في وسط النفق

30 5 5
                                    

أتذكر حتى الآن ذلك الوقت من الفصل الدراسي الثاني في سنتي الأولى في الكلية. كانت تلك فترة نشاطي الأول في كتابة القصص، كنت أحب كتابة قصص الخيال، و تعرفت على مجموعة شباب آخرين يكتبون القصص، و انضممت لمجموعتهم التي تنشر قصصًا آن ذاك لعدد من المتابعين. سعدت كثيرًا آن ذاك بالتعرف على أولئك الرفقة الذين شاركوني هوايتي، و تعلمت منهم الكثير و قضيت معهم قرابة العام أكملت خلالها قصتين، كنت أعدهم عائلتي الإلكترونية، و كانوا بالفعل أعزاء لي، و حتى الآن. كنت آخذ من وقت راحتي لأكتب الفصول الجديدة لكي تظل القناة نشيطة، و مع مرور الوقت إزداد عدد الكاتبين في القناة و إزدادت القصص و صرنا كعائلة كاتبين صغيرة، كان الجميع ودودًا و قضيت معهم وقتًا ممتعًا.

بعد فترة قرر صاحب القناة التي ننشر فيها قصصنا جميعنا بأن يصنع أي واحد منا قناته الخاصة لينشر فيها قصصه، و ينشر هو قصصه في قناته بمفرده. حينها شعرت أنا و بقية من كنا نكتب معه بأنه قام بخيانتنا، إذ إزداد المتابعون بسبب القصص المتنوعة التي كنا ننشرها كلنا، و بعد جدال معه تراجع عن قراره و استمررنا بالنشر جميعنا كما كنا. ربما كنت أحمل بعض الغضب منذ ذلك الوقت، و إزداد غضبي حين عثر صديق لي على إحدى قصصي منشورة هنا في الواتباد دون علمي، و اتضح بأن مالك القناة التي ننشر فيها هو من قام بنسخها و نشرها دون إخباري. تشاجرت معه حينها، تبادلنا الشتائم، قلت بأنه لص، و قال بأنه لم يكن يعلم بأنني سأمانع، و غادرت المجموعة و القناة، رغم أن أحد أصدقائنا المشتركين حاول جمعنا لمصالحتنا لكن الأمر لم ينجح، كنت أشعر حينها بكل كلمة يقولها لي مثل السم، و بكيت و كأن أحد إخوتي قد مات لأنني كنت أعتبره صديقًا عزيزا و لم أتوقع ذلك منه، و قاطعتهم للأبد.

في ذلك الوقت، أتذكر بأنني بررت حمرة عيني لأسرتي بإلتهاب في العينين، و دفنت كل شيء في صدري لأنهم كانوا سيرونه لا يستحق ذلك الحزن و أنني حساس أكثر من اللازم و أهول الأشياء، و لذلك أدعيت و كأن شيئًا لم يكن.
حين درست عن الإكتئاب في المقرر الدراسي الأخير أوقن بأنني كنت مكتئبًا حقًا في تلك الأيام. لقد كنت أحب الكتابة من قبل، لكن كشمعة انطفأت شعرت بشغفي للكتابة يخبو و ينطفيء، و لم أرغب بكتابة حرف. شعرت بأنني كنت خاويًا و متعبًا و لا زمني الصداع النصفي، و أن كل شيء كان بلا قيمة. كنت أمكث في حجرتي أغلب الوقت، و أجلس في ركن السرير مع الحائط متصفحًا الهاتف، بالتفكير في الأمر لا أتذكر ما كنت أقضيه طيلة اليوم في الهاتف، لكن ربما دفنت نفسي في الهاتف و الإنترنت لأنسى، كنت أستمع للموسيقى بكثرة، و أجعل الصوت عاليًا بحيث لا أسمع معه صوت أفكاري. صارت علاقتي مع أسرتي للطعام فقط و لازمني الأرق، و فقدت معظم أصدقائي، و لم أشعر أبداً بخطورة عدم الدراسة، و لم أشعر بالخوف حين كانت تأتي ليلة الإمتحان و أجد أنني لم أكمل دراسة نصف المقرر. و حين جاءت النتيجة لم أتفاجأ حين رسبت في ثلاثة مواد من أصل تسعة، و استمعت لعبارات اللوم من عائلتي و إخوتي.

أعتقد بأنني مع الوقت تجاوزت الأمر قليلاً، بدأت أبذل جهدي في الدراسة أكثر، أبتعد عن الهاتف أكثر، لكنني لم أستطع نزع شعور الخوف الذي سكن فيّ من احتمالية خيانة صديق آخر، كنت قبلها شبه اجتماعي لكنني بعدها صرت انطوائيا و لم أهتم بخسارة صداقات كثيرة أندم عليها الآن لكن لا فائدة من الندم. أعتقد بأنني مع مرور خمس سنوات على ذلك بت أكثر ثقة و إنتقائية، و أضع دائمًا خط رجعة في علاقاتي بحيث أستطيع الحفاظ على نفسي، أخفف من وجودي لكي لا أتعمق و أتعلق ثم ينكسر قلبي، و أضع حسن الظن أولاً قبل الشك في أمر سيء، و أهمه بألا أطلع أحدا على مشاكلي إلا إذا استعصت علي جداً، لأنهم في الغالب سيفهمون المشكلة من وجهة نظر قد تكون خاطئة، و قد يشجعونني لحل تكون نهايته جرحي و فقدان جزء مني.

إنني بخير الآن، و قد تعلمت من تلك التجربة رغم كل ما أخذته مني، و بت أقضي وقتًا أقل في الإنترنت و أكثر فائدة عن طريق تحديد ما اريد فعله بالضبط، و بت لا أثق بالصداقات الإلكترونية لأن بإمكان الجميع تصنع شيء غير حقيقي و مخادع، بالرغم من أنه يمكن أيضًا أن تعثر هناك على أشخاص رائعين و صادقين ، لكنني غالبا ما كنت اتعثر مع الأوغاد و الاشخاص الخطأ للأسف، ربما لأنني كنت يافعًا حينها و قليل خبرة.

وجدت بأنني ارتاح حين افرغ مشاعري في الكتابة، أو البكاء نادرا تحت الوسادة ليلا مع أنني لا أتذكر آخر مرة بكيت فيها، و كذلك بتسجيل نفسي و أنا أتحدث عن مشكلتي ثم الإستماع للتسجيل لاحقا، اشعر حينها و كأنني اسمع شخصا اخر يتحدث. اكتشفت بان ذلك يجعلني اتعاطف مع نفسي و اتقبلها و اشعر بالتحسن بعدها، رغم أن ذلك يجعلني ابدو كمجنون، لكنني مؤمن بأنه يجب لأي شخص تفريغ مشاعره السلبية في مكان ما لأن تخزين الحزن و الضيق يسبب الضغط النفسي الذي قد يقودك للإكتئاب.

حين تشعر بالحزن، ماذا تفعل؟

ابكِني نهراً Where stories live. Discover now