2- الهروبُ مجددًا

275 35 12
                                    

أتذكر زميلتي "حنان" ...
كانت فتاة بريئة نقية طيبة القلب، قوية أمام لكمات
أحلام صامدة أمام سخرية منار، ذات يوم جاءت عائلة لتبنيها وقد كانت في سن الخامسة عشر، ودعتني بالقبلات والضحكات والرقصات، واختفت لمدة لا بأس بها، ربما شهرين أو ثلاث.
ثم عادت...
أعادوها بكل قسوةٍ، وسمعنا حينها صراخ السيدة:
-هذه الفتاة مصيبة، تلك الفتاة قليلة الحياء، اكتشفتُ حملها وادعت أن زوجي السبب! أخطأت مع أحدهم وأرادت أن تنسب الخطيئة لزوجي! أريد استعادة مالي الآن.

تعتذر منها الأبلة أحلام، وتعيد لها المال وينتهي الأمر ببساطة! ثم تذهب بعين تشتعل غضبًا ونفورًا لغرفة الفتاة، نسمع صرخاتها وتدخل دكتورة الدار، تزداد الصرخات فنرتعد هلعًا، ثم تخرج الأبلة بيدين ملئتهما الدماء، أقترب من الباب فأرى منظرًا مفجعًا...

حنان غارقة بدماءها تنزف من مكان أسفل البطن لا أدري ما هو، لا أعي ولا أفهم، تصرخ فينا الأبلة أحلام بغضب فنبتعد هاربين اتقاءً لشرورها، لم أكن أدري لماذا تبكي حنان وتنوح بألم...
لم أكن أدري أنها فقدت شيئين من أهم الأشياء بالنسبة لأي فتاة..

وفي اليوم التالي شيع في الدار أن حنان قد انتحرت مستخدمة غطاء السرير كحبلٍ لشنق نفسها والتخلص من مرارة الظلم، كانت حنان بريئة...نقية...ومؤمنة بالله، وظل سبب انتحارها مجهولًا بالنسبةِ لي...إلى أن كبرتُ..وفهمت!

استيقظت على دلو ماء بارد يسقط فوق رأسي فشهقت بهلع وانتفضت من على الفراش، واجهت الأبلة أحلام التي أهانتني وصفعتني؛ لأنني نسيتُ تنظيف غرفتها وتأخرتُ في الاستيقاظ، أبرحتني ضربًا حتى تورم وجهي وأسفل عيناي، ضحكت منار بظفرٍ، ورأيتُ فتيات الدار يبتسمن باستمتاع وهن يرين الأبلة أحلام تجردني من ملابسي ثم تُلقيني على السطح في الليل وسط البرودة القارصة بملابسي الداخلية فقط وتصيح فيّ بلذوعة كلماتها:

-أنتِ حثالة متشردة، كل ما تفعلينه في الدار هو أن تحلمي، ابقي إذن في أحلامكِ يا تعيسة ولنرى متى ستصمدين أمام واقعنا المرير.

أخرجت سوطها من خزانة مهترئة بالسطح، وقيدتني جيدًا، ثم راحت تلسعني بسوطها الغليظ، فأبكي وأتألم برودةً ووجعًا، تبصق عليّ وبعدما تنتهي من تفريغ غضبها بي تلقي السوط أرضًا، وترحل متمتمة بانفعال:
-لقد سئمتُ من هذا الدار.

اسمها أحلام..وتمنع الأحلام..
ملامحها شرسة..وسوطها يُهيج الآلآم.

أرتجف من البرد، تصتك أسناني، وتجمدت أطرافي، وسخونة ظهري تهيج أكثر فأكثر، أتأوه بعلو وأبكي بصوتٍ مرتفع لعل أحدهم ينجدني، ولكنني بسجنٍ لا يسمعني أحدًا به.

أدعو ربي أن ينقذني، ولكنه لا يستجيب! لماذا يا الله لا تستجيب لطفلة؟ أنا مجرد طفلة فأنقذني يا مُجيب الدعوات!

هذا حبلًا أنا مقيدة به! وهذا السور! وشلتوت؟ نائم.
إذًا..فالهروب مجددًا هو الحل.

إن أول خطوة للفشل هي عدم المحاولة مجددًا.

أنا طيف..لستُ سرابًاDonde viven las historias. Descúbrelo ahora