الفصل الرابع

43 3 0
                                    

هي ،
في ليلة صيفية عادية كاليوم ، أنا في شرفة غرفتي ، بعد زارني الأرق كالعادة ، الأرق الذي لم أكن أعرفه من قبل رحيله ،
أنظر عبر نافذتي و كل شيئ يبدو بلا حياة ، هادئ حد الموت ، كما هو حالي بعد أن تجوفت عيناي من الدموع .
نادمة أنا الآن ،
على عدد المرات التي تمنيت فيها أن أعانقه ولم أفعل .
نعم أنا مشتاقة إليه ، إلى الذي يجعلني أفقد روحي فقط لرؤيته مرة أخرى .
يقولون أن الألم يختفي عبر الزمن ، إذن لما كل يوم يمر بدونه يكون مؤلما كاللعنة .
أنا في غيابه ، كطير مكسور الجناح ، كتائه في صحراء مقفرة .
و روحي الحيوية التي كان يحبها ذهبت معه دون عودة ...... .
في النهاية ، لم أستطع تحمل الشوق الذي أطبق على أنفاسي فجأة ،
لذا ارتديت رداء أسودا لا يكشف إلا عيناي ، و أخذت سيفي و خرجت عبر الممر السري للقصر حتى لا يكشفني الحراس .
لم أكن أريد الذهاب إلى أي مكان ، بقدر ما كنت أريد الإبتعاد عن القصر الذي كان من المفترض أن يكون منزلي و لكنه لم يكن أبدا .... .
أخذت أجول في طرقات المدينة المظلمة ، حتى وجدت نفسي أمام المقبرة ، و قد كان حارس المقبرة نائما كالعادة مما سهل المهمة ، لذا تسللت ببطء و دخلت بينما قدماي تتخذان طريقهما تلقائيا نحوه أو بالأصح نحو قبره ،
وقفت أمامه و لم أجد حقا ما أقوله ما عدا دموعي التي تنهمر ،
و لقد بقيت واقفة طويلا لدرجة أن الفجر قد لاح بضياءه على السماء .
لذا انحنيت أمام قبره و وعدته بأني سأنتقم من الشخص الذي سلبه حياته قبل عودتي إليه مرة أخرى .
و غادرت في عجالة ، و لحسن الحظ لم يستيقظ الحارس بعد ،
بعد ذلك توجهت مباشرة إلى القصر و سرعان ما كنت في غرفتي على سريري .
لتأتي روز كالعادة لإيقاظي و بدأ لعبة الفتاة النبيلة من جديد ، حيث اغتسلت و ارتديت فستانا أزرقا مريحا و طويلا عليه طبعة ورود جميلة بالإضافة إلى حذاء أبيض خفيف دون كعب ، و كآخر خطوة جلست أمام طاولة الزينة بينما كانت روز تمشط شعري في شكل كعكة ، حيث أضافت دبوس للشعر و أقراطا بنفس لون الفستان ، نظرت إلى نفسي في المرآة و رأيت وجهي الباهت و السواد تحت عيني ، لاحظت روز تأملي لوجهي لذا اقترحت أن تقوم بوضع الزينة لي لكني رفضت فهذا ما كنت عليه لمدة عام كامل و لن أغير اليوم دون سبب .
توجهت إلى قاعة الطعام و وجدت كلا من والدي و أخي جالسين وهم يتحدثون و يتضاحكون ، لوهلة لم أكن أريد الدخول ، الأمر يبدو كما لو أن أتطفل عليهم ،
و لكن سرعان ما لاحظني أبي و ناداني و هو يقول بعدما مسحت آثار السعادة من وجهه :
صباح الخير يا آنسة ، أيجب علينا أن ننتظرك في كل وجبة ؟
تجاهلت تهكمه الواضح و قلت صباح الخير بصوت خافت ، فليس لي طاقة للجدال اليوم .
سحبت مقعدي حتى أجلس و لكن قبل أن أقوم بذلك حتى قالت والدتي بصوت حاد :
ما لباس الفلاحات هذا !!
أتردين إهانتنا لهذا الحد ؟
و لفت وجهها بعيدا دون النظر لي .
لم أعط لما قالته أدنى اهتمام بل شرعت في تناول الفطور و الذي أنهيته بسرعة لانعدام شهيتي .
و قبل أن أقف سألني أخي الأصغر ليو بلطف :
أختي ، أختي ، هلا ساعدتني في دراسة التاريخ الملكي ؟
فأجبته بهدوء :
حسنا ، فقط أحضر كتبك و تعال إلى المكتبة .
فقال ليو و الحماس يبدو جليا على ملامحه :
شكرا أختي .
سرت إلى المكتبة و انتظرت حتى لحقني ليو حاملا كتبه ، فقلت :
هل تريد أن أشرح لك بداية المملكة ؟
فأجابني :
نعم جولي .
فبدأت الشرح له قائلة :
لقد بدأت مملكة توبازيا من الشمال على أنقاض مملكة قديمة حيث قام الملك ألفريدو الأول باستعادة الأراضي التي سلبتها الممالك الأخرى و وحدها تحت مسمى توبازيا ، و بعد أن توفي قام أبناءه الثلاثة باقتسام الأعمال بينهم حيث قام الابن الأكبر بقيادة الجيش وهو جد الحزب الغربي و الذي يتكون من محاربين و جنرالات ، و الابن الأوسط قام بحكم البلاد و هو جد العائلة الحاكمة أما الابن الأصغر فقد عمل كمستشار للابن الأوسط حيث قام بتسيير الأمور المدنية و هو الجد الأكبر للملكة و الحزب الشرقي .
و قبل أن أكمل حديثي قاطعني ليو متسائلا :
إذا كان كل من الحزب الشرقي و الغربي و العائلة الحاكمة ينحدرون من الملك ألفريدو الأول ، إذن فجميع النبلاء ينحدرون منه ؟
فأجبته قائلة :
دعنا لا نقل جميعهم بل معظمهم ، و لهذا فإنهم يتشابهون في الصفات الجسدية إذ أن معظمهم يملك شعرا أحمر أو أشقر بالإضافة إلى عيون ملونة .
فسئل مرة أخرى :
و ماذا عن العامة ؟
فأجبته للمرة الثانية :
العامة هم الشعب الذي سكن منذ عهد المملكة القديمة و منهم شعب الهامو و هم حكام المملكة القديمة قبل انهيارها .
فقال أخي بابتسامة :
لقد فهمت الآن ، هلا عذرتني أختي ؟ سأذهب قليلا وأرجع .
فأذنت له ليخرج سريعا و جلست أنا في انتظاره
بينما أفكر في إمكانية نجاح خطتي خاصة بعد حديثي مع الأمير قبل يومين ، فرغم كذبي عليه إلا أني استخدمت بعض مشاعري الحقيقية لذا آمل فقط في أن يقع في الفخ و يصدقني .
و بعد الكثير و الكثير من التفكير انتبهت أخيرا إلى تأخر ليو لذا خرجت من المكتبة بحثا عنه . و بينما أنا أمر بغرفة والداي سمعت أبي يقول بعصبية :
إذا تركناها دون زواج هكذا ستصبح عانسا و عندها لن نستفيد منها شيئا .
فأجابته أمي بصوت حاد لكنه خافت :
و لكن رغم ذلك سيضل من المشين زواج ابنتنا الشابة من شيخ ذي ستين سنة ، فكر فيما سيقوله النبلاء عنا .
فأجابها والدي بحنق :
و لكن الشيخ الذي تتحدثين عنه هو ماركيز لديه نفوذ بما يكفي لدعم الدوقية و جعلها أكثر قوة و مهابة .
بعد ذلك أنا لم أسمع شيئا بل أسرعت إلى غرفتي و أنا أحاول كبت دموعي بوضع وجه بارد .
جلست على سريري و كلام والدي يطن في أذناي بدون توقف إلى الحد الذي نسيت فيه فكرة البحث عن أخي الأصغر .
ألهذه الدرجة أصبحت دون قيمة بالنسبة لهم ؟
لم أعرف كم مر من الوقت بالتحديد و أنا على هذه الحالة ، و لكن دخول خادمتي بوجه باسم هو ما أخرجني مما كنت فيه ، حيث قالت بحماس :
إعذريني سيدتي لدخولي دون إستئذان و لكن جاء مبعوث من القصر من أجل ... من أجل .... .
فقلت أحثها على الحديث :
من أجل ماذا روز ؟
فأجابت و البهجة تلمع في عينيها العسليتين :
من أجل إعلان خطبتك من ولي العهد بأمر من الملك .
حافظت على وجهي البارد رغم إحساس الانتصار الذي انتشر سريعا عبر عروقي .
لقد نجحت خطتي التي لم أكن أظن أنها ستنجح أبدا .
التفت الى روز التي مازالت تثرثر قائلة :
إنها رابطة كونية سيدتي ، بأن تتزوجي صديق طفولتك .
فرددت عليها منهية الحديث :
دعك من الحديث يا روز و جهزيني سريعا لاستقبال المبعوث .
بعد ذلك تجهزت و نزلت إلى إلى صالة الاستقبال أين وجدت والداي وهم يثرثران مع المبعوث كجزء من الاستقبال .
جلست إلى جانب والدي على الأريكة مقابل المبعوث و الذي فور أن رآني بدأ في إلقاء الأمر الملكي فوقف و انحنى جميع من في الصالة بمن فيهم أنا ليبدأ المبعوث بإلقاء بعض المقدمات قبل أن يدخل الموضوع قائلا :
باسم الملك سيتم إعلان الآنسة جوليانا دي مونيسيو ابنة الدوق ديفيد دي مونيسيو كخطيبة رسمية للأمير الكساندر دي مونكامو نجم مملكة توبازيا و ولي عهدها .
ثم أضاف قائلا :
يجب على كل من سمع الأمر الملك أن يطيعه و إلا فإنه سيعتبر خائنا للمملكة .
عند سماعنا ذلك عاود جميعا الانحناء مرة أخرى و نحن نردد :
نحن تحت أمر الملك شمس المملكة .
بعد انتهاء المراسيم سأل والدي المبعوث عن تاريخ حفل الخطوبة الرسمي فأجابه المبعوث بأنه بعد أسبوع .
مهلا أهو بعد أسبوع ؟
صدمت بمدى تسارع الأمور .
و لكنه لم يكن بمقدار الصدمة التي تلقيتها عندما انتبهت إلى مقدار الهدايا التي كان الخدم يحملونها ليدخلوها إلى غرفتي .
بعدما تلقيت الأمر الملكي ، قضيت الأسبوع كاملا ما بين حمامات الزيوت و العناية ، و الكثير من التجهيزات الأخرى كالفستان و المجوهرات..... ، دون أدنى راحة تذكر .
حتى وصل اليوم الموعود ، و ها أنا أقف متوترة في انتظار العربة الملكية بفستان زهري فخم و مشد يخنق أنفاسي بالإضافة إلى كعب عال جدا رغم كوني طويلة بالفعل .
قدمت العربة الملكية و ركبت أنا و والداي اللذان كنا متأنقين باسراف اليوم بالإضافة إلى أخي الصغير الذي كان في بدلة تبدو لطيفة عليه .
وصلنا إلى قاعة الحفلات و التي لاطالما كنت أزورها في الماضي .
أعلن الخادم عن دخولنا و فور أن دخلت متأبطة ذراع والدي كانت جميع أنظار النبلاء مسلطة علي .
تجاهلت هذه النظرات ، و توجهت أنا و والدي إلى منتصف القاعة التي كانت مزينة و مجهزة بولائم طعام و فرقة موسيقية كبيرة .
و سرعان ما أخذ النبلاء الذين يعرفوننا بالتسليم علينا ، لذا جاملتهم و بقيت أتحدث معهم حتى أعلن عن دخول العائلة الحاكمة .
دخل الملك في البداية و انحنينا له و بعد أن جلس
دخل بقية الأمراء و الملكة .
و من بينهم ليكس و الذي كان مرتديا بذلة فضية رائعة .
حقيقة لن أستطيع نكران ذوقه في الألبسة رغم حقدي عليه .
و بعد مدة من الحديث ، بدء الحدث الرئيسي للحفلة ، ألا وهو الرقصة الأولى مع الخطيب .
لذا تقدمت إلى ساحة الرقص و أنا أحاول جاهدة إخفاء توتري بابتسامة مبتذلة ، كما تقدم ليكس أيضا نحوي ، و كما جرت العادة بين النبلاء في انحنيت أنا رافعة ثوبي و من ثم أخذ ليكس يدي مقبلا إياها .
و قبل أن تذهب الكهربة من يدي بعد ، بدأت ألحان الموسيقى في العزف لتبدأ الرقصة معها أيضا .
مرت الرقصة بسلاسة ذلك أني أعرف حركات ليكس جيدا و هو يعرف حركاتي أيضا .
و قبل انتهاء الرقصة بقليل ، و بينما أنا أنظر إلى عيني ليكس ، تمنيت للحظة لو كان من يراقصني الآن جيمس و ليس غيره .
عندها كانت لتكون الحياة أسعد بكثير ، أليس كذلك ؟
و كما لو أن ألكساندر قد انتبه لما أفكر به ، إذ أنه اقترب مني بشكل مفاجئ لدرجة أن نبضي قد توقف للحظة من شدة قربه ، و فور أن تجاوزت الصدمة قمت بالابتعاد عنه حيث كانت قد انتهت الموسيقى بالفعل .
عم الصمت عقب انتهاء الرقصة ، وهذا تمهيدا للطقس الثاني من طقوس الخطبة و هو إلباس الخاتم .
حيث أتى الخدم بصندوق الخاتم محمولا على الوسائد .
ومن ثم قام ألكساندر بفتح العلبة و سحب الخاتم ليستلم يدي بعدها و يلبسني إياه بلطف .
نظرت إلى الخاتم و لم أعرف تحديدا من أي حجر كريم قد صنع .
ذلك لأنه يبدو غريبا جدا ، و جميلا في الوقت ذاته .
و بعدما أنهينا مراسم الخطبة انهالت علينا التهاني و المجاملات .
فانفصلنا عن الحشود أنا و ليكس و توجهنا ناحية الملك "خالي" لطلب مباركته ، و فور أن فرغنا من ذلك ذهبنا للتسليم على الملكة و الأمير الثالث و اللذان لم يكفا عن قول كلمات مثل :
أنتما تناسبان بعضكما جدا ، لكما نفس المستوى ، النبلاء للنبلاء و العامة للعامة .... و الكثير .
وطبعا لم يكن مقصدهم طيبا فقد كانوا يشيرون إلى كون أم ليكس من العامة و والدي الدوق أيضا و الذي كان من العامة قبل أن يتبناه الدوق الأكبر .
و لن أستطيع القول أني قد صدمت بكراهية الملكة و ابنها ، و ذلك لأنه لا يوجد أحد في المملكة لم يعرف عن كمية العداء بينها و بين الأميرة الكبرى أي أمي .
و بعد أن انتهينا من العائلة المالكة ، توجهنا أخيرا إلى عائلتي ، حيث أخذ والدي يسأل أليكس عن سبب عدم إخباره بأمر الخطوبة و ما إلى ذلك .
الأمر الذي تهرب منه أليكس بأعذار واهية تقبلها والدي كون أليكس هو الصهر المثالي بالنسبة له .
و بين وصايا من والدي و مجاملات من باقي النبلاء انتهت الحفلة بعد أن استهلكت خزان طاقتي إلى آخره .
و قبل أن أغادر أمسكني ليكس من ذراعي قائلا بصوت خافت :
أراك لاحقا ...
ليقترب من أذني بعدها و يهمس :
حبيبتي .
بالكاد استطعت إظهار إبتسامة غصبا لأخفي بها حنقي و غضبي بعد ذلك إذ أني تذكرت أنه لولا ما فعله ، لكنت الآن مثل أي فتاة في يوم خطوبتها من حبيبها ، سعيدة جدا .
و ليس كحالتي اليوم ، حانقة لأني مخطوبة لأكثر إنسان أكرهه في العالم .
لقد سلب مني فرحة شبابي !!
بعدما حدث ، عدت للمنزل بعربة ملكية عالعادة .
و مرت الأيام سريعا لأفهم أخيرا ما كان يقصده ب" أراك لاحقا " فهي كانت وداعا أكثر منه وعدا للقاء .
إذ ذهب كل من والدي و الأمير في رحلة للشمال من أجل التحقيقات .
و قد مر على ذلك ستة أشهر لحد الآن مما مكنني من إحضار ما أرته دون كثير من الشبهات .
و بينما أنا في غرفتي بعدما انتهيت من دروس ما قبل الزواج ، وصلتني رسالة من أليكس يسألني فيها عن حالي و يخبرني عن اقتراب موعد عودته .
أي الموعد الحقيقي لبدأ خطتي ..... .
انتهى ... .

أرجو أن تقيموا الفصل بنجمة فهذا يشجعني كثيرا .

إعذروا تأخراتي الكثيرة فهذه أول مرة لي في الكتابة و لم أستطع أن أنظم أموري .

شكرا لقرائتكم إلى حد النهاية و إلى اللقاء حتى فصل قادم .




لقد أحببت Where stories live. Discover now