الفَصلُ الثَالِث|خِتام

286 48 92
                                    

بعدَ أن حَل الغَسق،شَرعتِ السَماءُ تُسدِلُ رِدائَها الأَسود تَدريجيًا لتتزينَ بالحِلكةِ القَاتِمة تنبعثُ مِنها تِلك الأَضواءُ الصَغيرة.


جلسَ عَلى سطحِ المَبنى بينَما يُحررُ رِجليهِ نَحو الأَسفل يُراقبُ ذلِك المَشهد بِصمت لِتسقُطَ دمعةٌ مِن إِحدى حَدقتَيهِ فَجأة.

يبتسمُ بِعدمِ تصديق وإِمتدت أناملهُ تُزيحها عن وَجهه،الأمُر ليسَ بالهَينِ عَليه،هُو لم يُخلق قاتِلًا مُتبلدَ المَشاعِر لِكن الظُروف صَيَّرتهُ كذلِك بينَ ليلةٍ وضُحاها ومع ذلِك لازالَ يَشعُر ببعضِ الألمِ يستحلُ صدره إِثر تِلك الأرواحِ التي أَزهقها.

'العالمُ مُخيف'،فَكَّر ورفعَ رأسهُ عاليًا يُتابعُ سِلسلةَ تأمُله للنُجوم.

العالمُ ولحدٍ ما يُشبه تِلكَ السَماء التي يتأَملُها،سوداءُ حالِكة تُجملها الحُبيباتُ البَيضاء المُسماةُ بالنُجوم،فكَّر بأَّن النُجوم كذوي اللهِيب الأَبيض إذ لابُد لفؤادِهم أن ينفَطِر،وكأَّن السَواد بينَهم تعاهَد على إِبتلاعِهم وإِخفاءهم للأَبد.

"كُل شيءٍ سَيكُون بِخير"،إِستشعرَ يدًا تُربتُ عَلى كَتفِه وصوتاً يتكلمُ تزامُنًا مع ذلِك ليلتَفتَ بهدُوء.

"لا أعلمُ ما تمرُ بهِ أيُها الشَاب ولكِن إِعلم أن الحَياة ما هِي إِلا رِحلةٌ قَصيرة تَذاكِرها مَحدودة فلا تُضِعها في الحسرةِ على ما فات"،نَبس بِصوتهِ الأَجش وعيناهُ تلمعانِ وسطَ تجاعِيد وجهه.

بُومِقيو إِبتَسم،كَانت إِبتسامةً تُخفي في طَياتِها العَديد مِن الآلام ونظَر للرجلُ في تَساؤل،"فَماذا إِذا كَان البَعضُ لا يَستحقُ تِلك التَذكِرة؟،ماذا إِذا كَان جَشِعًا كِفاية ليسلُب تَذكِرةَ غيرِه؟!".

"ولِهذا هِي مميَزة"،أَجابه وتَابع الإِبتِسام حِين إِستهجَن الأخرُ الإِجابةَ كُليًا،"لِكُل شخصٍ طريقةٌ في تَخليدِ ذِكرياتِ رِحلته وهُنا تمامًا يأتي دَورك،لا تَكُن الوسِيلة ليخلد شخصٌ ما ذِكراه عَلى حِسابك!".

بُومِقيو صَمت يستمعُ للرجلُ العجوز جيدًا فِيما أفرج ثَغرهُ عن بسمةٍ خَفيفة ليُقرر إِنهاءَ النِقاش ناوِيًا الرَحيل.

كَاد يُغادِر إِلا أنهُ توقفَ ما إِن إِستشعرَ لَهِيبًا أبيضًا خافِتًا للغاية وشيئًا فشيئًا باشرَ في التوهُج والإِتساع في بُقعة صدرِه،الكَلِماتُ خانتهُ للحظَة والغُصة توقفت في حَلقه ما إِن سَمِع صَوتًا بعِيدًا يُنادي العَجُوز.

الآن فَهم كُل شيىء،رفعَ وجههُ يُظهِرُ إِبتسامةً خَفيفة في حِين إِنحنى بِجذعه قليلًا إِلى الجَانب حيثُ خُصيلاتهُ الطَويلة أخفتْ مُعظم ملامِحه، "أنتَ مُحق،لكِن إِحذر فقد يَكُون ذلِك الجَشع أحد الأَقربينَ إِليك"،نبس وغادر المَكان في عَجلة.

مُـنـهَك.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن