23

118 6 0
                                    

أبتسمت بإتساع من شافتهم أخيرًا مع بعضهم .. منظر تمنّته من سنيين طوييلة وأخيرًا تحقق ، تكلّمت هيام تعبيرًا عن سعادتها : الله لا يفرقكم! الله يزيدكم قرب وسعادة وجعلي أشوفكم مع بعضكم ومعكم محمّد بعد! ما تتخيلون وش كثر منظركم وأنتم متصافين أسعدني
ضحك عبدالله بخجل وقرّب يودعها ويبوس راسها بعُمق : امين يارب، عمومًا لازم أروح الحين، أنتبي لنفسك ولا تنسين أدويتك أبدًا وحافظي على صحّتك، أوعدك المرّه الجايه أجرّ محمّد معي مثل ما قلت لك!
أبتسمت وبادلته مشاعر الوداع الي تكرهها كثير، خوف من الوداع وخوفٌ شّديد فتفكيرُها كان يدورُ حولَ إحتمالِ أن تموتَ قبل اللقاء القادِم، مشاعِر الوداعِ دائمًا ما تكونُ قاسيةً جدًا سواءً أكانت لشخصٍ أو منزل أو رُبما مدينةٍ بأكملها، مشاعِرُ الوداعِ صعبةٌ على القلبِ جدًا فكيف حينما تودّعُ الأمُ إبنها؟ ؛ أبتسم إبتسامته الدائمة واللتي تُعطي والدِتَهُ شعورًا بالراحةِ والإطمئنان وأستدار ليخرُجَ من عِندها.
"خارج المستشفى"
البراء بإبتسامة حزينة : أحس ما أمداني أفرح زين مررّه بشتاق لك عبود
أبتسم ومسح على راسه بلُطف : بيكون لنا لِقاء قريب إن شاء الله
أخيرًا قدر يتجرأ لفعلها وتقدّم بخطوات قوية ليحتضن عبدالله : أسف إذا ضايقتك بالسنين الي فاتت، لا تتركني أرجع تكفى !
ضحك بصدمة وهو يبادله الحضن ويسحبه من كتوفه ويناظر بوجهه : مسامحك يابزر قلت لك تسامحنا خلاص أنسى الماضي، شفيك محسسني أني بموت؟ ترا بس برجع هناك وبجي بعد فترة إن شاء الله، المُهم تجي معي؟ أصحابي ينتظرونني بمحطّة القطار خلني أعرفك عليهم ومنها نقضي وقت أكثر سوا
أبتسم بحماس على فكرة عبدالله ثواني بسيطة وأبعد إبتسامته: امم لازم أفكّر أوّل!
ضحك عبدالله على ردّه وسحبه من معصم يدّه : أقول أمش قدامي يلا!
بعد فترة من المشي المليء بالإبتسامات والأحاديث اللطيفة وصلوا لمحطّة القطار ؛ بجهة ثانية كانوا فِراس ومُلهِم ينتظرون بملل شّديد، فِراس بعدم صبر : ما كأن عُبيد طوّل؟
أشّر مُلهِم لقدام وبإستفسار : ما كأن ذاك عُبيد؟ بس مين ذا الي معه؟
حدّق فِراس بإتجاه إشارة مُلهِم وهزّ راسه بإيجاب : الا الا عُبيد بس مدري مين الي معه!
أنتبه عبدالله لأصحابه الواقفين وسحب البراء من معصمه : شوف شوف ذوليك هُم
وقّفوا أمام مُلهِم وفِراس المُستغربين من البراء كونهم ما يعرفونه نهائيًا؛ أبتسم عبدالله وبدا يتكلّم ويدّه على ظهر البراء : أعرّفكم على أخوي الصغير، البراء -وناظر أصحابه- بروء أعرفك على أصحابي مُلهِم وفِراس
أبتسم مُلهِم بتعجّب : اووه ما شاء الله عندك أخ صغير!
ضحك عبدالله بخجل يخفيه وهزّ راسه وهو ينقل نظره بين البراء وأصحابه؛ أبتسم فِراس وهو مدخّل يدينه بجيوبه ومستند على مُلهِم والنعاس يسيّطر عليه : أهلًا براء -ووقّف لثواني يتثاوب- تشرّفنا فيك وترا عبود ما قد تكلّم عنّك عشان كذا استغربنا
أبتسم البراء وهو يقرّب من عبدالله بإرتباك : الشرف لي!
أنتبه مُلهِم للوقت وللقطار الي توقّف خلفهم وبعجله : يلا عبود بننتظرك بالقطار-واتجه للقطار وهو يسحب فِراس النعسان-
أبتسم عبدالله وهو يصافح البراء : أشوفك على خير، أنتبه لنفسك
أبتسم وهو يشّد على يد عبدالله ويتركها : أبشر، وصّل سلامي لمحمّد
أخفى غصّته الي كادت تبان بنبرته وأستدار وهو يهمس : يوصل .. يوصل.
أتجه لأصحابه بالقِطار بادلهم الإبتسامة وجَلس بجنبهم بعد ما أستولى عليه الهدوء الكئيب، سنّد راسه على المقعد وهو يرفعه لفوق ويشبك أصابعه ببعضهم ويغوص بأفكاره من جديد، مرّت كلّ أيامه بهالشكل! حزين بشكل هادي جدًا .. ممكن يكون أسوء حزن خصوصًا لأن حزنه يحبسه داخل نفسه، ما زال ضايع ومُشتت رُغم مرور الأيام والشهوور! ما تخطّى ايّ شي وما زالت كل زاوية يشوفها تذكرّه بمحمّد، كلّ زاوية تمتلك ذِكرى خاصّة، سحب كتاب الشعر واللي كان هدية ميلاده من محمّد، فتحه على آخر صفحة قرأها وما هيّ الّا ثواني وتساقطت دموعه لتترك أثر على الأسطر المكتوبة .. بدأ بقراءة الأبيات بهمس لا يُسمع : وإنّي أَغار من ذاك الذي يراك
بينما عَيني مِنك تُحرمُ!
تنال أعيُنهم مِنكَ نصيبُها
ونصيبي مِنكَ على سوايَ مُقسّمُ.
أغلق الكتاب وضغط على غِلافه بشّدة تعبيرًا عن شعوره وتعبيرًا عن الغضب الممزوج بالحزن .. مال بجسده للطاولة اللي تفصل بين مقعده ومقعد أصحابه، ترك دموعه تنزل بدون ما يتدخّل بإيقافها وبهمس مُنكسر : محروم منّك للحّد المُبكي، للحّد الي يخليني أتمنى رسالة منّك.
أبتعد فِراس الي كان مثبّت راسه على كتف مُلهِم وبهمس : يبكي؟
تنهّد مُلهِم بهدوء هزّ راسه بإيجاب وقام بجانب عبدالله؛ مد يدّه يحاوط كتوفه ويسحبه له وبحنيّه : شفيك عبود ؟
أبتعد عن حضن مُلهِم رُغم حاجته الشّديدة لحضن يواسيه، مَسح دموعه بكُمه بهدوء وأستند على النافذة الي بجنبه وصَار يراقّب المناظر لعلّه يخفف من الحزن رُغم أنه يشوف محمّد بكلّ مَكان.
مرّ الوقت ببطء شّديد عليه إلى أن وصل معهم لشقة مُلهِم واللي أتخذوها مكان يناسبهم سويًا؛ أبتسم مُلهِم وحاوَل يخلي عبدالله يشاركهم الكلام: عبود نمت أمس؟
أنتبه لمُلهِم وأستدار له وهو يتبسّم على عكس ما بداخله من عبوس وزعل : لا ما قدرت أنام
أرتمى فِراس على السرير الي يتوسّط الغرفة : حتى أنا ومُلهِم ما نمنا، الواضح بتجي نومه حقت أسبوع قدام!
أبتسم عبدالله وأتجه لباب الغرفة : ناموا وأرتاحوا، أنا حاليًا ما فيني نوم بجلس بالصاله ولو حسيت اني بنام فبنام على الكنب
كشّر مُلهِم وهو حّاس بضيقة عبدالله على أنه يخفيها : شدعوه عبود لنا كم شهر ننام سوا على السرير تراه كبير يكفينا! تعال بس
طلع من الغرفة مصّر على رأيه ورفع صوته : ريحوا أنتم خلوني على راحتي
تنهّد مُلهِم وهزّ راسه وهو يتجه للسرير : تمام خذ راحتك
ألتفت فِراس لمُلهِم الي أستلقى بجنبه وبفضول : مين ذا البراء؟ كنت بسأل عبود عنّه بس ماش نفسيته مو كويّسه أبد، كيف هو عايش هناك وعبدالله هنا؟ تتوقع البراء معـ..
قاطعه مُلهِم الي ضرب راسه بخفيف : توّك دايخ وفيم نوم اص مالنا شغل دام عبود ما قال شي مراح نتدخّل ونضايقه، نم يا بثر
"سيارة تميم، التاسعة مساءً"
أبتسم تميم يهوّن من خوف روّاف وتوتره الواضح بكل تصرفاته : روّاف أبوي لا تخاف! أخوانك محتاجين شخص قوي يدلّهم على الصح بالذات بهالوقت! لا تنسى أن مالهم بعد الله الا أنت، ولا تنسى أن تميم وحاتِم معك دايمًا وواقفين بصفّك ومستحيل يتركونك، واثق فيك بس حاوَل تهدى شوي
تنهّد روّاف بعُمق حاوَل يعبّر عن مشاعره المُبعثره وسُرعان ما أستسلم وأكتفى بقول "الله لا يحرمني" متعِبٌ أن لا نستطيع التعبيرَ عن ما نملِكُ من شعور، مُتعِبٌ أن نسعى للبوحِ ولا نستطيع، كمَا لو أن أفواهَنا قَد أغلِقت للأبد أو كمَا لو أن تِلك الأفواهَ لا تقولُ ما بالقلب، لا تخفِفُ من ثُقلِ المشاعر ولا تُقلِلُ من الهّم على الأرواحِ الضعيفة، كمَا لو أن أفواهَنا قَد خِيطَت بحبالِ الصمتِ أو رُبما مشاعِرُنا أختارت أصعب الطُرق وأكثرُها تعقيدًا فقد وصّلت مشاعِرُنا لحّدٍ لا يفهمُهُ إلّا نحن، أمرٌ مؤلِمٌ جدًا.
"أمام إحدى المباني السكنية وبعد ما تأكدوا من وجود شقة مُلهِم بهالمكان"
نزل تميم برفقة روّاف متجهين لشقة مُلهِم بعد ما عرفوا موقعها من حارس المبنى، وقّفوا أمامها وبدوا بطرق الباب بتكرار؛ خَلف جُدران الشقة أستمر عبدالله جالس بعد عدم قدرته على النوم بسبب التفكير الي سيّطر على ذهنه، بالرّغم من الإرهاق الي يمرّ فيه الّا أن النوم ما قرّب منّه أبدًا؛ خَرج مُلهِم من الغرفة وبداخله شعور للمساعدة، جلس بجنب عبدالله وبإبتسامه : للحين ما نمت؟
ألتفت له عبدالله وهو يتنهّد بتعب : لا مو قادر أنام-وبهمس- محمّد مو بخير قلبي قاعد يقول هالشّي.
مسح مُلهِم على ظهره يواسيه : لا تخاف إن شاء الله أنه بخير
كشّر عبدالله بإستياء ممزوج بغضب : بخير؟ بخير وهو مع بتّال؟ مو فاهم ايش الشي اللي يميّز بتّال عني؟ ابي أعرف ليه يحبّه أكثر منّي؟ هذا وأنا أخوه وتوأمه! اااهخ يا مُلهِم مقهور والله مقهوور
أوقف فضفضة عبدالله صوت طرق الباب وأتجهوا لعنده مع بعضهم، فتح مُلهِم الباب بهدوء ورفع نظره للأشخاص الي قدامه وبإستغراب : مَن أنتُما؟
أبتسم روّاف وعرّف عن نفسه : أعتققد أنك مُلهِم؟ أحنا عرب مثلك، جاي أبي عبدالله أنا روّاف
أخذ عبدالله الواقف ورا مُلهِم ثواني بسيطة يستوعب فيها الموضوع وبهمس مُرتبك : اءءاءاا روّاف؟
سمع روّاف صوته وميّزه بسرعة كبيرة، أبعد مُلهِم عن وجهه وسحب عبدالله له بقوه وهو يضمّه : عبدالله حبيبي!
توقّف عن الحركة تمامًا وهو مصدوم من حضن روّاف ومن وجوده هِنا بعد إنقطاع طويل، حرر نفسه من يدين روّاف وناظره بعصبية وحزن : الحين ؟ جيت الحين ؟
تنهّد روّاف من شاف ردّة فعله الي توقّعها والي تشابه لمحمّد بطريقته وكأن الشخص الواقف أمامه محمّد! حاوَل من جديد : عبدالله أسمعـ..
شّد قبضة يدّه بغضب وناظر بعيونه تمامًا : نعم؟ تبي شي أخدمك فيه؟ مراح تفيدني بشي بالنهاية!
تدخّل تميم الي يعرف تهوّر روّاف وقف قدامه بإبتسامة وناظر بعبدالله : ممكن نتفاهم بهدوء؟ موضوعنا يخصّك أنت ومحمّد وإذا ما تبي براحتك
تلاشّت ملامحّه المُستاءَه وبهمس : محمّد؟
فتح مُلهِم باب شقته أكثر وهو مو عارف مين يكون روّاف ولكنّه فهم أنه لازم يساعد، تكلّم وعينه عليهم : تفضلوا تقدرون تكملون كلامكم داخل بيكون أفضل .
-إنتهى-

تُهمَةٌ مُميتةWhere stories live. Discover now