الفصل الاول

3.3K 85 9
                                    

الفصل الأول
كانت تنظر إلى يدها المرتعشة وبداخلها توتر لا يوصف، لما استمعت إليه؟! وجاءت معه كيف قبلت بذلك؟!
كانت تود  الهرب من هذا المكان ولكنها سمعت تلك الممرضة
وهي تقول: مدام سحر إبراهيم اتفضلي.
نظرت إليه بعيون زائغة فابتسم لها حتى يطمئنها.
هو:  يله يا سحر متخافيش أنا معاكي.
أشارت إليه برأسها دليل الموافقة، وتوجهت إلى غرفة الطبيبة وهي تجر قدميها تريد الهروب، ولكن قد فات الأوان على ذلك، طرق هو الباب ودخل وهي تتبعه،
ابتسم لها مشجعًا وهو يمسك بمرفقها، دخلت معه ولكنها انتفضت على إثر غلق الباب فقد كانت في أقصى حالات التوتر والقلق،
تقدمت إلى الداخل بأقدام خاوية لا تستطيع حملها، ووجدت أمامها إمرأة تجلس مبتسمة في حوالي الخمسين من العمر وعلى مكتبها مربع خشبي صغير مدون اسمها عليه دكتورة صفا المصري.
نظرت إلى تلك الطبيبة المبتسمة كان وجهها جميل من ينظر إليها يشعر بارتياح غريب، ببشرتها البيضاء وعيونها العسلية وشعرها البنى المربوط للخلف بطريقة بسيطة يشوبه بعض الشعيرات البيضاء دليل علي تقدم العمر وما يميزها أكثر هي تلك الابتسامة التي تجعلك تشعر بالثقة والارتياح حين تنظر إليها.
مدت الطبيبة يدها إلى سحر مبتسمة وهي تقول بتشجيع: أهلًا مدام سحر، أنا دكتورة صفا.
مدت سحر يدها الباردة في يد الطبيبة بخجل وهي تقول: أهلًا يا دكتورة.
نظرت الطبيبة إلى مرافق سحر وجدته شاب في حوالي الثلاثين من العمر ويبدو عليه أنه زوجها
صفا  بابتسامة وهي تنظر إليه: أهلًا وسهلاً ،حضرتك تبقى مين؟
ابتسم بتوتر وهو ينظر إلى الطبيبة سريعًا ثم ينظر إلى زوجته:  أنا محمد زوج سحر.
صفا: أهلًا وسهلاً اتفضلوا.
جلست سحر يقابلها زوجها ويفصلهم عن الطبيبة هذا المكتب الضخم
صفا وهي تنظر إلى سحر.
صفا: ها يا سحر عاوزه أعرف إنتِ بتشتكي من إيه؟
سحر بخجل: ولا حاجة.
صفا بجدية وهي تحاول أن تجعلها أكثر مرونة : أنا عاوزكِ أول حاجة تنسي أي خجل عاوزكِ تعتبريني أختك الكبيرة أو حتى والدتك، عاوزه يكون بينا ثقة وتكونِ متأكدة إن أي كلمة هتقوليها مش هتخرج من هنا ولو إنتِ مثلاً مش عاوزه جوزك يكون موجود ممكن نفضل أنا وإنتِ بس؟
سحر بتوتر: أنا أصلًا جاية عشان هو اللي جبني، وجيت إرضاء ليه هو، لو عليا مش هاجي.
صفا بابتسامة : خايفة؟
سحر بحزن وهي تنظر إليها: الخوف دايمًا ملازمني، تقدري تقولي كدة إنه أسلوب حياة.
صفا بتشجيع وتركيز بكل كلمة تخرج من فم سحر: الخوف احنا اللي بنخلقه وبنخليه يتمكن مننا.
كان محمد يتابع ما يحدث بهدوء دون أن يتدخل نهائيًا وكأنه غير موجود.
سحر بحزن:  مش بأيدي.
وقفت الطبيبة وأحضرت حقنة واقتربت منها وسط توتر سحر.
صفا بهدوء حتى تشعر بالأمان : متخافيش دي حقنه هتهدي أعصابك، ولو حابه تتمددي على الكنبة مفيش مانع؟
سحر: لأ، أنا كويسة.
صفا: تمام.
رجعت الطبيبة إلى مكانها وجلست وهي تنطر إلى سحر وتتابع حديثها
صفا وقد بدئت تسألها حتى تشخص حالتها بدقة : إيه اكبر مخاوفك؟
سحر وقد شعرت بانقباض قلبها: إني أموت لوحدي.
صفا: مامتك عايشة؟
سحر بحزن شديد : ماتت من حوالي سنة.
صفا وهي تتابع طرح الأسئلة : ووالدك؟
سحر وقد ظهرت بعض العصبية على وجهها: عايش حياته ومتجوز.
صفا وقد أدركت بيقين أن والدها له تأثير كبير في حالتها :عندك اخوات؟
سحر بهدوء نسبي : لأ للآسف، ماما بعد ما ولدتني جالها نزيف واضطروا يعملوا ليها استئصال للرحم، وعشان كده مقدرتش تخلف تاني.
صفا بجدية: الله يرحمها، عاوزكِ تحكيلي عنك مين هي سحر؟
شعرت سحر بهدوء أعصابها قليلًا وحالة استرخاء فوقفت تحت نظرات الطبيبة ومحمد واتجهت إلى تلك الاريكة وتمددت عليها،
وهي تغلق عينيها وتقول:  أنا مش فاكرة كتير من حياتي بس هحكي على قد ما أقدر، أنا بنت عادية اسمي سحر، اتولدت في القاهرة لأم حنونة جدًا اسمها مني، وأب مش قادرة أديله وصف محدد اسمه إبراهيم، أمي كانت أغلى حد عندي في الدنيا كلها اتحملت اللي مفيش بشر يقدر يتحمله بس عشاني، لما ماتت حسيت إني انكسرت حسيت إنها خدت روحي معاها، كل حاجة في حياتي غلط من الأول للآخر أنا مش بعترض على قضاء الله لأ، بس أنا كان نفسي حياتي تكون غير كدة مش عشاني، لأ عشان ماما.
صفا: احكيلي عن وفاة ماما وإيه أسبابها؟ وإيه اللي حصل؟
سحر وهي تاخذ نفس عميق:
                     ************
فلاش باااااك
كانت تتقلب على التخت بخمول دعوني أعرفكم عليها،إنها سحر فتاة مرحة تعشق والدتها حد الجنون تتميز سحر بعيون بنية وشعر أسود يصل إلى كتفها وقامة قصيرة وجسد ممتلئ إلى حد ما وبشرة خمريه جميلة، وفم وأنف متناسبين مع وجهها، ليس جمالها صارخ ولكن لديها جاذبية خاصة بها.
توجهت إلى خارج غرفتها بكسل وحين خرجت استنشقت تلك الرائحة الشهية التي تخرج من مطبخ والدتها، كالعادة فاليوم هو يوم الجمعة وتقوم والدتها بعمل أشهى الأكلات، وقفت سحر على باب المطبخ وهي تقول: صباح الخير يا ماما.
الأم وهي تلتفت لها بابتسامة: صباح الفل يا قلب ماما، بس الصبح عدي من زمان احنا بقينا داخلين على العصر.
سحر بخمول وكسل: كنت سهرانه بذاكر ما انتِ عارفه بقى ثانوية عامة والنهاردة يوم الأجازة من الدروس، بس إيه الروائح الحلوة دي؟
الأم وهى تتابع ما تفعله : اغسلي إنتِ وشك بس على ما اكون جهزت السفرة.
سحر بتعجب لعدم ظهور أي صوت لوالدها : هو بابا مش هنا؟!
الأم وهي تخفي توترها وتعطيها ظهرها: لأ، يا حبيبتي هو عنده شغل.
سحر: ماشي.
مر الوقت سريعًا وسط حكايات سحر المرحة وضحكها وحسها الفكاهي حتى دخل والدها كعادته، لا تعلم لماذا حين يدخل إلى المنزل تشعر وكأن الهواء أصبح قليلًا تشعر بالاختناق؟!
الأب بهدوء وهو يجلس: مساء الخير.
الأم: مساء الخير.
سحر بابتسامة : مساء الخير يا بابا.
جلس إبراهيم إلى جانب زوجته التي شمت رائحة غريبة!! وبخبرتها أدركت أنه عطر نسائي
الأم بعصبية: إيه الريحة دي يا إبراهيم؟
إبراهيم وهو يعتدل بجلسته ويقول بتوتر: ريحة إيه؟!
الأم بعصبية وقد أوشكت على الانفجار من شدة الغضب : برفان حريمي يا إبراهيم، إنت إيه مش عاوز تبطل وترحمني؟
إبراهيم بغضب وحدة وصوت عالي نسبيًا : أيوة هنخرف أهو ونرجع للأسطوانة المشروخة بتاعت كل مرة، إنت بتخوني، إنت ريحتك معرفش إيه، إنت بتكلم مين؟
كانت سحر تتابع ما يحدث وسط حزن شديد.
وقفت الأم وهي تقول بغضب وألم : لانك خاين وعمري ما هثق فيك، وعارفه انك عمرك حالك ما هيتعدل، لإن إنت أزبل راجل شفته في حياتي.
حينها وقف إبراهيم وهو رجل قوي البنية وكال لها الكثير من الصفعات والكلمات البذيئة وسط بكاء سحر، اقتربت سحر من والدها تتوسل إليه أن يتوقف عن ضرب والدتها واحتضنت أمها لتتلقي الضرب بدلًا منها، حتى توقف الأب وهو يتنهد بغضب ويقول:
والله لاوريكي الزبالة ده هيعمل إيه، مش كفاية متحمل إنك أرض بور جبتي ليا بنت واحدة وبقيتي أرض بور مفيش منك فايدة، ولا هقدر أجيب الواد اللي نفسي فيه.
الأم بألم وبكاء: خلاص طلقني واديني فلوسي اللي ادتهالك زمان وفتحت بيها مشروعك، واطلع من الشقه دي اللي أبويا جبهالي الله يرحمه.
إبراهيم وهو يضحك باستفزاز: دا إنتِ بتحلمي وبقولك إيه اتقي شري، أنا داخل أنام مش عاوز نفس في الشقه احسنلك.
وحين دخل إلى الغرفة قالت الأم بألم: حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا إبراهيم.
سحر ببكاء وهي تنظر إلى والدتها : ماما في حاجه بتوجعك؟
الأم وهي تمسح دموعها وتقول بابتسامة شاحبة: لا يا حبيبتي، وبعدين يا سحر أنا علشانك أتحمل أي حاجه أهم شيء عندي انك تاخدي بالك من مذاكرتك.
سحر بحزن ودموعها تنهمر على وجهها : طيب قومي تعالى معايا أوضتي عشان ترتاحي.
الأم وهي تتحامل على نفسها : ماشي يا قلبي.
                          *********
بااااااااااك
شعرت صفا بتوتر سحر وعدم راحتها، فقالت لها وهي تقف وتقترب منها بهدوء: كفاية كده النهاردة وأنا هكتبلك شوية أدوية، وميعادنا إن شاء الله يوم الخميس مناسب ليكِ؟
اعتدلت سحر وهي تمسح عينيها وتقول:  أيوة مناسب.
صفا:  تمام.
خرجت سحر من غرفة الطبيبة وهي تمسك بيد زوجها فقد كانت  في حالة توتر وانهيار تام داخليًا، ولكن خارجيًا تمثل القوة وكانت تنظر أرضًا ، حتى وجدت أمامها فتاة تقريبًا في نفس عمرها لم تتحدث أي منهم إلى الأخرى بحرف فقد كانت لغة العيون هي السائدة، ولكن لا تعلم لما شعرت وكأنها مثلها تشعر بغربتها وتشعر بألم تلك الحياة. 
         ***********
علي الجانب الأخر
تحديدًا ركنًا بعيدًا تستطيع من خلاله مراقبة المكان بأكمله بما فيه مكتب الطبيبة النفسية ومخرجه، جلست مستقيمة بجذعها تجول بأنظارها الجامدة المقاعد الخاوية أمامها بحنق دفين تمكنت من إخماد ثورته، لتستقر نحو المكتبة الصغيرة المجاورة لها والمكتظة بكتب كثيرة في مجالات شتى، تنهدت بهدوء  ملتقطة أحدهم دون الاكتراث لعنوانه أو مضمونه، وأخذت تطالعه بلامبالاة في محاولة منها للفتك بتلك العشر دقائق التي أبكرتهم عن موعدها المحدد.

بقدر الحب نقتسم... كاملة . لولو الصياد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن