الفصل الرابع

545 44 1
                                    

الفصل الرابع.

أنهى "يحيي" عمله  وبدأ بجمع متعلقاته الشخصية وهو يردد بابتسامته الودودة  محدثًا زملاء عمله : يدوب أنا ألحق أمشي، عشان ميعاد الحاجة عند الدكتور.
نهض أحد زملائه من مقعده واتجه صوبه قائلًا بود علّه يبث الإطمئنان لقلب "يحيي": إن شاء الله هتكون كويسة ، حماتي أخدت الدور ده ودلوقتي ما شاء الله عليها.
ربت "يحيى" على كتف زميله بعرفان مرددًا  برجاء : إدعيلها.
وغادر المكتب وما هي إلا دقائق قليلة وكان خارج الشركة يستوقف إحدى سيارات الأجرة التي استقلها مُخبرًا السائق بوجهته.

انطلق السائق، وبدأ "يحيي" باللهو بجواله، ومطالعة حساباته الشخصية على مواقع التواصل الإجتماعي ، ليتسلل إلى مسامعه صرخات استغاثة أنثوية قوية، قطب جبينه مسترقًا السمع، ليرفع أنظاره نحو نوافذ السيارة ويستوقفه مشهد جذب رجلين لفتاة وإقحامها بسيارتهما،  فارت الدماء بأوردته، ونفرت جميع عروقه وتضخمت، ليهتف بالسائق محتدًا : أقف يا أسطي، أقف.
ما إن انخفضت سرعة السيارة؛ حتى فتح "يحيى" بابها دون انتظار توقفها، وغادرها مهرولًا نحو هؤلاء، ليصرخ بهم غاضبًا : في إيه يا كباتن؟
صرخت به الفتاة مستجيرة وهي تقاوم هؤلاء بأقصى جهدها : أبوس إيدك تساعدني، أبوس إيدك.
تحفز جسد "يحيي"  لحرب ضارية، ليقبض على كتف أحدهما ويديره نحوه صارخًا به بقوة  وهو يهوي على فكه بلكمة قوية: لما أسألك تجاوبني.
وألقى لكمته الأخرى بفك الآخر، ليجبره على ترك الفتاة ، فاتحدا الرجلين معًا وانهالا عليه بلكمات تفاداها "يحيي" جيدًا ، إلا أنه ردها لهما الصاع صاعين، ليصيح أحدهما به مستجديًا : دي أختنا والله، وكانت هربانة من البيت.
قبض "يحيي" على كتفهما بقوة، ملتفتًا برأسه نحو الفتاة يسألها عن حقيقة الأمر، لتجاوبه بخجل متلعثمة : أ... أيوة أخواتي فعلًا ، بس دول عاوزين يجوزني غصب، ولواحد قد أبويا.
اشتعلت نيران الغضب بصدره، ليجذبهما نحوه بقوة  هاتفًا بهما بصوتٍ أجش مستنكرًا  : عاوزين تبيعوا أختكم؟! لأ رجالة.
دفعه أحدهم بعيدًا وهو يتملص من بين يده صارخًا به بغضب جلي : إنت مالك أصلًا ، وبعدين احنا هنجوزها على سنة الله ورسوله.
تعالت شهقاتها التي تذيب القلوب وهي تهتف بأنين يجلد نياط القلب بسياطه، ودمعاتها انهارًا متدفقة بمصبها الأخير : الله ورسوله قالوا إنكم ترموني خدامة لراجل عنده سبعين سنة، قالوا إنكم ترموني خدامة لمراته المريضة اللي محتاجة حد ياخد بإديها للحمام، واللي عيالهم رموهم عشان يعيشوا حياتهم من غير حمل على كتافهم، قالوا إنكم تبيعوني وتقبضوا تمنى؛ حتى لو كان كبير فهو أقل بكتير من تمن جليسة يجيبوها تقعد معاهم، الله ورسوله وصوا بالنساء خيرًا، ربنا قال إن شروط الزواج القبول والرضا.
كلمات اعتصرت قلب "يحيي" ومزقته أشلاءً، فأي قُساة هؤلاء؟! وأي جحود هذا؟! ليشدد بقبضة على كتفي أخويها، ولا سيما تخيل والدته بوضع هؤلاء، أباء تربى وتعول وتبذل قصارى جهدها؛ لتُلقى بطول أذرع الأبناء بلا عائل ولا أنيس، ليهتف بأخويها بقوة غضبه : هات لي عنوان الراجل ده، وأنا هبعتله حد يساعدهم ويقعد معاهم، وبالنسبة لأختكم، هاخد عنوانكم إنتوا كمان، وأقسم بالله لو جيت في أي وقت واشتكت منكم ، لخالي الدكتور ميعرفش يخيط فيكم غرزة واحدة فاهمين.
أومأ الأخوين برأسيهما ونظرات الفزع والرعب تتطاير من أحداقهما، ليلتفت "يحيي" بأنظاره نحو الفتاة  مرددًا بنبرة مطمئنة : هديكِ رقمي إتصلِ بيا في أي وقت، ومسافة السكة هكون عندك.

بقدر الحب نقتسم... كاملة . لولو الصياد Where stories live. Discover now