١٥

134 5 144
                                    

عام ١٩٨١ «بعد عشرين سنة» .

كان ذو الخصلات الذهبية جالسًا على أحدى الأرائكِ في المنزل، وحتى مع مرور الزمان وكبرِ سنهِ مازال محافظًا على ذهبيةِ شعرهِ ولون عسليتيهِ حتى مع التجاعيد الناعمةِ التي تُرسم عند ضحكه، وأجل ضحكتهُ اللثويةِ صارت تعتليها شاربان لم يشعر حتى نميا على وجهه وقد أحسَّ بهما يلائمانهِ ففضل أبقائهما.

يداهُ كانتا ترتجفان بخفةٍ بينما ينحت عروسةً خشبية لمن يقابلهُ بحماسٍ ولهفة،
ينظرُ إليه وقد أورث ماثيو لصغيرهِ نفس عينيهِ ونفس رموشهِ الكثيفة.
- تبدو في غاية الجمال! أنت رائعٌ أبي!
نطق الصغير ضاكًا ليدنو منهُ أكثر
- حقًا فيردي؟ أتريد أن أُعلمك كيف تصنعها؟
أومئ الصغير فيرديناند عدة مراتٍ بشكلٍ متتالٍ.

- أتعلم عندما كنت أكبر منك بأحدى عشر سنةٍ تقريبًا، علمني شخصٌ ما كيف أنحتها وكيف أحركها كما أُريك في كُل مرة!
قال ماثيو مبتسمًا
- هل علمك أحدهم؟؟
سئل الصغير متفاجئًا
- هل تعتقد أنني أخترعتها أو ماشابه؟!
رد ماثيو ضاحكًا
- أُريدهُ أن يعلمني أيضًا!
كان وقع هذه الكلمات ثقيلًا على ماثيو، طوال هذا الوقت حاول التخفيف من ألمها والتظاهر بعدم أكتراثهِ لكن في كل مرةٍ يفشل، أو على الأقل ماعاد الدمع يتغلغلُ في عينيه.

- أوتعلم، كان يحمل نفس أسمك حتى!
ضحك الصغير بسعادةٍ على ماإعتقد أنه صدفةٌ جميلة وكم أحب ماثيو النظر لتلك الضحكةِ التي لم يبخل عليه بها.

وضع ماثيو الدمية وسط كف صغيره ثم إستقام من مكانه
- سأخرج الآن لدي بعض الأعمال، رُبما لن أعود حتى المساء.
قال مربتًا على خصلاته الجوزية.
- حتى المساء؟ هذا وقتٌ طويل!
كان محبطًا للغايةِ في جملته وكأنه لن يراهُ للأبد.
- ليس كذلك، أُريد أن تصنع دميةً في غيابي!
- حسنًا!

- كاثرين؟ لاتنتظروني على العشاء.
خاطب ماثيو زوجتهُ بهدوءٍ بينما ينتعل حذائه
-لماذا؟
سئلت بقلقٍ بادٍ متكتفةً وسامحةً لخصلاتها الداكنة أن تتدلى على وجهها.

- لدي شيءٌ لفعله.
خرج ثم أغلق الباب خلفه.
كانت زوجتهُ دنماركية الأصل فقرر الإستقرار هنا في الدنمارك.
في أحيانٍ كثيرةٍ يتسائل إلى أين ينتمي؟ لكن لم يعد يهمه الأمر كثيرًا،
منذ ذلك الوقت ومع نهاية الحرب لم يعرف إلى أين ينتمي فبقي جوار صديقيه كايرا وفيليب.

كان صعبًا، صعبًا للغاية أن يدعي الإبتسامة وأن يحافظ على أعصابهِ طوال الوقت وليس لهذه المرة فقط، بل طوال هذه السنين.
لم يستطع أن يعود كما كان منذ حادثةِ والديهِ التي طعنت قلبه، وليس كأن الخنجر قد خرج وإن الجُرح ألتأم وبقي الأثر، لا مازال يشعر بالخنجر!

"سيكبر وينساني، وربما سيكرهني كما أكره والدي"
"هما لن يحتاجا إلي، يمكن أن يعيشا معًا وحدهما، فما هو دوري بأي حال؟ "
تلك التساؤلات التي تؤرقهُ ليلًا عن عدم أهميته وحتى إن غفى كانت هيئةُ فيرديناند صاحبهِ تزوره على شكلِ من قتلهم في الحرب مما يفقدهُ صوابه.
- سأضع حدًا لكل هذا.
نطق ماثيو بينه وبين نفسه.

مَاريونتWhere stories live. Discover now