الفصل الخامس

71 4 1
                                    

هو ،
بعد أسبوع من حفل الخطوبة ، اضطررت للتجهز من أجل الذهاب للشمال امتثالا لأوامر الملك .
بداية اخترت نخبة من الفرسان الذين أشرفت على تدريباتهم بنفسي وذلك ليرافقوني لأن الطريق للشمال وعرة و تحتاج صبرا و قوة .
فبالرغم من ذهاب الفرسان الملكيين معنا إلا أني لا أضمن طبعا أنهم سيحمونني إن واجهت هجوما .
و في اليوم المحدد ، شددنا رحالنا أنا و الدوق نحو الشمال حيث توليت أنا قيادة القوات .
و بعد أن وصلنا بعد شهر من السفر ، استقبلنا المسؤول المحلي للمنطقة و الذي كان من القلة القليلة من النبلاء النزهاء و البعدين عن الفساد .
قمنا أنا و الدوق بإخماد المظاهرات محاولين استخدام أقل قدر ممكن من العنف و قد ساعد على ذلك كون المظاهرات لم تكن جادة إلى ذلك الحد .

بعد ذلك ، قمت بإرسال أحد فرساني الموثقين للإلتقاء بتابعي السري روميو فلم أكن أريد أن أجذب إلي الشبهات بلقائي معه شخصيا .
و بينما كنت في انتظار آخر المعلومات من تابعي ، بدأنا أنا و الدوق في التحقيق في سبب حدوث المظاهرات .
و ذلك بدءا من التحقق من كفاءة حكم المسؤول و الذي لم يكن هناك غبار عليه .
وصولا إلى الضرائب التي و رغم كونها مرتفعة إلا أنها لم تزد منذ عشر سنوات ، و الإيرادات أيضا التي لم تتغير منذ أربعة سنوات .
بالأضافة إلى تاريخ المنطقة الهادئ رغم كونها مهملة و مظلومة منذ عقود -كونها لا تحتوي إلا على شعب الهامو الذي يحتقره النبلاء - .
لذا فإن الأمر برمته مريب بل يبدو كأنه مفتعل .
- و لكن ليس بالنسبة لي فقد عرفت الحقيقة بالفعل و لكني أنتظر تأكيدا فقط - .
و لأن الدوق قد لاحظ نفس الملاحظة مثلي لذا فإنه سألني :
سيدي الأمير ألا ترى أن الأمر يبدو كأنه مفتعل ؟
و كأن أحدا قد حرض الشعب على المظاهرات .
فأجبته قائلا :
يبدو كذلك أيها الدوق .
ليقول بعدها الدوق :
إذن بمن تشتبه سيدي الأمير ؟
لأرد عليه قائلا :
ألا ترى أيها الدوق أنه يمكن أن يكون عمل امبراطورية كارابوزيا ؛ فكما تعلم أن شعب الهامو يتواجدون على حدودهم أيضا لذا أيمكن أنهم استغلوا ذلك لمحاولة السيطرة على المنطقة بعد أن فشلوا بالسيطرة عليها بالقوة .
أظن أن هذا التلميح كاف ليدرك الدوق ما أريد قوله ،
و الدليل على ذلك صمت الدوق الآن .
لذا تركته بعد أن قلت له :
فكر في الموضوع و أعطني رأيك لاحقا .
توجهت بعدها إلى غرفتي فقد جاء الفارس الذي كنت أنتظره .
و سرعان ما كنت جالسا على كرسي مكتبي أقرأ الرسالة التي بعثها روميو ، بينما كان الفارس يقف أمامي .
و بعد أن أنهيت قراءها غمرني الشعور بالإنتصار و ذلك لأن الأخبار التي حملتها الرسالة كانت كما توقعت بالضبط ، لذا ما علي إلا أن أنتظر قليلا حتى يقع الفأر في المصيدة .
بعد ذلك اليوم ، مكثنا في الشمال ثلاثة أشهر دون أدنى فائدة تذكر إذ لم نجد أي شيئ رسمي لإكمال التحقيق لذا عدنا مجددا إلى الجنوب وذلك في غضون شهرين لوجود إصلاحات في سد نهر كارلو و الذي يفصل المملكة إلى جزء شمالي و آخر جنوبي ، حيث اضطررنا إلى الانتظار ريثما تنتهي الإصلاحات . ( لأنه لا يوجد طريق أخر إلى الجنوب ماعدا الطريق البحري وهو طريق شاق وطويل ) .
بعد الوصول إلى قصري ، بدأت في الانشغال مرة أخرى و لكن هذه المرة من أجل التجهيز لزفافي و الذي كان بالمناسبة بعد شهر من الآن .
حيث تلزمنا تقاليد المملكة (و التي كانت لأول مرة بصفي) بتقصير مدة الخطوبة قدر الإمكان .
بدأت أولا بتجهيز القصر و من ثم المدعوين و القاعة و الكثير من الترتيبات الأخرى و التي أردتها أن تكون مثالية ، كما أرادتها جوليانا في رسائلها ، إذ أننا لم نستطع اللقاء إلا نادرا بسبب انشغالها بدورس الزفاف .
و لم أنزعج من ذلك حقا ، لأن موعد اللقاء الأبدي قد اقترب على أي حال .
مرت الأيام بسرعة حيث تبقى يومين فقط على الزفاف ، و ها أنا ذا جالس في انتظار جيوفاني و كريس في مطعم مغمور نلتقي فيه دائما .
حيث أردت الحديث معهم حتى يزول بعض من توتري الذي يزداد كل يوم .
و لم يطل انتظاري أكثر من ذلك ، إذ ظهر صديقاي التافهان و هما يتضحكان كالعادة .
و فور أن وصلا لطاولتي سلما علي سريعا و جلسا ،  عندها لاحظت توتر كريس لذا سألت جيو بمزاح :
ما الذي أصابه ؟
فقال لي وهو يضحك لدرجة أن عيونه قد دمعت :
أنت لم ترى يا أليكس ماذا حدث ؟
عندما كنا مارين في طريقنا إلى المطعم، رأى كريس فتاة جميلة و أخذ يتغزل بها كما هي عادته ، و لكن ما لم يكن في الحسبان أن الفتاة ضربته و هربت بعد أن رمقته بنظرة اشمئزاز لا تنسى .
فأجبته مدعيا الصدمة :
أهذا حقيقي ؟
و أخيرا لقد وجدنا الفتاة التي لم تقع تحت سحرك كريس .
ضحكنا أنا و جيو بينما احمرت أذنا كريس من الخجل لذا سألته :
مهلا ، يبدو أنك أعجبت بتلك الفتاة حقا .
لم يجب كريس بل ازداد احمرارا مما أثبت نظرتي للأمر لذا قال جيو ممازحا :
يبدو أنني سأبقى العازب الوحيد بعد الآن .
مرت السهرة بعد ذلك سريعا ما بين تناولنا للطعام و مشاكستي لكريس .
و بعدما انتهينا من الوجبة ، عدت إلى القصر سريعا فما كان ينتظرني من أشغال لم يكن بالشيئ الهين .
بعد يومين ، أي صبيحة يوم الزفاف ، وقفت أمام المرآة بينما يقوم الخدم بتجهيزي .
كنت أحاول الحفاظ على ثباتي رغم دقات قلبي المتسارعة .
و عندما انتهى الخدم من التجهيز ، نظرت إلى المرآة للتأكد للمرة الأخيرة .
كنت أرتدي بذلة بيضاء مزررة بأزرار فضية و تحتوي على نسر فضي في الظهر ( و هو دليل على انتمائي للعائلة الملكية إذ أن النسر الفضي يرمز إلى المملكة ) ، بالإضافة إل تاجي ، مع حذاء فضي بالطبع .
بعدها توجهت إلى القاعة برفقة موكب حافل من الخدم و الحشم .
و بعد وصولي ، دلفت إلى القاعة التي كانت مزينة بالأبيض هذه المرة .
انحيت للملك و مررت عبر السجادة البيضاء إلى جانب رجل الدين الذي كان واقفا لعقد القران .
انتظرت لبضع دقائق قبل أن يتم إعلان حضور العروس وسط تهليلات وتصفيق المدعوين .
و أخيرا دخلت جوليانا متأبطة ذراع والدها ، و بفستانها الأبيض المنسدل عليها بسلاسة بدت كأنها
ملاك نقي يلمع دون مجهود .
كما أن شعرها المموج الذي كان يرفرف بحرية رغم الإسدال الذي كان يغطيه أضاف عليها براءة و جمالا لا يناسبها إلا هي .
كم أردت في تلك اللحظة أن أخفيها في قلبي إلى الأبد ....
حينها عرفت أن قلبي لها و فقط .
اقتربت هي من نهاية السجادة لذا تركت ذراع والدها و وقفت في الجهة المقابلة لي .
و بعد الكثير من المقدمات من رجل الدين ، جاءت اللحظة المصيرية حيث سألني بداية :
سيد أليكساندر دي مونتاريو هل تقبل سموك الآنسة جوليانا دي مونيسيو كزوجة لك في السراء و الضراء في المرض و الصحة و أن تكون الأم المستقبلية للملكة ؟
سامحيني والدتي لقد خالفت وصيتك الأخيرة .
فأنا قد أحببت .....
بعد لحظات ، أجبت على الراهب بثبات :
نعم أنا أقبل .
و أعاد الراهب السؤال على مسامع جوليانا التي أجابت بعد مدة بصوت خافت :
نعم أنا أقبل .
و بعد أن أنهى الراهب جملته الأخيرة التي تنص على تقبيل العروس .
تقدمت من جوليانا و رفعت الإسدال ببطء لأرى بعدها وجهها الجميل و عينينها اللامعتان تنظر إلي بهدوء .
قبلتها على جبينها بخفة بينما كنت ممسكا بكتفيها الرقيقين .
  بعد ذلك بقيت أنظر إلى وجهها دون أن أنتبه إلى أصوات التصفيق و المباركات .
أحسست في تلك اللحظة بالطمأنينة ،
و كأن فراغ قلبي قد امتلأ ....
و كأن الماضي و الحاضر و المستقبل قد اجتمعوا في لحظة واحدة .....
و بعد مدة ابتعدت عنها قليلا عندما أحسست أخيرا بصوت المدعوين المرتفع ، كما أن وجه جوليانا كان محمرا بالفعل .
أمسكت يدها برفق و اتجهنا إلى الملك لنأخذ بركاته ،
و قد كان والدي فرحا إذ أنه احتفى بنا كثيرا ، و هذا لم يكن من أجلي على أية حال ، بل كان من أجل جوليانا التي لاطالما اعتبرها الملك كابنة حقيقية له .

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Sep 02, 2022 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

لقد أحببت Where stories live. Discover now