الفصل الثالث

1.9K 202 54
                                    



فتحت نارا عينيها مرة أخرى دون أن تدرك كم غابت عن الواقع هذه المرة لكنها لا تهتم مادام هذا الغياب لم يشمل تلك الانتهاكات الجسيمة التى تتعرض لها وهى بلا حول ولا قوة للدفاع عن نفسها، تأففت وهى تحاول إجبار عينيها على نفض أثر النعاس لكنها انتفضت جالسة حين رأت أبيها يجلس بطرف الفراش مرتديا ملابس نومه
_ dad!!!
_ نارا حبيبتي كل ده نوم؟ قربنا على نص الليل


تلفتت حولها بتيه واضح لتجد الظلام يغلف المكان سوى من إضاءة هذا المصباح الجانبى الصغير الذى لا تنام دونه لخوفها الشديد، عادت تنظر نحو أبيها الذى لم تهتز ابتسامته وهو يداعب خصلات شعرها
_ ممكن my lady تاخد شاور وتنزل تاكل معايا لأنى مااكلتش من الصبح؟

حاولت أن تبتسم فبدت أكثر شحوبا لكنها تحركت تغادر فراشها فتثير ألم بكل بدنها مؤكد تسبب فيه نومها الطويل، رأت أبيها يتجه للخارج لتستوقفه بفزع
_ dad
نظر لها ولم يبلغ الباب لتتابع بتوتر
_ ممكن تستنانى هنا؟
_ sure baby

ابتسامته تشعرها ببعض الراحة رغم أنها لا تعلم حتى الآن سبب تواجده بجوارها، هل أخبره أحدهم بتطاول سياف؟

أم أنه شعر أخيرا أن ثمة من تعانى تحت رعايته ؟

غادرت الغرفة بصحبة أبيها وهى تشعر بالمزيد من الراحة لقربه واهتمامه غير المسبوق لتجد مكان جاسر خاويا ، هل ستنعم أخيراً ببعده عنها؟

_ مش معقول ابقى انا موجود وتحتاجى حراسة!

كان تبرير أبيها المقدم بلا تساؤل منها يدغدغ حواسها وكأنها تمنته طويلاً ؛ بل لقد فعلت، لقد شعرت فى بداية انفصال والديها أنها ملكة قلب أبيها ولا يوجد من يمكنه منازعتها على ملكيتها الخاصة لكن بعد وقت قصير بدأ أبيها يغرق بين أعماله ومشاريعه لتستحوذ الدنيا على ملكيتها المزعومة وتظل بحاجة لرى تعطش قلبها حتى ارتوت بفيض من عشق قاهر.

تناولت كمية كبيرة من الطعام على غير العادة هذه الليلة لتشعر بمزيد من الدهشة، هل نامت بحياة واستيقظت بأخرى؟

كل ما يحدث منذ فتحت عينيها لم تألفه مسبقا لكنها تمنته وسعيدة أنها تحياه.

وضع أدهم قطعة من اللحم بين شفتيها مجدداً لتضحك
_ dad كفاية اكل هبقى شبه الكورة

ضحك أدهم فهو لا يظن أنها قد تكسب وزنا زائدا خاصة مع تلك الاضطرابات التى تتعرض لها ، أمسك كفها يجذبها خلفه
_ تعالى نقعد سوا شوية .

سارت خلفه وهى تشعر أنها عادت تلك الطفلة التى تركض ملاحقة أبيها كلما وقعت عينيها عليه.

.........


وقف سياف بشرفة غرفته مختفيا فى زاوية جانبية لقد عنفه أبيه بشدة لأجل تلك المعتوهة التى يجلس قربها حاليا ويسمع هو صوت الضحكات برنين مزعج ، ضاقت عينيه وهو يقرب الصورة بعقله فهو لا يعلم ما المميز في نارا ليحبها أبيه بهذا الشكل.

اتجه للداخل ملتزما بالحفاظ على مسافة كافية آمنة بعيداً عن نارا فهو لن يغامر بمواجهة غضب أبيه مرة أخرى.

بحث بين أغطية الفراش عن هاتفه متتبعا صوت رنينه حتى إلتقطه
_ مش واخد على غيابك عن البيت
_ يا عم دى ليلة ارتاح فيها!
_ وارتحت ولا لسه ؟
_ ده انا شبعت نوم والليلة مش عاوزة تخلص
_ طيب ما تيجى نسهر شوية سوا عندى حاجة هتبهرك
_ يا بنى بطل الجنان ده
_ مش هبطل، هتيجى تتفرج ولا لا قدامنا ساعة واحدة
_ جاى طبعا

تعالت ضحكات سياف الذى يعجبه مشاركة جاسر له جنونه وشغفه المريض وأنهى المحادثة فأخيرا ستنتهى الليلة بشكل جيد بالنسبة له.

............

لم يذكر أدهم أي من ذكريات نارا المؤلمة ولم يتطرق أثناء حوارهما عن قاهر أو يأتى على ذكره لمجرد الذكر، كان حريصا للغاية في حواره معها يدفعها للمنطقة التى يريد تماما متمسكا بكل ما يملك من تصنع المرح لترفرف الضحكات تظلل روحها وتحميها من لهيب الجنون.

_ dad مش معقول سياف كان بيعمل كده ؟

_امال لو حكيت لك عليه وهو بيتعلم ضرب النار؟ الدور عليك بقا بجد عاوز أعلمك ضرب النار

غرقت الضحكات بين أمواج الدهشة التى غمرتها وقد وصل أدهم لما يريد فهو يرى أنها تحتاج للخروج للعالم مرة أخرى قبل أن يقضى عليها ذلك الجنون ويلتهم روحها هى تحتاج لحياة جديدة وعليه أن يخلق لها هذه الحياة

_dad انت بتقول إيه
_ بقول انك لو اتعلمتى هتغلبى سياف ومش بعيد تغلبينى انا شخصياً، انت دقيقة اوى يا نارا، لا انت رائعة وكل حاجة بتعمليها لازم تكون على أكمل وجه ، عمرك ما قبلتى بالمقبول ولا رضيتى بأي حاجة أقل من number one وانا عاوزك تفضلى كده علطول

شردت قليلا وهى ترى أبيها يعرض عليها صورة قديمة منها طالما كانت زاهية ومبهجة، تعلم أنها تغيرت كثيرا منذ ضحت بكل أحلامها لأجل عشق قاهر، عاشت عشقه أعواماً أزهرت بقلبها بساتين السعادة حتى أفاقت من أحلام عشقها على فقده لتتحطم حياتها ، زادت ملامحها عبوسا وهى تستسلم لتتابع الذكريات لكن أدهم لاحظ ذلك فورا ليسرع ويسحبها من هذا العالم
_ نارا أنا عاوزك ترجعى نارا أدهم الزناتى اللى أنا أعرفها

عادت تنفض الذكريات وتبتسم وتتابع معايشة هذه الليلة الفريدة من حياتها.

...........

دخل جاسر لغرفة سياف دون استئذان ولم يهتم الأخير لذلك بل ألقى إليه نظارة ثلاثية الأبعاد
_ اتأخرت ليه! البث هيبدأ اقعد واطفى النور

أغرق جاسر الغرفة فى ظلام يتناسب مع الظلام المسيطر على روحيهما فى هذه اللحظة ثم جلس فوراً يتابع بشغف ما يعرض على هذا الموقع الأجنبى والذى يدفع سياف الكثير من المال ليتابعه وخاصة تلك العروض المباشرة للتعذيب والتى تنتهى دائما بموت شخص ما يخسر حياته فقط ليتمتع هؤلاء المرضى ويجنى أصحاب الموقع الأموال الطائلة.

_ أنت اللى حكيت لابويا اللى حصل؟

تساءل سياف ليزفر جاسر بضيق
_ انت زودتها اوى يا سياف واسكت بقا خلينا نتفرج ، شايف!! ووواو

نسى سياف الهدف الأساسى من استقدام جاسر وتجاهل تماماً معاتبته على التعنيف الذى ناله من أبيه وهو ينفعل بكل مشاعره مع رؤية الدماء التى تراق أمامه ويستمع لصرخات العذاب التى تريح صدره، كم يتمنى أن يحصل على فرصة مماثلة
_ جاسر ماتيجى تشاركنى ونعمل موقع زى ده؟
_ الحاجات دي ماينفعش تتعمل هنا
_ والله انت طيب بزيادة ده هنا احسن مكان تتعمل فيه الحاجات دى من غير ما حد يحس أو يدور ورانا
_ نبقى نشوف الموضوع ده بعدين خلينا نتفرج دلوقتى

ألتزم كل منهما الصمت بعدها وقد خضعت كل حواسهما لذلك الشغف غير الإنساني والخارج عن الطبيعة البشرية .

.............

عاد يامن يراجع حاسوبه بحثا عن رسائل من المجهولة التي أثارت عقليته العلمية بشدة لكنها لم ترسل المزيد منذ تلك الرسالة المجهولة صباحاً وكم هو آسف لعدم رؤيته لها !
يتمنى أن يقنعها بزيارة مصحته النفسية حيث يمكنه أن يتأكد فعلياً من الحالة التى تعانى منها، جلس فوق الفراش لينزع ساقه الصناعية ويضعها جانباً قبل أن يتفرغ لحالاته الافتراضية.

منذ ثلاثة سنوات حين بدأ العمل عبر الانترنت لم يقابل حالة بمثل هذا الغموض، طالما كانت الحالات التي تراسله بسيطة ويمكن التحكم فيها بسهولة أما حالة كتلك وصل بها التأثير النفسى لذلك التفاعل الجسدى الذى تصفه فهو بحاجة لرؤيتها .

_ حاولى تهدى وتحكى لى إيه اللى حصل ليلة امبارح بالتفصيل
_ محتاج اعرف كل مشاعرك بوضوح واتمنى اقدر اشوفك واحب اطمنك أنه الحالات النفسية سواء اونلاين او فى المصحة ليها خصوصية كبيرة .

لا رد منها ولا دليل على وجودها متصلة عبر الموقع ليأسف متمنيا فرصة لها وهو يرسل لها عنوان المصحة ليزيد من ثقتها فيه ثم يبدأ متابعة بعض الحالات الأخرى التى يحتاج لما تدره عليه من مال.

..............

لاحت بعقل سياف فكرة استغلال انشغال الجميع وبعدهم عن غرفة نارا فيمكنه الآن تفتيش محتوياتها والوقوف على كل ما تخفيه عنه وعن الجميع فهى مؤكداً تخفى ما يبرر هذا الجنون الذى تدعى
_ كمل وانا جاى علطول

أشار له جاسر بكفه دون أن يجيب ليغادر الغرفة نحو غرفة شقيقته فى سرعة وخفة

دخل للغرفة التى كانت تغرق في الظلام على غير العادة أثناء تواجد شقيقته فيها، تهكمت ملامحه وهو يستخدم إضاءة هاتفه ويفتح خزانة ملابسها وبأعين دقيقة وأكف ماهرة بدأ التفتيش دون أن يترك أثراً لعبثه ، اغلق الخزانة متأففا واتجه إلى الفراش ليبحث داخل الأدراج المجاورة له فربما تتعاطى بعض ما يثير داخلها هذا الجنون.

انتهى بعد وقت قصير وقد زاد ضجر نفسه لفشله فى العثور على ما يدين به نارا ويثبت لأبيه اختلال روحها أيضاً.

اتجهت عينيه إلى الحاسوب القابع فوق طاولة صغيرة بمنتصف الغرفة فربما كان هو مفتاح كل الأسرار ، لمعت عينيه بنشوة الانتصار وأسرع يلتقطه ويفتحه محاولا اختراقه

...............

كانت نارا مستمتعة تماماً بصحبة أبيها وبالوقت المميز الذى تحظى به لكن إشعار وصل لهاتفها تفقدته برتابة لتنتفض واقفة بشكل ادهش أدهم
_ فى إيه يا نارا؟
_ حد بيحاول يفتح اللاب توب بتاعى

إلتقى حاجبي أدهم بغضب لمحاولة أحدهم اختراق منزله وهذا يعنى أن ما تصرخ به ابنته منذ عام قد يكون واقعاً
انتفض للفكرة يتبع نارا التى تهرول نحو غرفتها قبل أن يتمكن ذلك المخترق من الوصول لأسرار تحب الاحتفاظ بها لنفسها.

............

رفع سياف رأسه بعفوية مع صوت الباب الذى فتح بحدة ليجد نارا تنظر له بصدمة واضحة قبل أن تتجه نحوه
_ انت اتجننت رسمى! بتعمل ايه في اوضتى يا سياف ؟

انتزعت منه الجهاز رغم ثقتها أنه فشل في اختراقه وهذا متوقع من عقل متواضع مثل عقل أخيها لكنها لا ينبغى أن تمرر هذا الأمر مرور الكرام ويجب عليه أن يلتزم بمساحتها الكاملة من الخصوصية
_ انت وصلت بيك الوقاحة انك تفتش اوضتى
_ فى إيه يا سياف؟

لم يلتفت أي منهما إلى أدهم الذى وقف بباب الغرفة خاصة سياف الذى اشتعلت عينيه غضبا
_ بحاول احميك من جنانك يا نارا، انت اصل الحرمان لحس عقلك ومش قادرة تعيشى من غير راجل

صرخت نارا وانقضت على أخيها ليسرع أدهم محاولا الحول بينهما في الوقت الذي وصل فيه جاسر والذى انتزعه الشجار من عالمه الدموى .

حمل أدهم نارا للخلف ووقف جاسر أمام سياف الذى حاول لكمها هذه المرة لانتزاعها سلساله وهى تصرخ وتلقيه أرضاً
_ المجنون اللى يقتل الكلب بتاعه ويلبس السلسلة بتاعته يا مختل

_ بس انت وهى

صرخة أدهم أوقفت تراشقهما بالسباب لينفض سياف سترته ودون أن ينتبه أي منهم رأت نارا فى طرفة عين بجيب سترته الداخلى ميدالية ذهبية تعلم أنها تخص زوجها الراحل

تلاحقت أنفاسها وهى تحاول إبعاد أبيها وتشير لصدر سياف
_ دى مفاتيح قاهر صح؟

تجمد أدهم لوهلة لاكتشاف نارا حقيقة مقتل زوجها على يد أخيها والذى لم يبد مباليا بهذا الاكتشاف لتستغل نارا لحظة الصدمة التي أوقفت تفاعل أبيها لتعاود الهجوم على سياف الذى علت ضحكاته لتثير المزيد من نيران احتراق قلبها ، أحاط جاسر خصرها وهو يسحبها للخلف وقد بدت له اقوى مما كانت عشرات المرات.

انضم له أدهم ليحملاها قسرا إلى الفراش ويثبتاها مع اقتراب خطوات سياف منها لكن أنفها إلتقط رائحة ما ازعجت صدرها بشدة، رائحة طالما شاركتها أوقات عذابها، حاولت أن تتنفس لكن ثقلت أنفاسها وهى ترى أمام عينيها معذبها لعام كامل.

خارت قواها وسكنت دفعة واحدة فحررها جاسر و ابتعد أدهم عنها وينتفض صافعا سياف بقوة جفل لها فهى الصفعة الثانية التى تلقاها اليوم بسبب نارا وهو لن يمرر هذه الإهانة.

سحبت نفسها فوق الفراش وهى تضم ركبتيها إلى صدرها وهى تنظر إلى ثلاثتهم بتشوش وعدم تصديق لما اكتشفته للتو، احتل الفزع قسماتها وعبرت عنه عينيها ورغم ذلك لم يشعر بها أي منهم إلا أن عينيها إلتقطت نظراته التى تخترق روحها بين الصراخ الذى يدور بينهم حتى غادروا جميعا.

وجدت نفسها وحيدة لتشعر أن الدوار يسيطر عليها وذلك الظلام يزحف بسرعة مخيفة مستعمرا حواسها حتى سقطت بين أمواجه.

جاهدت لاستعادة وعيها من هذا الظلام الذى يغلف روحها وهى تشعر بتثاقل أنفاسه قرب شفتيها لكنها لم تشعر بالفزع هذه المرة بل شعرت بغضب تتفجر منه حمم ملتهبة تكوى روحها وهو يعاود الكرة فى نفس الليلة.

متى أصبحت بهذا الهوان؟؟


لم يحاول أي منهم التطفل عليها هذا الصباح وحين جاوزت الساعة الواحدة ظهرا استيقظت مع صوت رنين الهاتف.

إلتقطته لترى اسم أبيها فتلقيه مهملة إجابته وتغادر الفراش تتخبط بين عذاب روحها وما وصلت إليه ، سحبت الجهاز لتفتحه وتدخل لتلك المحادثة ، قرأت ما كتبه لها بالأمس لكنها لم تفكر فيه وسارعت تكتب
_ انا عرفت مين اللي بيعتدى عليا طول السنة اللى فاتت
وكأن الطرف الآخر كان ينتظر رسالتها ليتساءل فوراً
_ عرفتيه ازاى شوفتيه؟
_ لا عرفته من ريحته

أرسل لها علامة استفهام لتتابع
_ مش البرفن بتاعه لا ريحته
_ طيب هو مين حد عايش معاك في البيت؟
_ ايوه
_ مين؟؟؟

الضحية بقلم قسمة الشبيني Where stories live. Discover now