صَدع| ٠١

5.5K 164 88
                                    


إنتشون؛ كانون الثَّاني، ٢٠١٥.

القَلبُ يأمُر، ولا خيارَ أمامَ المُهجَة إلَّا أن تُلبِّي، مهمَا بلَغت أوامِره مِن الجُور، حتَّى وإن انتَهكت القِيم الأخلاقيَّة، الحُبُّ وجبَة الفَلاسِفة والأدباءِ الَّتي لطالَما تغنَّوا بِها، مُجرَّد مِن الأدب، يُخلَق في أيِّ ظرفٍ كان، ولو حرَّمته المَبادِئ.

أنا المرأَة الَّتي حبلت بعِشقٍ مُحرَّم، مِن شخصٍ يستَحيلُ أن تظفَر بِه، شخصُ بينَها وبينَه رادِعات أخلاقيّة، اجتِماعيَّة، ودمويَّة، هُو والِدي الَّذي قضيتُ معَه ثمانية عشرَة سنةً مِن عُمري، والرَّجُل الوَحيد الَّذي غاليتُ في الاحتِكاك بِه، لوهلةٍ اعتَقدت أنَّ ذلِك هو السَّبب الَّذي جعَل عقلي القاصِر يخلِط الأمور ببعضِها البعض، وأنَّ الرَّغبة الَّتي تُلطِّخ ذاتِي كُلَّما رأيتُه وليدَة اضطرابات هرمونيَّة عادِيَّة، يمرُّ بِها كُلّ مراهِق، لكِنَّ ما لملمته مِن أدلَّة، حثَّ الزَّمنَ على أن يحسمَ القضيَّة لِصالِح حُبٍّ آثِم، لا مُجرَّد نزواتٍ جسديَّة، كُنت واقعةً بحبِّ أبي!

عِشتُ وإيَّاه لأمد، دونَ أن تختلِجني أفكارٌ جهنّميّة بخُصوصِه، مِثل أيّ أبٍ أعزب وابنتِه الصَّغيرة، لم يؤوَّلني يومًا على مسؤوليَّاتِه، ولم أتربَّع قطُّ على رأسِ قائِمة اهتِماماتِه، لكِنِّي إن اشتكيتُ خطبًا أهملَ كُلَّ أعمالِه وهرَع ليُنقِذني، كانَ الشَّخصَ الوحيدَ الَّذي يكترِث لأمرِي، مُنذ أن هجرتنا والِدتي وِفقًا لروايتِه، وكُلّ ما يقوله صِدق ولو كَذب.

عَبَرت طورَ الطُّفولَة باعتِياديَّة، معَ قليلٍ مِن الحرمان العاطِفيّ، حيثُ كلَّف إحدى المُربِّيات برعايَتي لضيقِ وقته، لم يكُن يسمَح لي بتخطِّي أعتابِ البيت دونَ حِراسَة، فما استَطعت تكوينَ العَديد من الصَّداقات. دعمني بكلِّ ما أوتِي مِن جاه، رغمَ أنَّه رجلٌ بارِد مثل شهر ينايِر، تاريخُ ميلادِه، حضنُه دافِئ، كالأحضانِ الَّتي يتبادلُها العُشَّاق في عيدِ الحبّ، لطالَما حبَّذت افتِراش سَوادِه، على سريري الوَرديّ.

أذكُر أنَّه فوَّت مُعظَم لحظاتِي الهامَّة، سواءٌ في المَدرسَة أو في المَنزل، ومعَ أنَّه كثير العُيوب، ما يزال ملاذِي الَّذي ألجأُ إليه دونًا عن الجَميع. علَّمني جلّ ما أعرِفه الآن بما في ذلِك الموسيقى، وباحتِرافيَّة كانَ يُجيب على أسئِلتي التَّافِهة، والَّتي تمسّ مواضيع محظورة. حرِصَ على تربِيتي بشكلٍ سويّ، رغمَ انشِغالاته، وتعدُّد رحلاتِه، مُذ أنَّه المدير التَّنفيذيّ لشركة خطوطٍ جويَّة، وطيَّار أيضًا.

لم يُغدِق عليَّ بمِدرارٍ مِن الحبّ، ولكنَّه بي طوفانٌ طفوت فيه عوضَ أن أغرَق، حتَّى أخذ وزنَ مشاعِري له يتزايَد، فجذَبني إلى القاع. بدأت سُبلي تلتَوي، مُنذ يومٍ خريفيّ حزينٍ كبَتت سحائِبه دُموعَها بكبر، وأطَّرت نوافِذ قاعَة الموسيقى الَّتي تشغل حيِّزًا مِن المَدرسَة، مساءَه المُحتضِر، جسَدي مُتدثِّر بزيٍّ مدرسيٍّ رسميّ، مكوَّن مِن ثلاثِ قِطع، قميصٌ أبيَض، ياقتُه مُحاطة بربطةِ عُنق داكِنة الزُّرقَة، تتخلَّلُها خطوطٌ خضراء، تنورةٌ تُماثِل هيئَتها، وسترةٌ بلونِ المُحيط، لا يشوبُها سِوى الأزرار الفضيَّة.

Shameless| القَلب يأمُرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن