فعل ..
أشفق عليها مقتربا منها جالسا قربها ..وهمس في محاولة لبث روح الأمان بداخلها : متخافيش .. والله كله هايبقى تمام .. العمر واحد والرب واحد ..
تطلعت نهلة نحوه باكية وهمست بصوت يذيب الحجر تضرعا : أنا عايزاك يا حسام .. ومش هقدر اعيش يوم وأنت مش معايا.. ليه تعمل فينا كده ..ليه !؟ ..
وبدأت في الضرب على صدره بكلتا يديها في غضب وقهر لكنه جذبها بين ذراعيه من جديد لتشهق في وجع وهي ترى حلمها كله ينهار في لحظة .. ضمها إلى صدره أكثر رغبة في تهدئتها هامسا : خلاص أهدي يا نهلة .. واللي رايده ربنا يكون ..
هتفت في إصرار : ننهي كل حاجة ونرجع مصر فورا .. نرجع نتحامى فأهلنا هناك..
همس يحاول إطلاعها على الحقيقة كاملة دون مواربة : مبقاش ينفع .. طالما وصلوا لي وعرفوا أنا بعمل ايه يبقى مش هقدر أروح فحتة ..هيكونوا ورايا زي ضلي وخاصة لو فكرت انزل مصر .. هيفتكروا إني نازل افيد بلدي باللي معايا .. ده كان هيحصل طبعا ..بس قدام شوية بعد ما أكون اتقدمت شوية فالأبحاث ..
هتفت في ذعر : يعني ايه !؟
أكد في هدوء : يعني تنزلي أنت ويوسف مصر .. عشان ابقى مطمن عليكم ..
هتفت في حنق : انت بتقول ايه ..انا مش هتحرك من هنا ..رجلي على رجلك ولو فيها ايه ..لكن يوسف !؟
هتفت بالتساؤل الأخير بنبرة أم قلقة على مصير ولدها الوحيد ..
هتف حسام في قلق : هنا المشكلة .. إزاي هنعرف نقنعه إنه ينزل مصر يكمل دراسته هناك .. ده خلص الماجستير وبيحضر للدكتوراه .. هيسيب السوربون وينزل يكمل في جامعة بمصر !؟ ..
هتفت نهلة في توتر : يوسف مش هايرضى ..ابني وانا عرفاه ..لازم يكون فيه سبب مقنع عشان يسبب فرنسا وينزل مصر .. يوسف لازم يعرف الحقيقة ..
هتف حسام معترضا : لو عرفها مش هيسيب هنا ولو عملنا ايه .. مش هايرضى يسبنا ..
هتفت نهلة مؤكدة : ولا هيسبب ديچا ..
تطلع إليها حسام مستفسرا : دي البنت الفرنسية من أصل عربي اللي اتعرف عليها من حوالي سنة .. واضح جدا انه واقع في حبها وكان منتظر فرصة عشان يفاتحنا برغبته في الإرتباط بها .. دي كمان هنحلها إزاي !؟ ..
هتف حسام في قلة حيلة متنهدا : سبيها على الله .. أنا متأكد أن لها صرفة .. المهم أنه يسيب فرنسا في أقرب فرصة..
لم تعقب نهلة بحرف بكل تطلعت نحو زوجها المنهك وربتت على كتفه في تعاطف وللمرة الأولى تلمح بريق دمع بمقلتيه .. دموع ندم ربما لأنه ورطهم معه بأمر بالغ الخطورة كهذا .. ما جعلها تشفق عليه جاذبة إياه ليستقر بأحضانها يفرغ بين ذراعيها ما ناء صدره بحمله ..
            ***************
اندفع مهرولا الدرج فى عجالة مرتديا لباس الفروسية واضعا قبعته الرياضية المفضلة لديه و ما ان هم بالخروج حتى عاجلته جدته الحاجة وجيدة هاتفة فى تعجب :- على فين رايح يا غالى !؟..
غير وجهته و عاد القهقرى ليصل لمجلسها بقلب الدار منحنيا يطبع قبلة حانية على هامتها الشامخة هاتفا :- خارج ع الفرسة شوية يا ستى ..
هتفت مؤكدة :- طب متعوجش و خلى بالك على نفسك..
اكد بايماءة من رأسه مبتسما :- عيونى يا ستى ..
و اندفع مهرولا خارج الدار حتى لا تتعقبه بنصائحها التى لا تنتهى و قفز على صهوة فرسه بقفزة واحدة و اندفع يسابق الريح ..
ترنم يونس مدعيا التأثر من فوق فرسه و هو يشاكس اخاه الذى كان يعمل جاهدا فى جمع الحشائش من ارضهم :-
مين اللى جال الدنيا دى وسية ..
فيها عبيد مناكيد و فيها السيد ..
سوانا رب الناس سواسية ..
لا حد فينا يزيد و لا يخس أيد .. 
انتفض اخاه صارخا :- اتلم يا يونس .. حل عنى خلينى اشوف شغلى ..
هتف يونس بأخيه مشاكسا و مقلدا لكنة الاتراك فى المسلسلات العربية القديمة :- اشتغلى فلاحة .. ڤاالد خرسيس .. ادب يووك ..
فاض الكيل لينتفض راضى جاذبا اياه ليسقطه جواره من فوق فرسه بعد ان اخرجته افعال اخيه و مشاكساته عن طوره جعلته يهتف فى حنق :- ادب يووك .. طب تعال بجا اوريك الادب على اصوله ... عامل لى فيها خولى الوسية و راكب لى فرسة و جاعد تتمسخر على .. و الله ما انى عاتجك النهاردة ..
انفجر يونس مقهقها فى محاولة للفرار من يد اخيه الأصغر  راضى هاتفا :- ياواد ده انى أسمى على اسم چدك  .. يعنى بحسن عليكم من خيرى ..
اغتاظ راضى هاتفا :- و الله لأجول لابوك .. جال هيبجى مهندس زراعى بعد سنة جال .. و الله ما حصلت عيل صغير فرحان بفرسه ابوه.. ادى اخرتها يا حامد يا حناوى جاعد تخلف انت ف عيال و البكرى اهاااا عاهة لوحديه..
قهقه يونس من جديد هاتفا :- و الله انى اللى هجول لابوك انك مش عاجبك أخواتك .. و بتتريج عليه و على خلفته الكتيرة ..
اطاح راضى بكفه فى لامبالاة هاتفا :- جوله .. ما هو عارف م الاساس .. بس هو احنا بجينا كام دلوجت لحسن بطلت اعد يا چيمى ..!؟..
علت ضحكات يونس هاتفا  :- يخرب عجلك يا واد يا راضى .. انت نسيت بچد و لا ايه !؟.. ده ابوك  و امك عاملين معسكر أشبال ف الدار .. و ستك كسبانة و سيدك يونس هيجدموا جريب على دار مسنين و يسبهولنا مخضرة ..
قهقه راضى مؤكدا :- و الله حجهم الصراحة .. يكسبوا فيا ثواب ويجدمولى معاهم بدل العيشة ف المرستان اللى ف الدار دى ..
جلجلت ضحكات يونس الرنانة لتعليقات راضى اخيه و اخيرا تنهد متمددا بجواره يتطلعان للسماء و شرد كل منهما فى عالمه .. خلع يونس تلك الطاقية اليدوية الصنع متطلعا اليها و بدأ يشدو فى هيام :-
يابو الطاجية شبيكة يا مين عملهالك ..
عملهالى جاضى الغرام .. يا عمدة يا عجبالك
ليه ياحبايب تبيعوني رخيص وانا الغالي
جطر المحبة انجطع مين يوصلو يوصلو  بدالي

زاد العمر وزواده .. ميراث العشق والدموع ٤ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن