شبح الذاكرة المنسية

32 19 8
                                    

لا يحدث في هذه الحياة حدثا واحدا عبثيا، كل مخطط له، كل بمعنى، وكل يقود لأمر محتوم، حتى أنّ أشياء لا منطقية تأتي لتخبرنا بما يحدث إن غاب عنا واقع الأحداث.

وإن حاولنا الهرب يوما، والتستر وراء حجاب النسيان، فإنها تخلق أسباب فاتنة لتعرينا أمام شبح الذاكرة المنسية.

شتاء عام 2026

_تاي: وماتبقى من الحكاية تعلمه، فأنت تلازمني منذ استيقاظي، وكل ماحدث خلال الأشهر الماضية لايخفى عنك.

_ألبرت: يؤسفني كثيرا مامررت به سيدي، لكن ما يحيرني أمر هذه الهلاوس، لو أنها هلاوس فعلا لاختفت إثر الغيبوبة والوقت الطويل الذي مر، لكنك مانفكيت تراها في غيابك عن الوعي، وبعد استعادة وعيك.

_تاي: لا أعلم حقا، لذا سأفعل ما كنت أنوي فعله قبل أن يصيبني ما أصابني، وأذهب لطبيب نفسي، علّي أجد مخرجا لما أمر به.
المهم، سنعود الآن للمنزل لذا أمل أن يبقى ما أخبرتك به بيننا، لا أريد أن يعلم أحد بما مررت به.

_ألبرت: لا تقلق سيدي، بكل الأحوال نبهنا السيد سميث ألا نذكر أمر الحادث الذي أصابك والسنوات الماضية في المنزل، لا أحد يعلم ماحل بك، حتى أنني سمعت أنّ صديقا لك ظل يتردد إلى هنا من فترة لأخرى ويحاول التواصل مع السيد سميث ليعلم منه أين أنت وما أخبارك، إلّا أنّ سيدي أخبره أنك لم تعد لسويسرا أبدا، ولم تصله أخبار عنك، وأعتقد الآن أنني أعلم هويته.

_تاي: خير مافعل، يكفيه ماذاقه مني، لم أشعر يوما أنني صديقه، كنت دائما عبئا عليه.

_ألبرت: ألا تنوي التواصل معه مجددا، أعلم أنك تشتاقه.

_تاي: صحيح أنني تعافيت تماما من آثار الحادثة ويمكنني الخروج من مركز إعادة التأهيل، ولم أعد أفكر بالقيام بأي عمل جنوني يجعلهم يظنوني أنوي الانتحار، إلا أنني لم أتعافى منها بعد، لم أتخلص من هذه الهلاوس التي تراودني، لازلت عبئا ثقيلا لا يمكن أن أسمح لنفسي أن أكونه لصديقي.

عاد لمنزله بعد غياب طويل، فهو لم يرى هذا المنزل منذ ذاك الشتاء المشؤوم على قول هاري، التي استقبلته بعناق دافئ ودموع غزيرة.

_هاري: سيدي الصغير، بني، لا أصدق أنني أراك تقف أمامي مجددا، إنها معجزة، حمدا لله على سلامتك ياصغيري.

_تاي: أنا بخير حال الآن، أعتذر عما سببته لك من قلق وخوف، أنا ولد عاق، أليس كذلك أميمتي.

_هاري: آه ياصغيري المسكين، أنا التي أعتذر لك عما عشته من ألم، لو كنت أعلم أن هذا ماستمر به لم أكن لأقنعك بالسفر ذاك الشتاء المشؤوم، كان علي أن أبقيك أمام عيني لأحميك، لقد وعدت سيدتي أن أحميك بروحي وأعوضك عن غيابها، لكنني لم أفي بوعدي.

_تاي: أميمتي، ما الذي تقولينه، إنه أمر قدر لي أن أخوضه، ذلك ليس ذنبك، دعينا من هذا الآن واخبريني، ألم تشتاقي إلي، فأنا اشتقت كثيرا لعزيزتي هاري، وأكثر ما اشتقت له، طعامك اللذيذ، أريد أن أتذوقه مجددا، ظننت أنني سأحرم منه إلى الأبد.

لحن شوق لا يقتله الفراقWhere stories live. Discover now