26

173 18 0
                                    

غرقت البلدة في ظلام الليل البهيم فتصاعد القلق بداخل الدكتور مصطفى، وهو يسير في الشوارع المظلمة مع عبد الودود ومتولي ..فهاهو الليل قد استقر ،ولم يحصل بعد على الإجابات التي أتى من أجلها، بل ازدادت حيرته مع ما ذكره له عبد الودود عن القبر الملعون ..



كان في طريقه للمرأة العجوز التي علّها أن تجلو الأسرار ،وتزيح الطلاسم .. ولكن هل تملك العجوز الإجابات حقاً ،أم أن ماستقدمه له هو الخرافات التي تتناقلها العقول المتيبسة الطاعنة في العمر ..



فكر للحظة في أمر غريب آخر.. إن عم عبد الودود شيخاً عجوزاً طاعناً في السن ،ولابد أنه قد اقترب من الثمانين من عمره ، فكم يكون عمر خالته إذن ؟..



لكنه عاد مرة أخرى ،ليفكر في زوجته وأولاده الذين أخبرهم أنه لن يتأخر كثيراً ..هل سينجح في العودة سالماً لو قاد سيارته في هذا الظلام على طرق غير ممهدة كهذه ، يكفيه فيها أن تسهو جفونه للحظة كي يجد نفسه في قلب مصرف أوترعة أوحقل ..أم أن عليه أن يبيت في مكان ما منتظراً الصباح والنهار ؟



لم يفكر كثيراً واتخذ قراره، سوف يبيت ليلته هنا في أي مكان وعلى متولي أن يعثر له على هاتف ما عسى أن ينجح في الاتصال بأسرته ليطمئنهم إلى غيابه..



سار أمامهما عم عبد الودود متكئاً على عكاز خشبي ،وراح يرشدهما إلى الطريق، وتبعاه بخطوات بطيئة صامتة.



كانت خالته طاعنة في السن للغاية كما توقع الدكتور مصطفى..لابد وأنها قد تجاوزت المائة ببضع سنوات .. كانت تعيش في بيت ريفي من الطوب اللبن ذي سقف منخفض مغطى بأكوام من الحطب والطين ..



سريرها كان فرناً بلدياً من الطين ،وضعت فوقه بطانية قديمة حال لونها ورقدت عليها ..



لم يكن باب دارها مغلقا بإحكام حين وصلوا، واحتاج لدفعة بسيطة من يد عم عبد الودود، ليستجيب لفوره مصدراً صريراً عالياً ..كانت رائحة الطمي العطن تملأ المكان ..لكن المكان كان نظيفاً بالرغم من ذلك..فخمنوا أن هناك من يعتني به من حين لآخر ..



دخل عم عبد الودود إلى حجرة مظلمة في نهاية البيت ، فانتظروه للحظات بالخارج قبل أن يلاحظا اشتعال مصباح في الحجرة أضاءها، ثم ناداهما داعياً إياهما للدخول.



حين دلفوا ارتفع صوت متولي محييا السيدة العجوز:



-مساء الخير يا أمي ..كيف حالك ؟...



التفتت إليه برأسها، وإن لم ترد فاقترب من أذنها عم عبد الودود، وأعاد تكرار تحية متولي لها ، فأيقنوا أن سمعها ضعيف للغاية ؛حتى أن الدكتور مصطفى تساءل في قرارة نفسه بإحباط ..هل مازالت تحتفظ بذاكرتها فعلا ، أم هي الأخرى في طريقها للزوال ،والضعف كسمعها ...

ألجثة ألخامسةWhere stories live. Discover now