مَلاك الفِتنة| ٠٥

1.9K 89 26
                                    


إنتشون؛ تشرين الأوَّل ٢٠١٦.

يسطُو الزَّمنُ عَلى سَرايا أنفُسِنا، ويسرِق مِنها سَجايا، فنَعِي ذاتَ غداةٍ علَى مخازِننا خاوِيةً إلَّا مِن غُبارِ الذِّكرياتِ المُعشِّش بأرفُفها، خيارُنا الوَحيد أن نمَلأها بِما تفرِضه عَلينا المَواقِف مِن كِفاح، حتَّى ولو تعذَّر عليهِ أن يتشبَّه بِنا، التَّغييرُ غرامةُ خطأ أحيانًا!

اصطِدامُنا العفويّ، أيقَظ فيَّ روحًا لا تُشبِهني، وربَّما حرارتُه أحرقَت رُوحِيَ السَّابِقَة؛ هو الَّذي استَماتَ لأُثمِر على الصَّواب. مُقلتايَ تترصَّدان جميعَ تحرُّكاتِه بشغف؛ أُراقِبه كُلَّما حلَّ على المَنزل، وأتصيَّد الثَّغرات لأحدِّق به، حيثُما لا ينبَغي عليَّ أن أحدِّق. أعلَم أنِّي مُجرِمَة، لذلِك أخشَى باستِمرارٍ أن يكتشِفَ أمرِي. حاوَلتُ التحكُّم في نفسِي، وتذكيرها بهويَّته، ما إن تُسيطِر الوَساوِس على فُؤادي، وحينَما يتمايَل أمامِي مِثل الشَّفق في عزِّ الغَسق، أفقِد أنفاسِي، وتخرُّ ركائِزي. كانَ الشَّخصَ الوحيدَ بجانِبي، مُنذ أن فتَحتُ جَفنيَّ عَلى حياةٍ داهِمة، قلَّصت حِصَّتي فيها، وإلى ذلِك أرجَعت انجذابي المُذنِب إليه.

بعدَ هُبوبِنا على بعضِنا في المَسبَح مُنذ سنتين إلَّا شَهرين، صارَت كُلُّ لمسةٍ يحطُّها على أديمي مُكهربَة، وُجودُه على قربٍ خطرٍ مِنِّي يُربِكني ومِثل الجحيمِ تثُور دواخِلي. لا أرغَب في المُواعَدة، غَيرُه مِن الذُّكورِ لا يُقارنون بِه، كَما أنِّي ضعيفةٌ في التَّواصُل. بتُّ أتفادى مُناداته أبي بينِي وبينَ نفسِي، وواصَلت قذفَه بذاتِ اللَّقبِ المَشبوه، رغمَ فَهمِي لمعناه. أمِلت أنَّه مُتخلِّفٌ عنِّي بخطوةٍ مِثل بقِيَّة الأولياء، ربَّما يجهل الإيحاء المُرتبِط به!

ما كانَ يبخَل عليَّ بالمُساعَدة، كُلَّما لجَأتُ إليه، يُرافِقني إلى التسوُّق غائِبًا، علَى شاشَة هاتِفي، ويُدِلي برأيِه عن كُلِّ ما أصطفيه، جميعُ ملابِسي تُماثِل ذوقَه، أو ما يخالُ أنَّه مُناسِب لي. عِندما استَبدلتني صديقَتي المُفضَّلة بآخرينَ، باتَ يستَبيحُ المُكوثَ في غُرفَتي، ريثَما أغفو. أحيانًا ينالُ مِنه التَّعبُ قَبلي، فأكسَب رُؤيتَه وديعًا؛ الشَّياطين لا تنفكُّ تتراقص في سعيرِه الأزرق، ما دامَت أبوابُه مفتوحةً على مصارِعها، هُو باردٌ وعصبيّ.

في لجَّة كانونِ الأوَّل، خِلالَ النِّصف الثَّانِي لسَنتي الأولَى بالثَّانَويَّة، أوقَعتني أستاذَة الكيمياء في مَشروعٍ مَصيريٍّ مَع فتًى غريبٍ، ينحدِر مِن ذاتِ صَفِّي، لم يسبِق وأن تبرَّعتُ لهُ بأيِّ كلمَةٍ، عدا التحيَّة الَّتي أُوجِّهُها للجَميع بحَياءٍ كُلَّما ولَجت. فتًى وسيمٌ، مُتوسِّط القامة، خُصلاتُه حالِكة، تُنافِي الشَّهدَ الَّذي يُعبِّق خلِيَّتيه، وتحتَ يُسراه تستقرُّ شامةٌ بارِزَة، يُدعَى وويونغ. كانَ الجَوُّ بينَنا مُتوتِّرًا في البِدايَة، فكِلانا خَجولٌ ومُنطوٍ، أذكُر أنِّي كِدتُ ألقَى حَتفِي بطَلقاتِ الإحراج، عِندما رفَضت إقامَة لِقاءاتِنا في منزِل أحدِنا، مُتذرِّعةً بتشدُّد والِدي، خِلتُ أنَّه سيستاء، لكنَّه زوَّق هواجِسي السَّوداوِيَّة بتفهُّمٍ باهِر. بعدَ حصَّةٍ مِن التَّفكير رسَا خَيارُنا عَلى المَكتبَة.

Shameless| القَلب يأمُرWhere stories live. Discover now