آصـف بـن بـرخـيـا

1.2K 74 8
                                    


لم يبعد مهران عينيه عن عين مروى التي لم تفهم شيئا من لغة الحوار، لكن شهقة والدها والرعب الذي ارتسم على وجهه عندما حانت منها نظره إليه؛ جعلها تتأكد أن الأمر يحمل مصبية تتعلق بهذا الشاب الوسيم الذي مازال ينظر إلها.

أما مهران نفسه فلم يظهر على وجهه أي تعبير، لكنه قال لشيخه بهدوء لا يتناسب مع موقفه:

"احك لي ما حدث بعد موتي"

نظر الشيخ للأرض بحسرة ثم قال:

"بعد دفنك بيوم واحد ماتت خالتك حزنا عليك، أما بيرقدار فقد رآه الكثيرون يجري ليلة مقتلك فعلم الجميع أن له يدا في ذلك، لكن نفوذ والده منع الجميع من الشكوى .. حتى ظهر بعدها بأيام شيخ عجوز يتكئ على عصا، لم تنقطع دموعه منذ شاهده الجميع يسير ليلا بين الحارات، وكل من يسأله كان يخبره بأنه القصاب والدك .. سار حتى وصل إلى منزل بيرقدار .."

هنا نظر مهران للشيخ فابتلع هذا الأخير ريقه، وأخذ نفسا طويلا وقال:

"صرخ أمام البيت يطلب العدل من والد بيرقدار لساعة، العشرات تجمعوا حوله كي يثنوه عما يفعل، لكنه ظل يصرخ بجملة واحدة ”العدل يا أبا القاتل كي تأتيك الرحمة“ .. فلم يجبه أحد . . بعدها صرخ قائلا ”رحمة الله تتنزل عليكم“ ثم وضع يده على حائط البيت، فانفجر البيت وتهدم في ثوان"

كبّر الرجلان المصاحبان للشيخ، فعاود مهران النظر لمروى وهو ينتظر بقية الحديث :

" تجمع الناس فزعين، وأبوك يبتعد عن البيت والدموع تنهمر من عينيه .. والناس حوله، وحاولت مع بعض الناس التحدث إليه لكنه كان صامتا تماما، سرنا وراءه حتى وصل إلى بيته ودخله، تبعناه فلم نجد له أثراً فقط ملابسه المغطاة بتراب بيت بيرقدار ملقاة على الأرض،  أما هو فاختفى كانما لم يكن.. أصر الناس على بناء مقام على بيته باعتباره من أولياء الله، وبرغم أنني لم أوافق على ذلك لكن الجميع يزوره إلى الان"

تعالت أصوات من الخارج تنادي باسم اسماعيل، فنظر مهران لباب المنزل بينما تابع الشيخ:

"الناس في كل مكان يرون ما حدث معجزة، بعضهم يقول بأنك الإمام اسماعيل وعدت لهم في آخر الزمان كي..."

قاطعه مهران بغضب وهو ينهض قائلا:

"لا"

ذهب للباب وفتحه فرأى مئات الناس تقف على مرمى البصر تملأ الشارع ذهابا وإيابا، كبّروا وهلّلوا عندما شاهدوه.. بينما صرخ هو فيهم:

"أنا لست الإمام العائد أيها الناس "

جرى البعض عليه يحاول تقبيل يديه وقدميه؛ فأفلت منهم وهو يهتف:

"أنا مهران.. مہران بن القصاب يا ناس.. لست وليّا ولا إماماً ولا نبياً.. اتركوني لوحدي!"

خفتت أصوات بعضهم وهم يتهامسون،ثم قال أحدهم فجأة بصوت عال:

العائد  للكاتب : حسن الجنديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن