إيجاب و قبول

71 3 0
                                    

هو ،
مر أسبوع كامل و أن لا أستطيع حسم قراري
أظن أن هذه أول مرة يقع قلبي و عقلي على خلاف ،
أحيانا أعزم على القبول و عيش ما تمنيته منذ الطفولة ، ولكن  كبريائي المجروح يمنعني عن ذلك ،
فلو كانت تريدني لما رفضتني منذ البداية .
و بالتفكير بذلك أجد أن الوضع برمته مريب
خاصة و أن سلوك جوليانا في الحفلة لم يكن كجوليانا التي لطالما عرفتها و أحببتها .
و كأنها مجبرة على فعل ذلك ؛
أيعقل أن الدوق أجبرها على ذلك ؟
لا سبيل لاتخاذ قرار نهائي إلا بالحديث معها مجددا .
و بينما كنت منغمسا في تفكيري ، دخل مساعدي إلى مكتبي و بيديه كوب قهوة لتخفيف آثار الأرق الذي أعيشه .
و بالرغم أن ذلك ليس وظيفته إلا أنه يعرف أني أطمئن لما يقدمه هو من الطعام أكثر من غيره .
وضح الكوب فوق الطاولة ، عندها نظرت إلى مساعدي و قلت بنبرة جادة :
هناك أمر أريدك أن تقوم به برنارد .
ليقول برنارد و الاستعداد يظهر على وجهه :
ما هو هذا الأمر ؟ ، سيدي الأمير .
جعلني سؤاله أبوح له بما لدي :
أريدك أن تجهز مأدبة لائقة لضيافة الدوق و كل أفراد عائلته على العشاء الليلة و بالطبع عليك إرسال دعوة لكل واحد منهم على حدا ؛ و لا تنسى الأميرة ماريا كذلك .
فرد علي مستشاري قائلا :
هل هذا كل شيئ سيدي ؟
فأجبته :
نعم فرنارد .
و لم يستغرق ثانيتين ليقول :
حسنا سيدي
تركت برنارد ينصرف.
و فور أن غادر استدعيت كبير الخدم لتجهيزي لحضور اجتماع مجلس الدولة حيث ارتديت بذلة سوداء مع شعر مسرح كالعادة و بعد انتهائي من التجهز توجهت إلى القصر الرئيسي .
دخلت إلى قاعة الاجتماعات ، ووجدت أغلب النبلاء يتناقشون فيما بينهم بسبب المسألة الواقعة حديثا حيث قطع نقاشهم دخول الملك وانحناء الجميع تحية له دون نسيان وجه الملك المتهجم و الذي تسبب في إرعاب الكل ما عداي .
( لأن يومي لا يكتمل إلا بعبوس وجه والدي العزيز )

و بما أن هذا اليوم يبدو مشرقا للغاية ؛ فقد بدأ الملك مباشرة بطرح موضوع الجدل و المتمثل في مظاهرات قام بها عامة الشعب على الحدود و التي مازالت مستمرة بالمناسبة .
حيث قام الملك بالصراخ على أعضاء المجلس قائلا :
هل تملكون تبريرا لما يحدث على الحدود ؟
( تبا لقد ثقب أذني ) .
و بما أنه لا أحد يستطيع مجابهة ملك غاضب فقد عم الصمت على القاعة لدقائق .
حتى أعاد الملك سؤاله مرة أخرى و لكن هذه المرة كان المعني من السؤال هو الوزير الأول و الذي أجاب قائلا :
إن شعب الهامو ( العامة ) معروفون بهمجيتهم خاصة و أنهم يقطنون في المناطق الجبلية لذا أرى جلالتك أن نقوم بإخضاعهم بالقوة العسكرية ، و من ثم نفرض عقوبات قاسية على المتمردين منهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم .
هذا هو المتوقع من قائد الحزب الشرقي الذي يمجد النبلاء و يحتقر العامة .
لم يعلق الملك على إجابة الوزير و توجه بالخطاب إلى الدوق ديفيد قائلا :
و أنت أيها الجنرال ماذا ترى ؟
أجاب الدوق قائلا :
أرى جلالتك أنه ليس هناك داع لإهدار ذخيرتنا و  فرساننا في هذه المسألة خاصة وأننا نعاني من التهديد الأجنبي ؛ أظن أنه يكفي إسكات العامة بتلبية بعض مطلابهم .... ، حيث من الأفضل لنا الحفاظ على الأوضاع الداخلية هادئة قدر الإمكان حتى نستطيع مجابهة أي هجوم خارجي .
و فجأة قطع حديث الدوق ضحك الوزير باستهزاء قائلا :
أتظن حقا أنه يمكن إسكات العامة بالخضوع لمطالبهم ؟ إذن أنت واهم ، فبذلك ستجعلهم أكثر تمردا و ستجعل المشكلة تتفاقم أكثر .
حديث الوزير جعل الدوق يجيب بحدة قائلا :
إذن تريد مني إرسال القوات المسلحة إلى أقصى الحدود الشمالية في هذا البرد لإخضاع بعض الريفين العزل ، هل هذا منطقي ؟
ليقول الوزير :
قل الحقيقة أيها الدوق ألا تفعل ذلك لأنك ....
هنا قاطع الملك النقاش قائلا بصوت حاد ذي هبية :
يكفي ؛ ألا تحترمون ملككم ؟
فانحنى كل من الدوق و الوزير اعتذرا للملك .
حقا لا يمكن أن يكتمل اجتماع دون نزاع بين الحزب الشرقي و الحزب الغربي .
أكمل الملك قائلا بنبرة قطعية :
أيها الدوق ، أرسل بعض القوات الى الحدود لإسكات المظاهرات و التحقيق بشأنها .
فتفاجئ جميع من في القاعة لاتخاذ الملك جانب الوزير على عكس المعتاد .
حاول الدوق أن يعارض قائلا :
و لكن جلالتك ....
و لم يكد يكمل جملته حتى أسكتته نظرة قوية من الملك .
ليقول بعدها  :
أمرك جلالتك .
و فجأة نظر الملك ناحيتي و قال :
أم هل لك رأي آخر أيها الأمير ؟
فأجيبه بهدوء و ثبات حيث أني اعتدت على أسئلته المفاجئة :
لا ؛ فرأيي من رأيك جلالتك .
ليقول الملك بعدها :
إذن يمكنك تولي أمر القضية .
فقلت :
تحت أمرك جلالتك .
و أخيرا انتهى الاجتماع ، فغادرت القصر الكبير على عجالة  لأن هناك الكثير ينتظرني هذا المساء .
وصلت إلى قصري ووجدت التجهيزات  للوليمة على قدم وساق  كما طلبت  .
   دخلت إلى مكتبي و إذ بمستشاري يضع برسالة من الشمال على سطح المكتب ، فتحتها سريعا لأقرأها فصدمت بمحتواها ،  لذا قمت بعدها بحرقها في المدفأة فورا ، بعدما انتهيت قال مستشاري :
سيدي لقد طلب تابعك مني إخبارك أن تسامحه لأنه تأخر عن الموعد بسبب الثلج و أنه لن يكررها مرة أخرى .
فقلت :
قم بإرسال رسالة له وأكتب فيها أني مسامحه وأن الشتاء مازال طويلا فعليه التريث .
قام برنارد بما أمرته به و انصرف ؛ وبعد انصرافه جلست في مكتبي و بدأت بالعمل على تجهيز قوائم الضباط و المحققين المشاركين معنا في رحلتنا الى الشمال بالإضافة إلى حيثيات أخرى .
لأن القضية على الأرجح صعبة بحق .
إقترب موعد العشاء فقمت بالاستحمام والتجهز و ارتديت بذلة سوداء بطرز ذهبي .
أشرفت على ما تبقى التجهيزات حتى تكون أحسن ما يكون  .
(هذا من عيوب ألا تكون هناك سيدة للقصر )  .
أتت ماريا أولا و سرعان ما تعلقت بعنقي لتشكرني على دعوتي لها ، هي و صديقها ابن الدوق . 
و بينما كنت ألاعب صغيرتي ماريا ؛
فإذا بعائلة الدوق قد وصلوا بالفعل لذا نهضت من مقعدي و توجهت نحو الباب لأقوم باستقبالهم والترحيب بهم .
و بعد الاستقبال ، جلسنا لتناول العشاء و الذي انتهى سريعا تحت رغبة الطفلين باللعب .
حيث ذهبت جوليانا و والدتها لمراقبة ماريا و وليام .
بينما بقيت أنا مع الدوق للحديث بشأن السياسة حيث إبتدأ الحديث قائلا :
ألا ترى أن الملك تسرع هذه المرة ؟
إنه يلقي بالشعب و الجنود إلى التهلكة .
فأجبته قائلا :
ألا يمكن أن يكون للملك سبب لقيامه بذلك ؟
تجهمت ملامح الدوق و رد علي باعتراض :
و هل تعلم السبب وراء ذلك سيدي ؟
فأجبت بنبرة هادئة :
لست متأكدا منه و لكن يمكننا اكتشافه من خلال التحقيقات ، فلقد اخترت بالفعل أشخاص أكفاء من أتباعنا لمعرفة الحقيقة .
ثق بي ....
و قبل أن أكمل كلامي قفز وليام إلى والده يسأله اللعب معهم فأذنت لهما .
بقيت جالسا أراقبهم و هم يلعبون حتى نهضت جوليانا و سارت باتجاه الحديقة الخلفية ، فقمت باتباعها بهدوء ، خاصة وأنها  تبدو قلقة و حزينة منذ بداية الجلسة  .
وقفت أمام النافورة و وقفت أنا بدوري بقربها .
عم الصمت قليلا إلا أنني قطعته بالسؤال عن حالها
فأجابت بتنهد أنها بخير .
رق قلبي لحزنها الذي تخفيه ، فتوقفت عن الحديث .
و مرت فترة كنا نستمع فيها لصوت مياه النافورة و  وضحكات الأطفال و هم يلعبون كما كنا نحن قديما .
كم أود لهذه اللحظات أن تدوم للأبد ...
أنا و جوليانا وحدنا ، وسط حديقة مليئة بالورود في ليلة بدرها وضاء .
و لكن لأن اللحظات الجميلة لا تدوم ، قامت جوليانا بسؤالي قائلة :
هل تريد سؤالي عن شيئ سيادتك ؟
آلمتني رسميتها و لكني تجاوزت ذلك و دخلت في صلب الموضوع قائلا بنبرة جادة :
جوليانا ، هل قصدت ما قلته في الحفلة أم أن هناك شيئا أجبرك على ذلك ؟
و فور أن قلت لها ذلك بدأ قلبي يدق بجنون في إنتظار ردها .
و الذي جاء فورا حيث قالت :
ألا تعرف يا ليكس أنه لا يوجد أحد يستطيع إجباري على شيئ لا أريده ؟
بعدما أنهت حديثها بقينا أنا و هي لفترة في حوار صامت بين عينيها البنيتين وخاصتي الزرقاء  .
قطعت جوليانا اتصال الأعين بيننا بالتفاتها ، عندها تشجعت و سألتها :
إذن لماذا الآن ؟
بعد كل ما حدث .
فأجابت قائلة و عينينها مغروقتين بالدموع :
أ تسألني أنا حقا ؟
ألم تكن أنت من ذهب إلى الحرب دون أن يودعني أو حتى يرسل إلي و لو رسالة واحدة ؟
لقد أردت فقط أن تشعر بالقليل مما شعرت به من هجر و وحدة طوال أربع سنين .
قاطعتها قائلا بنبرة معتذرة :
أنا آسف حقا على ما حدث جوليانا و لكن كان لدي أسبابي لفعل ذلك حينها ....
فقالت لي بنبرة ثابتة :
حسنا أنا لست هنا للحديث عن ما فات و انتهى ، أنا هنا لأني لا أريد مزيدا من الفراق بعد الآن .
هذا إن كنت تريد أن نكون معا على أية حال .
قالت ما قالته و مرت بجواري تريد تجاوزي ، و قبل أن تفعل كنت قد حسمت أمري و أوقفتها ممسكا بها من ذراعها و همست في أذنها بنبرة خافتة :
أنا طبعا أريد أن أكون معك ، من الآن و إلى الأبد .
عندها تركت ذراعها فهربت بعيدا عني لكن هذا لم يمنعني من رؤية الابتسامة التي شقت وجهها .
أظن أني لن أستطيع العيش دون رؤية ابتسامتها مجددا ، فهي تأخذ القلب حقا .
عدت إلى الحديقة الأمامية ، ليمر الوقت ما بين مشاغبة الأطفال و أحاديث متفرقة مع الدوق .
و بعد مدة ، غادر الدوق و عائلته بعدما قمت بتوديعهم و أنا أحمل ماريا الناعسة بين ذراعي .
ناديت على مربية ماريا ، وقبل أن تأتي همست ماريا في أذني بنبرة ناعسة  :
هل حدث شيئ جيد للأخت جوليانا اليوم ؟
فأجبتها بنبرة تتناسب مع طفوليتها  :
تستطيعين قول ذلك .
و ما الذي جعلك تفكرين بذلك أيتها الشقية ؟
فقالت و هي تتثاءب :
فقط إنها تبدو أسعد اليوم .
رجف قلبي للحظة قبل يستعيد نبضه الطبيعي .
أعطيت ماريا لمربيتها حتى تضعها في سريرها ، ومن ثم ذهبت إلى مكتبي لتأدية بعض أعمالي المتراكمة فانتهى بي الأمر بالتفكير في جوليانا مجددا ؛ لم أكن أدري أن بعدي عنها أثناء الحرب قد جرحها إلى هذا الحد .
ولكن و بالعودة إلى الماضي ، لم أكن أريد أن أجعلها تتعلق بي و تنتظرني ، بينما أنا ذاهب إلى حرب كان الموت فيها أقرب من الحياة .

هناك في تلك الحديقة المزينة بالأزهار والأعشاب ،  وهما يحتسيان الشاي ، سألها ببراءة وطفولية :
ماما ، ماهو الحب ؟
فأجابته بنبرة حانية :
إحساس جميل بني لكنه خطير لذا يجب عليك أن تحذر منه .
ورغم تنهد أمه المتألم تابع الطفل طرح أسئلته فقال :
و لماذا هو خطير ماما ؟
هنا أوقفت الأم فضول وليدها بقولها المعتاد :
سأخبرك عندما تكبر عزيزي .
و لكنه كبر و لم تخبره أبدا .
سيدي ،  سيدي .... ،  فتحت عيناي على صوت برنارد المناد  .
كل عظامي تئن بشدة يبدو أني قد نمت في المكتب مجددا  .
رفعت رأسي من على سطح المكتب في محاولة للاستيقاظ فقد نمت لساعتين فقط اليوم ،
فقلت بينما أحتسي القهوة التي أحضرها برنارد :
ماهو برنامج اليوم برنارد ؟
فقال :
لديك اليوم سيدي حصة تدريب بالإضافة إلى ...
و لما أوشك على على الانتهاء قلت :
أبقي على التدريب و أجل البقية إلى الغد فلدي لقاء مع الملك .
أجابني :
حسنا سيدي .
ذهبت للتدريب و فور أن فرغت منه قمت بالإستحمام و التجهز للذهاب للقصر الرئيسي حيث ساعدني كبير الخدم في ذلك و كذا قام بمرافقتي هو و مجموعة من الخدم ، ركبت العربة و سرعان ما كنت أمام الواجهة الرئيسة للقصر الأكبر .
دخلت إلى قصر والدي و أنا أشعر بشعور سيئ ؛
فقد كان لي في هذا المكان الكثير من الذكريات التي لا أريد تذكرها .
طلبت من كبير الخدم أن يجهز لي موعدا مع الملك .
و من ثم جلست في انتظار الملك وقتا طويلا حتى بدأت أشعر بالملل ليأتي بعدها الفرج أخيرا و سمح لي بالدخول ،
و فور أن دلفت إلى المكتب استقبلني والدي بملامح باردة و نظرة حادة كما لو أنه يريد قتلي في التو و اللحظة ، تجاهلت ذلك و انحنيت بهدوء فأنا لا أريد أي نوع من التوتر مع الملك اليوم على الأقل حتى تسير الأمور على خير ، تناقشت معه أولا بشأن أمور البلاد حيث سلمته القوائم التي عملت على تجهيزها ، ومن ثم بدأت بالتمهيد له قائلا :
سيدي الملك ، بما أنك أردت مني الزواج مسبقا فأنا أود طلب إذنك للزواج من الآنسة جوليانا ابنة الكونت ديفيد و الأميرة سمانثا .
و بعد ذلك صمت منتظرا إجابة الملك و التي طال انتظارها حتى ظننت أنه سيرفض ، إلا أنه فاجأني وقال ببرود :
سأسمح لك بالزواج من الأنسة جوليانا و سيتم إعلان خطبتكما بعد يومين حتى تستطيع القيام بما كلفتك به ، و الآن يمكنك الانصراف .
كان قلبي سيطير فرحا و لكني تمالكت نفسي و شكرت الملك قبل أن انصرف .
فلدي الكثير من الأشغال لما بعد غد .

و لم ير أحد ابتسامة الملك بعد ذلك .

أنتهى
___________________________________

  آسفة على تأخري و لكن أخذتني المشاغيل
فأرجو تفهمكم .

قراءة ممتعة للجميع . 











في لقاء آخر قريبا ....

لقد أحببت Where stories live. Discover now