5

257 16 1
                                    

ماهذا ؟!

قالها الدكتور نعيم بدهشة، وهو يحدق إلى جثة الفتاة التي جلبها متولي بالأمس .. لاحظ عم منصور يده المرتعشة الممسكة بالسيجارة المشتعلة، وهو يتطلع لجثة الفتاة بتوتر، فأجابه بسرعة:

-إنها الجثة التي طلبت منا أن نحضرها، لقد جلبناها بالأمس.

-أعلم إنها الجثة التي طلبتها .. إنني أسأل كيف، ومن أين جئتم بها ؟

قالها، دون أن يرفع عينيه عنها، وأجاب عم منصور:

-إن متولي هو من جلبها بالأمس، ولقد أتى بها كما أخبرني من مقابر قرية مجاورة لقريته، بالمناسبة إنه يطلب ثلاثين جنيها ثمناً لها .. لقد أخبرته أنك سوف تدفع له.

-ليس هذا وقته يامنصور .. سأعطيه مايريده، لكن هل أخبرك متى توفيت هذه الفتاة بالضبط؟.

قالها، وهو يقلب الجثة برفق على جانبيها، وينظر الى جسدها متفقداً، ثم امتدت أصابعه لتتحسس نبضها؛ كأنما يريد أن يتأكد بنفسه أنها جثة حقيقية، وقال عم منصور، وهو يراقب مايفعله:

-يقول إنها ماتت صباح الجمعة ..

-هذا يعني أنه قد مر على وفاتها أكثر من يوم .. إن هذا مستحيل .. لابد أنه قد أخطأ .. إنني لا أرى أي آثار للتحلل بها، ولاوجود للزرقة الرميّة أسفلها .. هذه الفتاة تبدو ،وكأنها قد ماتت منذ ساعة واحدة على الأكثر .. إنني أشعر بالدهشة.

كان عم منصور مازال تائها في حيرته فلم يرد عليه، بينما استمر الدكتور نعيم في فحصها .. أمسك أناملها، وقربها إلى عينيه متأملاً أظفارها اللامعة، ثم أعادها لمكانها برفق، ثم فتح جفنيها فتضاعفت دهشته، وهو يقول :

-إن هذا غريب بحق .. إنني لم أشاهد في حياتي جثة كهذه من قبل، من يراها يظن أنها فتاة نائمة .. لكن جسدها البارد ،ونبضها المفقود يشير إلى موتها ويؤكده.

غطاها بعد ذلك بغطائها البلاستيكي، وأخرج سيجارة من علبة سجائره، وأشعلها قبل أن يقول بشرود:

-احضر لي متولي هنا الأن .. أريد أن أعرف منه ما قصة هذه الجثة بالضبط، وكيف أتى بها ؟.

تحرك عم منصور لإحضار متولي، تاركا إياه في المشرحة أمام الجثة .. خمّن عم منصور أن بعقل الدكتور نعيم الأن الكثير من الأفكار والهواجس، التي روادته عن الفتاة بالأمس ..

وبعد دقيقة عاد ومتولي برفقته ..

أخرج الدكتور حافظته الجلديه الأنيقه، وأخرج منها بعض النقود، فعدها ثم مد يده بها نحو متولي، الذي التقتطها على الفور ودسها في جيب بنطاله دون أن يعدها، وإن كان قد أحصاها بنظره بصورة خاطفة طمأنته إلى أنها المبلغ الذي ينتظره .. وقال الدكتور نعيم بعدها:

- والأن أخبرني هل كنت تعرف هذه الفتاة من قبل؟

-لا يا دكتور .. لم أكن أعرفها، لكنها من بلدة مجاورة لبلدتنا .. لقد أتيت بها من مقابر تلك القرية.

-إذا لا تعلم كيف ماتت ؟!

-هذا أيضاً لا أعلمه يادكتور .. لكن لوشئت، فمن الممكن أن آتيك بقصتها عن طريق بعض الأصدقاء من بلدتها.

زفر الدكتور نعيم من فمه سحابة من الدخان، وهز رأسه للجانبين رافضا الفكرة، وهو يتمتم:

-كلا .. كلا.. لاداعي لهذا .. هذا لايهم الآن .

ثم التفت إلى عم منصور، وقال وهو يهز كفه الممسك بعقب السيجارة الذي قارب على الزوال:

-عليك أن تبدأ الأن في تجهيزها يامنصور، وسوف أرسل الدكتور شريف إلى هنا كي يساعدكم.

قالها، وألقى نظرة أخرى طويلة للجثة الراقدة أمامه تحت غطائها البلاستيكي المليء بالبقع، وهز كتفيه بحركة مبهمة، ثم غادر المشرحة دون أن يعقب.

لم يشعر عم منصور بالراحة، وكره أن يكون هو من يقوم بإعداد جثة الفتاة هذه .. ولأول مرة يشعر بأنه لا يحب أن يقوم بعمله الذي اعتاد عليه منذ أكثر من عشرة أعوام..

لكنه كان عمله الذي عليه أن يقوم به، تنهد للحظة، ثم أزاح غطاءها البلاستيكي عنها، ورمقها بتوتر قبل أن يبدأ في تهيئتها.

ألجثة ألخامسةWhere stories live. Discover now