يا غصة العمر

23 15 8
                                    

يقال أن النسيان نعمة وهبنا إياها الله لنتخطى بها  العقبات ونكمل مسيرة حياتنا، فلو أن الإنسان لا ينسى ما يمر به، لبقي مكانه على خوف من أن يصيبه ما أصابه سابقا أو أسوأ، كانت لتنتهي الحياة قبل أن تبدأ.

لا يعلم حقا أيهم أشد إيلاما وأقسى، أن يعذبه النسيان ويعيش عذاب ألم لا يعرفه، أم عودة الذاكرة به للماضي ويتألم وهو يعلم ويرى ويشعر، لا يمكنه استيعاب أيهما أسوأ، فكلاهما مؤذي.

دخل أولاڤ الغرفة ليجده على حاله منذ أمس، يجلس في الزاوية، يحتضن رأسه بين قدميه ويبكي.

_أولاڤ: تاي، تاي أنظر إلي ودعنا نتحدث.

_تاي: لا أريد أولاڤ دعني بمفردي رجاء، لا أريد سماع أي مواساة، ذاك الكلام الذي ستقوله، سمعته كثيرا في حياتي، لا أريده، إنه يثير جنوني ويجعل حالي أسوأ.

_أولاڤ: لن أفعل، لن أقع في الخطأ ذاته مرتين، أريدك أن تحدثني عن أليزه، هذا كل مافي الأمر.
عندما تحدثنا في أوسلو وأخبرتنا عن معجزة الحبيب الصديق، وسألت عن كيفية معرفة الشخص المناسب، شككت أنك مررت بتجربة مماثلة لما قلته، على الرغم من أنك تجهلها، إلا أن لاوعيك مدرك لكل تفصيل عايشته، وهذا ينعكس على كلامك وأسلوبك وشخصيتك.

_تاي: أنت محق، الكثير من الأمور وجدت بسببها، وخلقت جوا ليذكرني بها، إلا أنني لم أفعل، مع هذا، أعتقد أنني وفيت بوعدي لها، في النهاية بقي قلبي على العهد، لم ينسى.
أثر فقدانها علي بشكل كبير حتى تقمصت شخصيتها، تاي الذي عرفته، ليس أنا، هو انعكاس لأليزه ليس إلا، طَمست هويتي، وأحييتها.

_أولاڤ: كيف هذا؟!.

_تاي: أليزه شخص غريب متفرد، كل ما يخصها غامض ومعقد، إلا أنه بدا مثيرا ودفعني للتعمق بها، واكتشافها.

كنا مثالا حيّا لاجتماع الأضداد، شخص سخيف سطحي يعيش يومه دون التفكير بالآتي، جامح مجنون عاشق للحياة واللهو، وإنسانة عميقة تحيطها هالة عجيبة مخيفة، لكنها جذابة، تجعلك ترغب بالاقتراب، رغم إشارة التحذير بعدم الاقتراب لخطر الموت.

أفكارها دوما تثير الفضول والحيرة في نفسي، بكونها من عالم آخر، أجوائها، تفضيلاتها وشخصيتها، محاطة بسواد كئيب منعش، قوس مطر في الظلام، الحياة في قلب الموت، لا أعلم حقا كيف أصفها، جعلتني أشك بأمر الوحدة، الانعزال، السوداوية، وحتى الموت، كيف تكون منعشة وتنبض في الحياة وسط كل هذا.

غيرت كل مفاهيمي أتعرف، لدرجة أن الأشياء السيئة لم تعد سوداء بل صفراء.
أخبرتني أنه من غير المنصف لوم الأسود على كل شيء، ألأنه بمفرده يجتمعون ضده، الأصفر أسوأ بكثير، وحتى إن أحزنه إلحاق الأشياء السيئة به، فسيكون رفاقه المشرقين بألوانهم الزاهية إلى جانبه لمواساته، لذا باتت ضحكات صفراء وكوميديا صفراء وصفراوية، أعتقد أن الأسود يحبها لأنها أول من فكر به وبماهية شعوره وأنصفه.

لحن شوق لا يقتله الفراقWhere stories live. Discover now