٢_ 《الرِضا》

64 10 0
                                    

بعد مغادرة لوسيل لمدفن عائلتها، ذهبت إلى المشفى لاستلام بعض التحاليل الطبية وأثناء مغادرتها، كان هناك طفل صغير لا يتعدى العشر سنوات، يقف خلف سور المشفى ممسكاً بمعلق المحاليل الوريدية ووجهه شاحب، ينظر لأطفال من بعيد يلعبون كرة القدم، وعندما ألتف سقطت عيناه عليها، أوقفها وقال:
_عمتي، هل أنتِ مريضة مثلي؟.

ابتسمت للطفل وأجابته:
_نعم هذه العمة مريضة ومتعبة.
أردف الصبي بوجه باسم، قائلا:
-عمتي، لا عليكِ... الجميع متعب في هذه الحياة، تعرفين أن النعيم فقط بالآخرة.

اندهشت من رد الصغير عليها، ثم سألته عن اسمه فأردف:
_أنا اسمي راضي.

أردفت:
-ومم تشتكي أيها الصغير.

ارتسمت ابتسامة على شفاه وأردف:
_أنا قلبي ليس على ما يرام، لا يمكنني اللعب كباقي أصدقائي... حتى إنه لا يمكنني صعود الدرج وحدي.

فربتت ظهره ثم أردفت:
_لا تنزعج يا صغيري، ستكون بخير فالطب الحديث لديه علاج لحالتك، ويوجد ملايين الأطفال مثلك.

عقد حاجبيه وابتسم قائلاً:
_أنا غير منزعج يا عمتي، أنا أشكر الله على ذلك، وأعرف أن العلم لديه العلاج، ولكن إن الأمر لا يتعلق بذلك؛ إن أراد الله لي الشفاء، سيتم شفائي وإن لم يكن فأنا ممتن.
ممتن؛ لأن الله خلقني أسمع وأرى وأتحدث.
يكفيني أنني تمكنت من رؤية أمي الجميلة، فلدي صديق بالرغم من أنه يستطيع اللعب والجري جيداً، لكنه لا يستطيع سماع صوت أمه وهي تناديه، ولدى آخر لا يستطيع أن يخبر والدته كم يحبها، أنا ممتن لوجود أمي الحنون في حياتي، ولكي أكون صادقاً، سبب عدم انهزامي ومحاولاتي المتكررة للعلاج، والتي لم تنجح حتى الآن، هو أنني أريد أن أجعل أمي سعيدة.

ابتسمت له، لوسيل ثم أردفت:
_أنا أحسدك على قلبك النقي وعقلك الناضج...

فقاطعها قائلاً:
_ لا تفعلي ذلك، عمتي، أنا فقط راضٍ بما يكتبه الله لي، وإني أعلم أن الكمال لله وحده، لذا لا أحد سعيد بحياته بدرجة كاملة ولا حزين مدى الحياة، لذا انظري حولك أو داخلك، لا بد أن هناك شيئاً تملكينه وأنا لن أحصل عليه.

ابتسمت له، وهزت رأسها إيماءة منها على فهم مغزى حديث الصغير، ثم أردفت:
- حقاً... اسمك على مسمى أتمنى لك الشفاء يا راضي، حتى تعيش حياة مديدة مع والدتك.

فقال الطفل:
_أشكرك عمتي، ولكن تذكري أن طول العمر لا يهم بقدر أهمية ما قدمتيه في حياتك.

حدقت لوسيل بالطفل لوهلة، تتمعن بقلب ذلك الصغير وقدرة إيمانه ورضائه وقناعته، ذلك الصغير كان يعلمها ألا تسخط على مرضها، فعلى الأقل هي عاشت، طفولتها وهي بأحسن خال، ببيت دافئ وصحة جيدة ووالدين وشقيقة جيدين، خاصة بعدما أردف الطفل جملته الأخيرة، تفكرت فيما أمضت أعوامها السابقة، فبعدما توفي والداها وهي بعمر العشرين، لم تفكر في أن يكون لها حياة... قررت أن تعيش كجسد بلا روح.

إليكِ لوسيل. ✓Tahanan ng mga kuwento. Tumuklas ngayon