مُقْتبلُ الإعْتِلالِ "

36 5 11
                                    

.
"ماذا سنفطر اليوم؟ "

"شئ تحبينه بشدة"
نطقت دوينا بدون النظر لأختها

"ماذا مربى الفراولة؟"

"بل الخوخ"

أجابتها سورينا بوجه متقزز، استدارت حين لمحت نارسيس

"ما هذا الأمير بنفسه يظهر على المائدة! ماذا حدث للدنيا!"

"كلمة أخرى وستودعين كل خرداوات شكسبير تلك "

اتسعت عيناها حتى كادت تخرج، و فاهها تزامنًا

"أنت،. كيف تجرؤ! أقسم لك إن تجرأت سأقتلع أسنانك سنة سنة وابني بهم منزلًا للصراصير!"

ضربتها دوينا بالمقلاة وأشارت لها بالصمت

" بصف من أنتي! الغدر من أقرب الناس بالفعل "

" تزوجي وأريحينا"
" لا تعبثي بالطعام هذا مقرف"

"ل.. ا تعبثيييي بااالطعاااام هاااذااا... "

" حسناً طفح الكيل! تعالي هنا "

"ءءء شعري ،نارسيس سأصبح صلعاء،. دويناااا ،أيتها الشقية خلصيني منه"

"كم تدفعين"

" لكِ حصتي من البسكويت "

" أتفقنا إذا "

قفزت دوينا فوق نارسيس وأخذت تخنقه حتى فقد توازنه وخر ساقطًا على الأرض، ومازال ممسكًا بشعر سورينا

" لن ينفع هذا، لنعلن الهدنة"
أردفت سورينا بثقل

" وأيضًا دوينا، أين تختفين أغلب الوقت؟ "

استدار نارسيس وسورينا لها منتظرين أن تجيب،. ولم تكد تنطق حتى صاح نارسيس

"لا يعقل! ألديكِ حبيب!"

"ماذا!"

"ياألله ،كيف يبدو؟ كم طوله؟ ماذا يعمل؟ كم سنه؟ ، هل أحضر لباس العرس من الآن! والأهم كيف ألتقيتما وماذا...."

غطت دوينا فم سورينا لتصمت، أخذت نفس عميق ثم نطقت بعد برهة

"الأمر ليس كما تظنونه، إنه فقط، كما ترون..."

"يبدو لي كذلك "
أردف نارسيس رافعًا حاجبيه لسورينا، تنهدت الثالثة ومسدت رأسها ثم نطقت بعد برهة

" يُدعى ليون "
ابتسمت ونظرت لأخويها، سرعان ما عم القلق عليهما، نظرا لبعضهما حين خرجت دوينا للحقل وودعتهما

"هذا يدعو للقلق "

" دعنا لا نقفز للاستنتاجات وحسب"

" منذ متى حدث الأمر؟"

"بما أنها في السادسة عشر الآن، فأعتقد منذ ست سنواتٍ؟ بل سبع، نعم"

"لنبقي عينًا عليها وحسب"

      
                             ....

¦|1871 :المايُوت :سبع سنوات عن الوقت الحاضر¦|

يفنى بنا الزمن
يعبر،. يرتحل، ويفرط
يقتلع نسيج الحياة
فيتداخل أبيضها وأسودها
فلا يبقى سوى الرماد.

وها نحن هنا، حيث اختل الزمن وتوارى القدر خلف الأنظار، ليكون له الكلمة البادية والناهية، حيث تتراقص أجنحة الطيور، ويتهلل الكروان في طريق الشمس ، كيف ولِمَ،. ولأي غاية؟
وهل من مُجيب؟
ففي النهاية، لسنا سوى شباك عنكبوت مزعجة، ستُدمر بكل الأحوال، الآن أو لاحقًا.
على حافة جزيرتنا، حيث زهور الهندباء تفترش الطريق، والأشجار تحارب ضوء الشمس، تجول الأطفال هنا وهناك،. ضاحكين متهللين بالحبور والجذل، لا هم ولا خوف، فوق التراب والطين يسابقون النهر، توقفت أكبرهم مشيرة بسبابتها

"لنلعب هناك"

هرولوا بضحكاتٍ تشفي القبوب لذاك الكهف المزعوم، موطن الوحوش كما كان يقول الآباء ليمنعوهم من اللعب هناك
جميعهم بالداخل ، في شباك الظلام، يخيفون بعضهم ويقفزون ويمرحون، تأخرت أصغرهم وقتها، لقد سقطت منها دميتها باعثة الدفء والحب، وعلى قدر ما كان تخلفها عنهم مزعجًا على قدر ما كان ضروريًا.

رفعت دوينا شعرها الذي يحجب الرؤية، بتكشيرة طفولية تتجول بين الأغصان، ووجدت ضالتها أخيرًا ، استدارت عائدة لأصدقائها،. إذ بها لا تسمع إلا صرخاتٍ مستنجدة، الكهف الذي يحوي اثنا عشر طفلًا،. يُضئ بسطوة النيران الهائجة ، والدخان الأسود قد لون السماء،. سقطت دموعها بنفس الثانية، حتى الأطفال يفقهون بالفعل، ليس ماهية الموت عندهم سوى أنه شئ،. سئ،. ليس ممتعًا أو يلهو، بعد وقتٍ لا يعرفه سواها وصل بعض رجال الجزيرة، ملامحهم ذابلة كنظراتهم

"يبدو أن أحدهم افتعل حريقًا وتسبب بمقتلهم"

لم تكن ألينور بالجوار، لا وسط الجثث المتفحمة ولا بجانب دوينا، فقط اختفت، وقد علم الجميع آنذاك، هي مفتعلة الحريق وجالبة الفوضى،. كان متعمدًا بالطبع ، أي طفلٍ يتجول بشئ قد يضمر الحرائق؟
سرعان ما عُثر عليها هي الأخرى قرب النهر وسط الحزيرة، أطرافها محترقة ونظرتها فارغة.

"ربما أدركت شناعة ما فعلت وانتحرت"

ردد الجميع تلك الكذبة، وحين علم والدها العجوز بما اقترفت يداها،. لم يتفاجأ كما يجب،. كما لو أن هذا متوقع، ولازم

منذ ذلك الوقت والكوابيس لا تفارق دوينا، تطاردها بالدجى والنهار، كيف تهرب من القدر!؟ وهل يمكن حتى؟
لكنها عرفت في ذلك اليوم، وفي كل ثانية من باقي حياتها،. أنها رفست براثن القدر والمحتوم وهربت من جوفها.

-هل تلك خدوشٌ؟
-ستذوب بالنهاية.

رَجْفَة "Where stories live. Discover now