الفصل الثامن والثلاثون والأخير

19.3K 856 173
                                    

الفصل الثامن والثلاثون والأخير

وضع يده على مقبض الباب للحجرة المجاورة لحجرتها، وما أن هم بفتح الباب، حتى ترك المقبض متنهدا، وسار نحو تلك الأريكة الأقرب لحجرتها، فلم يكن باستطاعته تركها وحيدة، وما كان بمقدوره مشاركتها الحجرة، فقد كان هذا أمر فوق احتماله، لقد حلم بهذه الليلة طويلا، وما كان يتوقع أن تتحول لهذا الشكل، لكنه يلتمس لها ألف عذر، صعوبة احساسها بانتزاعها من بيت اهلها فجأة، أثر عليها كثيرا، هناك أمور يعتقد الإنسان أنه قادر على مواجهتها بسلاسة كبيرة، لكن ما أن تقع ويصبح في خضمها، يجد نفسه أضعف مما كان يتوقع، حتى أنه يتعجب من رد فعله الهشة تجاه أمر كان يحسبه هينا، وهذا ما حدث معها على ما يبدو، تنهد وهو يخلع عنه سترة بدلته، يتمدد على الأريكة، متلحفا بغطائه، حاول أن يغفو قليلا، لكن كيف له النوم وتلك التي حرمته النوم سواء قريبة أو بعيدة، تقبع ها هنا، لا يفصله عنها إلا حائط واحد، وهي حلاله، خالصة له، فأي نوم ذاك الذي قد يزور جفنه، وهو يتقلب على الجمر رغبة في قربها الذي اشتاق له حد المعاناة.

تطلع نحو ساعة الحائط بالجدار المقابل، على ضوء الردهة الذي يظهر موضع عقاربها التي كانت تنهش صبره، كوحوش ضارية بلا رحمة، زفر في حنق، دافعا الغطاء الذي ما كان به رغبة، فتلك النيران المستعرة بحشاه، كفيلة بجعله يستشعر حرارة اغسطس في عز برد يناير.

جلس مسندا جبينه المتعرق بين كفيه المتشابكين، لكنه تسمر موضعه رافعا رأسه نحو باب حجرتهما، عندما سمعه يفتح لتخرج هي في حذر نحو الحمام، بذاك القميص الأبيض الحريري، يرفرف خلفها مئزره الشيفون كما رفرف قلبه خلفها، وكأنها تختبر صبره من جديد، كما اختبرته بالداخل وهي تبكي فراق أهلها قهرا، هل تعرف كيف قاوم تلك الرغبة القاهرة لاعتصارها بين ذراعيه شفقة وشوقا، لكنه كان يعرف حدود نفسه وقدرته على التوقف المعدومة إذا ما ضمها إلى صدره، وساعتها رغما عنه، سيطالبه جسده بتلبية احتياجه منها شوقا لا شفقة، وقتها ستكون هي ضحية عدم صبره مضاف إليها وجعها على فراق الأهل، لذا ما أن جاءته مكالمة يونس منجية له، في وقتها المناسب وكأن رحمة الله نزلت بوقتها، لينتزع نفسه خارج الغرفة، حتى إذا ما دخل للمرة الثانية لانتزاع الغطاء والخروج، لم يلبث إلا هنيهة حاول أن يطمئنها خلالها وهو لا يعلم هل أفلحت كلامته في بث بعض السلوى بنفسها ام لا! فهو لم يكن يوما بماهر فالكلمات، ابتسم في سخرية اللحظة، هامسا لنفسه بخيبة أمل: ولا شكلك نافع في فعل، يا خيبتك يا راضي.

لحظات وخرجت من الحمام، تسير الهوينى نحو غرفتهما، لا تدرك أنه ما بين ذهابها وايابها أمام ناظريه في ذاك الركن الخفي المظلم، جلس هو يشتعل رغبة.

تنهد ما أن أغلقت الباب خلفها، ونهض في هوادة في اتجاه الحمام بدوره، دخل نازعا ملابسه يضع جسده أسفل الماء البارد رغم برودة الجو قليلا، لكنه لم يكترث فكل ما كان يلزمه اللحظة هو إطفاء أو حتى إخماد بعض من تلك النيران التي تستعر بشرايينه، لا يعلم كام طال وهو بالداخل فحين خرج كان اذان الفجر قد اقترب وقته، مد مصلاه أرضا، وبدأ في الصلاة، لعلها المنجية من تلك الأفكار والخواطر التي تعبث به منذ ساعات ولا قبل له على ردها، لكن في قلب الصلاة، سمع صوت تنبيه هاتفه، فانتفض منهيا صلاته، مندفعا نحو الحجرة وقد تذكر أنه نسي هاتفه هناك بعد مكالمة يونس، ولم يأخذه معه حين كان يبحث عن غطاء، حتى يلتهي بالبحث عنها.

زاد العمر وزواده .. ميراث العشق والدموع ٤ Onde histórias criam vida. Descubra agora