المقدمة

633 27 9
                                    


ليلة عاصفة.. سمائها كاحلة و سحابها يخفي خلفه القمر بجيش نجومه اللامعة..
يظهر فيها ذاك الشعاع الفضي بعد برهة وبرهة يصاحبه ذاك الصوت المرتفع الصاعق.. الامطار غزيرة تتساقط قطراتها بلهفة متوقة الارض المتربة فتحولها وحلاً يلوث الاقدام...

أمام بوابة حديدية بيضاء ضخمة يقع خلفها فناء كبير وواسع وبه بعض الأرجوحات القديمة..
بينما ذاك الكوخ الابيض المجاور للبوابة داخل الفناء مقفل بابه بينما نافذته مفتوحه فيظهر من خلالها حارس المبنى الكبير القابع خلف ذاك الكوخ وهو يغط بنومًا عميق وكأن البرق بالنسبة له زقزقة عصافير رقيقة لا تخدش سمعه ابدًا...

كانت تقف أمام البوابة فتاة بأواخر العقد الثاني وبين يداها رضيعتها النائمة براحة وسكينة.. وفتاة أخرى تقف خلفها وملامحها تحمل الكثير من الغضب والأمتعاض...
أخذت الفتاة التى تحمل الرضيعة برفع أبنتها لمستوى وجهها تلثم جبينها بمرارة بينما تهمس لها بكلماتٍ قاسية منغمسة بالأنانية :
- أعلم أنك ستكرهينني عند كبركِ.. لكن ليس بيدي شيء لافعله غير ذلك... إن علم أحد بكِ سيقتلونني.. وأنا لا أريد الموت.. .


أنهت حديثها ثم لثمتها مرة أخرى والمرارة تنهشها... نكزتها الفتاة التي خلفها ناهرة إياها بصوت خفيض :
- هيا صفاء أسرعي قبل أن يفوتنا القطار.. .

أبتلعت صفاء ريقها هامسة بغصة مريرة:
- حسنًا مروة.. .

ثم جلست على عقبيها تضع الرضيعة في صندوق كرتوني صغير ودثرتها بغطاءٍ صوفي حتى يقي جسدها من الرياح الباردة ثم اعتدلت بوقفتها حاملة الصندوق تضعه بالقرب من الباب الحديدي حيث يعتليه سقف حجري طولي ليس بالعريض كفاية ولكنه منع الأمطار الوصول للصندوق...

أعتدلت في وقفتها تنظر للرضيعة التي لاتزال نائمة نظرة اخيرة.. تودعها والدموع تتساقط من عينيها تشارك الامطار بغزارتها.. وقبل ذهابها أخرجت من حقيبتها الصغيرة -الملقاة بإهمال على كتفها- قلمًا وورقة تدون عليها شيءٌ ما ثم وضعتها مع رضيعتها تحت الغطاء..
ولم تعطي لنفسها الفرصة ان تطالعها أكثر من ذلك حتى لا تتضعف وتركتها مهرولة بعيدًا تلحقها مروة صديقتها التي ما تنفك تلعن الظروف التي اوصلتهما لهنا حتى اختفتا من الشارع الموحش تاركين الرضيعة وحدها وسطه...
وتحت رحمة ملجئ حكومي!..... .

 لو نطق القلب (تم وقفها مؤقتًا)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن