البارت الاول

1.4K 110 23
                                    

البهار الخطاف
حب بنكهة البهار

ــــــــــــــــ
البارت الاول

وقفت بهار ومعها تلك الفتاة القادمة من الخارج ابنة شقيقة زوجة الحج رشدان والتي طلب منها الحج رشدان استقبالها وجلبها ألى العطارة التي سبق وحدثته عن رغبتها بزيارة حي العطارين المميز التي سمعت عن روعته ورائحته المميزة الفائحه بالبهارات والاعشاب والزيوت العطرية على الدوام، وبدأت بالتحرك برفقتها حيث الحارة وهي تسرد لها بأعين تلتمع شغفًا وكأنها مرشد سياحي مسئول عن شرح معالم حارة العطارين التي تقع بأحدي الحواري الضيقة بحي الحمزاوي، والتي تعرف إنك اقتربت منها ما ان تتسلل لانفك رائحة البهارات المختلفة بأنواعها ونكهاتها العديدة، والتي ما أن تتجول بشوارعها حتى ترى العديد من النسوة يتجولن بأنحائها بشغفًا للحصول على ما رغبنا به من نكهات مميزة لتضيف اللذة ألى طعامهم، وجلب الحب الى حياتهم...
هنا وهتفت سلمي بتعجب قائلة:-
- الحب!..
ابتسمت بهار وامأت برأسها لها قائلة:-
-ايوة الحب، مستغربه ليه!، من قديم الزمان، من ايام اجدادنا الفراعنة والحب دايمًا مرتبط بالبهار، لطالما كان
للحب عند نساء العصر القديم طقوس خاصه، طقوس سرية، كانوا بيتفننوا بتغذية انوثتهم، فكانت المرأة تطعم جسمها وتشبعه بالزيوت العطرية وكمان تحرص على تنفيذ بعض الوصفات المكونة من الاعشاب الطبيعية للحفاظ على جمال جسمهم وانوثتهم...

ثم بدأت بالسرد وخيالها يشرد في والدتها الراحلة وعطرها المميز دومًا وثيابها الأنيقة التي كانت تحرص على استقبال والدهم بها، متهيئه له، لعلها تحصل على بعضًا من الحب منه قائلة بأعين غامت العبرات بها ونبرة غلفها الحنين والتأثر:-

-النساء دومًا على مر العصور في الليالي الصيفية يكنّ جاهزات للحب، متهيئات له، بشرة رقيقة ناعمة، مدهونة بزيت اللافندر، عينان أكّولتان متّقدتان، جسد متوهج، يدان توّاقتان للعناق والاحتواء..
فساتينهن شديدة الشفافية، مزيج من الحرير والدانتيل والشيفون المثير، أقمشة شديدة التواطؤ مع الجسد الأنثوي، تبرز مفاتنه..
اكتنفها الادراك لشرودها واستطرادها بالحديث فتداركت ذاتها وتابعت قائلة بعدما احكمت السيطرة على جيوش الهم والحزن التي داهمتها في تلك اللحظة قائلة:-
والصيف في أحياء مدننا الشرقية دائمًا ما تميزه رائحة لاذعة، وتجد شبابيك مطابخها مضاءةً. فالمطابخ بروائحها وألوانها، بملحها وسكرها، وبهاراتها، هي المكان الذي يلوذ به أغلب السكان هرباً من حرائقهم الداخلية، وغالباً ما تنبعث من شبابيك النساء الوحيدات رائحة مميزة، رائحة قلب يشوى على نار هادئة مع الكثير من البهارات والتوابل، وجسد يأكله الصدأ وفساتين ذابلة...
ومجددًا امتزجت اخر كلماتها مع ذكريتها الأليمة وهي تتذكر نظرات الخيبة التي تطل من اعين والدتها كل ليلة، لعدم عودة زوجها اليها وبقاءه مع الأخرى التي سرقته منها، دومًا ما تهاجمها تلك الذكريات المريرة، تعكر مزاجها وصفو حياتها، تكره كم كانت والدتها هشة وضعيفة، مستسلمة لما آل اليه حياتها، تستكين مع صغيرتيها بالمنزل بانتظار أن يحن عليها ويأتي لرؤيتها ومنحها القليل من الحب، تعد ما لذ وطاب من طعام وترتدي افضل الثياب كل ليلة وتنتظره حتى تغفو وعبراتها تتساقط على وسادتها وصوت نحيبها الخافت يتسلل الى مسامعها، كسهام تشق قلبها حتى قتلها القهر
وقضى على عمرها، حينها نفرت الضعف واقسمت على التوشح بالقوة وان لا تكون ابدًا مثلها، استلمت زمام حياتها هي وشقيقتها دون الحاجه لوالدها وماله، ماله الذي قضيت عليه زوجته الاخرى وجعلته يبيع متجر عطارته التي سعيت والدتها وقست وعانت معه حتى امتلكه " جنة البهار"
تلك العطارة الضخمة في واجهة الحارة والتي تنتمي الأن لصاحبها الحج رشدان والذي قام بشرائها منذ عدة سنوات كثر من والدها الذي سبق واختار الاسم هو ووالدتها كناية عنها هي فرحة عمرهما، والتي اضافة النكهة لحياتهما بولادتها وغمرتها بالبهجة والسعادة التي عاشوها حتى اقتحمت تلك الأفعى حياتهما، وسلبتها منهم ونشرت غمائم الهم والحزن بسمائهم، لتهدم استقرارهم وتسرق والدها منهم، فينفرهما ويهرع خلفها، يمسى خاضع لها، مأسور بجمالها الزائف..
هاهي تستعيد تلك الذكريات مرة اخرى، ذكريات عليها ان تسيطر على تجولها بعقلها، فليست كل الاوقات مناسبة لها
لذا نفضتها بقوة عنها وهي تتقدم حيث محل العطارة المفضل لها، والذي تعمل الان به، فكم هي ممتنه للحج رشدان على عدم تغيره لأسمه، فقد اخبرها أنه لن يبدله من أجلها، كما وافق على رغبتها بالعمل به تحت اصرارها، شرط ان تهتم بدراستها كذلك وتنظم وقتها بين العمل به والجامعة
وجعلها تعده وحقًا حاولت الحفاظ على وعدها له، لذلك الرجل الذي بعثه الله ألى حياتها، ليكون كجدارًا قوي تتكأ عليه وتلجأ له، فمنذ قدومه هو وعائلته للحارة واستقرارهم بها وهو بات الكثير لها، لكنها لم تستطع الوفاء بهذا الوعد ولم تتمكن من الاستمرار بالدراسة من اجل مرض شقيقتها الذي استنزف كل مالها، وكذلك دراستها، فقد فضلتها على ذاتها، ورفضت اي مساعدة مالية منه او من غيره، فلن تقبل أبدًا بهذا، ستكفي ذاتها وشقيقتها ولن تلجأ لمال احدهم حتى لو عملت ليلًا نهارًا من اجل ذلك، لكن لن تمد يديها لأخذ المال من احدهم ويتحطم كبريائها امام نفسها اولًا، ولن تثبت للحجه زينب زوجة الحج رشدان شكوكها بها، فهي تعلم جيدًا كم تنفرها وترفض اقتران بكرها تميم بها..
وبذكرها لتميم وكأنها استحضرته لتستمع لنبرة صوته الأجش وهو يصيح قائلًا:-
-بالهمة يلا يا رجاله..
اتجه بصرها تلقائيًا نحو مصدر الصوت، وجدته يقف امام مخزن العطارة نظراته صوب عربة البضاعة والتي تناست كليًا أن ميعاد قدومها اليوم، نبض قلبها بعنف، وهي تشاهده ينزع عنه قميصه ويتبقى بكنزة ذات الحملات العريضة والتي تظهر ذراعيه العضليتين القويتين ثم يطويه ويلقيه على اقرب مقعد متوجهًا نحو سيارة النصف نقل، مشيرًا للشاب الذي يقبع فوقها بأن يبدء بتحميل أحد الأشولة على ظهره، والذي اذعن له وتحرك لداخل المخزن مختفيًا لثوانًا قبل ان يطل مجددًا عائدًا نحو السيارة ليحمل واحدًا آخر، وهو يتصبب عرقًا، شردت به دون أن تنتبه وهي تتذكر اول لقاء لهما وكيف سلب قلبها منها منذ رؤيتها له، فوسم به واحبته بصمت دون ان تعلم ابدًا انه يملك ذات المشاعر لها،
حتى ذاك اليوم الاجمل بحياتها حينما آتها يعلن لها عن مشاعره، كان اعترافًا عجيب صادم لها، فقد آتاها بملامح وجهًا متجهمه، الغضب والحنق يمتزجا معًا ويطلا من نظراته، حينها اقتحم عليها المخزن الخاص بالبهار...

حب بنكهة البهارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن