26

130 5 1
                                    

طاح على الأرض بعد ما زاد الألم عليه وبدا العرق يتصّبب من جبينه وكأن كل اللي يصير حوله كابوس مُخيف! ؛ داخل غرفة بآخر الممر أنتبه المسّن لصوت السقوط وسحب جهاز التحكّم القريب منّه، طفى التلفزيون وقام وهو متجه لخارج الغرفة، فتح الإضاءة من خِلال الضغط على الأزرار الموجودة بأول الممر وحاوَل يركّز لعلّه يعرف مصدر الصوت وبقلق : عبدالله ؟
تقدّم أكثر إلى أن وصل عنده وقرّب بسرعة بعد ما فهم الموقف : بسم الله عليك ايش اللي صحّاك؟
رفع راسه بصعوبة بعد ما كان جالس على ركبه وبصعوبة : العّم سيف!
أبتسم سيف وساعده على النهوض : الله يهديك المفروض ما قمت من السرير
ناظره بتعجّب وهو يتجاهل ألمه : ليه أنا عندك ايش اللي صار ومين اللي يضحك!
بدا يمشي معه لداخل الغرفة وساعده يجلس : بقول لك كل شي وفيه أشياء كثير نتناقش فيها بس ريّح أول
أستلقى بمساعدة العم سيف ونظراته ما أنزاحت عن وجهه؛ بدا العّم سيف بكلامه بعد ما ثبّت المنشفة المبللة على جبين عبدالله : أمس الليل كنت راجع لبيتي وشفتك طايح وتحتك بقعة دم كبييرة! تأكدت أنك حيّ وطبعًا ما نسيتك، أخذتك بيتي وجا دكتور كشف عليك وأمّا بخصوص حالة البيت والضحك هذا أنا -وضحك بهدوء- طفيت الأنوار عشان ما تضايقك الاضاءة العالية وعشان تنام قدّ ما تبي، سويت فطوري ورحت أكل بالغرفة البعيدة عنّك ولعلّي تحمّست وأنا أتابع وضحكت بصوت عالي أسف!
أبتسم عبدالله وهو مركّز بطريقة كلامه ومستلطف إهتمامه فيه : شدعوه أنا اللي أسف أزعجتك وثقّلت عليك
هز راسه بالنفي وهو يمسح على راس عبدالله : حبيبي أنت ماله داعي الإعتذار لا تشيل هم، والحين قول لي مين اللي طعنك بهالشّكل؟
بلع ريقه بتكرار بخوف من الإجابة بما أنه متأكّد من أن إجابته بتزعّل العّم سيف وكثير وبهمس : اءءاء مـ.. مدري!
تلاشّت إبتسامته مع إستمرار حركة يدّه على راس عبدالله : بس الكذب واضح بعيونك! لا تنسى تراني أميّز نظرات الناس
تنهّد بعد فشل كذبته وغمض عيونه بقوه وبنفس واحد : أنا كنت أحاول أموت.
"داخل المستشفى"
روّاف بعصبية : يعني بخبيه بجيبي مثلًا ؟ قلت لك ما ادري وين رااح!
تأفف فِراس بصوت مسموع وبعصبية : كيف تخليه يروح وأنت عارف حالته النفسية؟ وربيي غبي ما كذّب لمّا لمح أن كل الإهتمام على محمّد ما كذّب!
حزّت بخاطره وأثرت فيه كلمات فِراس وبصوت خافت : كيف لمّح؟ ايش قال؟
تدخّل مُلهِم بحزن واضح على عبدالله : قالها بالصريح ما كان يلمّح! قال أن محّد معطيه إهتمام قد محمّد وقال أن من كان صغير مميزين محمّد عليه! لأول مرّه يتكلّم عن ماضيه وما أتوقعه بيكذّب بشي زي كذا أبدًا.
تنهّد روّاف بهدوء ونقل نظره بينهم : طيّب ممكن تخلونني الحين؟
هز فِراس راسه بالنفي وبعصبيته المُعتاده : قلناها علّمنا أول وينه وبعدها بنخليك
كشّر تميم وتمالك أعصابه وهو يمسك كتوف روّاف ويضغط عليهم بحيث يمنعه عن الكلام وردّ عنّه : فِراس حبيبي ما تفهم؟ قال لك ما يعرف وتراه يحبّه ويبي الخير له ولو يقدر يسوي شي بتلاقونه يتصرّف بدون ما يستشيرنا حتّى
كمّل حاتِم كلام تميم وهو يساندهم رُغم إنشغاله بملفّات المرضى : بالضبط، روّاف يحب عبدالله مرّه ولو بيده شي كان سواه بدون صّبر
فَهم مُلهِم كلامهم وسحب فِراس من يده قبل يتكلّم وأستداروا طالعين لبرا بدون رد عليهم رُغم أن فِراس ما كان يفضّل الصمت أبدًا؛ كشّر فِراس أول ما طلعوا وصّب غضبه المُتبقّي على مُلهِم : غبي أنت؟ خلّني أتكلّم معه ! عبود مختفي محّد يدري عنّه حتى جواله مقفّل اههخ يا القهر اللي بقلبي
ردّ مُلهِم صاحب التفكير العقلاني : بس أفهم ما بيدهم شي يسوونه
مشى فِراس مبتعّد عنّه بعد ما يأس من تفكير مُلهِم واللي يعاكسه تمامًا : افف خلاص أنا رايح أدوره مراح أجلس كذا طبعًا!
وكلّها ثواني ولحقه مُلهِم بعجله : على أساس بخليك؟ بجي معك يغبي

أرتمى بحضن بتّال وطاحت دموعه بسبب مشاعره : مو قادر بتّال أنت الوحيد اللي بقيت معي، كلّهم تركوني حتى أخوي!
ضمّه بحنان وشدّه لصدره : يروحي حمّود لا تخاف! أنا مستحيل أخليك لا تتوقع أني زيّهم أنا ببقى معك للأخير
زادت دموعه بضُعف وهو يلجأ لبتّال : مدري مو فاهم عبدالله أبد! كيف ينهيني من حياته؟ كيف بيعيش هو بدوني! اف مو قادر أستوعب شي أكره اللي حولي
ابعده عنّه وحاوط وجهه وهو مُبتسم : طيّب بما أن صحّتك تحسّنت شرايك تطلع ونرجع شقتي؟ ممكن تتغير نفسيتك شوي !
أيّد الفكرة مباشرة وما فكّر يعترض نهائيًا : اي تكفى احس مكتوووم من القعده هنا!
وقف بتّال ومد يدّه لمحمّد : تعال نكلّم روّاف؟
أستند على يدّ بتّال وأستقام وهو يشّد عليها : طيّب.
دار نِقاش طويل بينهم وبان فيه رفض روّاف للفكرة إلى أن إنتهى بإستسلام روّاف بسبب إصرارهم الشّديد وأنتهى بخروجهُم لشّقة بتّال؛ أمّا داخِل بيت العّم سيف ..
أستمر يمسح على شعره بدون أيّ إستياء أو تعجّب وعينه مركّزه على عيون عبدالله : وليه حاوَلت تموت ؟ فيه سبب وجيه يدفعك إلى أنك تتخلى عن الحياه كامله ؟
عبدالله المُستغرب من ردة فعله ومتوقّع عكسها تمامًا : اءء أشياء كثير أفضّل أتركها بجوفي.
أبتسم وقام بعد ما ترك شعره : تمام، بجيب الفطور جاهز ريّح أنت
تبعه بعيونه لحّد ما طلع وأخرج نفس يخفف من توتره، قام بدافع الفضول ودارت عيونه على الغرفة وهو يفكّر بهمس : لمين هالغرفة؟ أحسّه ساكن لوحده بس هذي شكلها غرفة ولده أو أخوه يمكن!
تحرّك بصعوبة وسحب أحد الأدراج القريبة منّه، لاحظ صورة داخل إيطار وسحبها والفضول يزداد داخله، حطّ يدّه يمسح الغُبار الخفيف وبدا يركّز على ملامح الشّاب الموجود واللي يشابه العّم سيف كثيير؛ رفع راسه بعد ما سمع صوت الباب وشّد بيدينه على الصوره، رفعها لفوق ونقل نظره بين الشّاب وبين العّم سيف وبتطفّل وتساؤل : ولدك ؟
أبتسم العّم سيف بعد ما ثبّت الصينية على الطاولة وجلس بجنبه، أخذ الصوره من بين يدينه وميّل راسه : اي ولدي الوحّيد، عاد تدري؟ مات منتحر -وتلاشّت إبتسامته وبدا يحكي قصة ولده بإختصار- تزوّج بعد حُب دام لست سنين وبعد زواجه بشهرين طلع مع زوجته وصار لهُم حادث، زوجته توّفت مباشره أمّا هو أصابته جروح كثيره وكدمات ورضوض بس سلّمه ربك، سلّم جسده بس روحه أنتهت، كان يحّس بالذنب والندم! يحّس أنه السبب بموتها لدرجة بداه اكتئاب وتغيّر تمامًا صار متبلّد وما يهمّه ايّ شي بالحياه حتّى وظيفته انظرد منها بسبب هالتغيّر، نهايته كانت إنتحار وقبل ينتحر بيوم قال لي " مشتاق لها ودّي ألحقها " ما كنت أظنه يعنيها حرفيًا بس صباح اليوم اللي بعده لقيته شانق نفسه هِنا -وضمّ الصورة لصدره- غلبَه شوقه وأخذه لعندها.
نقل عبدالله نظراته من الصورة لعيون العّم سيف ولاحظ العُمق الموجود فيها، حّس بسهوله بالتعبير عن مشاعره خصوصًا لأن العّم سيف بدا بالموضوع وتكلّم بصوت مُنكسر : الله يرحمهم، تصدّق يا عّم؟ بحاول أنتحر ثانيه ! -وأخرج نفس هادي- من كنت صغير وأمي تفضّل أخوي التوأم علي، صح لنا نفس المقدار من كل شي تقدمه لنا لكّن دايمًا تميّزه بكلامها ودايم أحس أني أقل منّه بكثيير، وكلّ هالتفضيل عشانه أكبر مني بكم دقيقة وعشانه أخذ مكان أبوي! أحسّه أخذ دور الأب فوق المطلوب ما عاد صار يشاركني القرارات ولا يشاورني بشيّ صار كلّ شي يسويه بنفسه ويعتمد على ذاته بشكل فضيع، كنت أنا ذاته بس بلحظة تغيّر كلّ شّي! من تعبت أمي صار إنسان ثاني وصرت أنا من إهتماماته الثانية بعد ما كنت أوّل شي بعيونه، كلّ اللي حولنا حتّى أصحابنا كانوا يحسونه إنسان عظيم وأني مُجرد تكملة له وحتّى لو أختفيت ما يفرق، الكلّ تغيّرت نظرته لأخوي الّا أبوي! مع أن أبوي كان يعرف بكل شي نمر فيه الا انه استمر يعاملنا بالمثل، هو الوحيد اللي بقى يحبني وما تغيّرت بعيونه، أخوي الحين ضاع من يديني يا عّم، أخوي فضّل شخص عليّ صار يشوف ذاك الشخص كل شي -وضحك بعد ما تغيّرت نبرته- حّاولت أنتحر عشان أنهي هالمهزله وأنهي المُكمل للشخص العظيم! اي اي أنا المُكمل للشخص العظيم.
ترك الصوره بطرف السرير وقام بدون ايّ رد على عبدالله، يعرف أنه بحالة سيئة وفضّل السكوت بهالوقت، قرّب طاولة الأكل وجلس بالجهة المقابلة لعبدالله وأبتسم مُتناسي لحديثهم : الجو اليوم حلو إذا تحّس أنك أفضل نقدر نطلع نتمشى
تعدّل بجلسته بعد ما مسح على عيونه بخفيف وهزّ راسه ردًا على إقتراح العّم سيف وبدا ياكل بشراهة أثرًا للجوع الحاصل له
" التاسعة مساءً ، مكان يبعُد عن منزل العّم سيف "
تنفّس بتّال بسرعة أكبر بعد الضربة اللي تسددت له وبكى بإنهيار ورفع صوته : رويد أفهمني ! أنا جد تعلّقت فيه ما أقدر أسويها!!
نفث رويد الدخان من جديد بدون إهتمام لمشاعر بتّال، تقدّم وثبّت قدمَه على صدر بتّال وناظره بحِده بعثت الخوف داخل بتّال : الزعيم أمر وأوامره ما نتجاهلها ولا نتناقش فيها، إذا ما تقدر تسويها علّمني أنهيك أنت وياه
ضاق التنفّس عليه وزاد الخوف بداخله : بس رويد مابي أموت وما أقدر أذبحه والله تعلّقت فيه مررّه!
ضغط على صدره بشّده وفرك قدمه عليه لثواني ومشى لبرا : اللي عندي وقلته والسلاح بين يدينك ، قدامك أيام بسيطة وجدًا ولا بتنتهي معه.

جَلسَ على رُكبَتيّهِ وعيّناهُ تستمِرُ بذرفِ الدموع دونَ توقّف، هاقّد علِق داخِلَ دوامّةٍ لا يُمكِنُهُ الفرارُ مِنها أبدًا، كيفَ لهُ أن يتخلى عن حياتِه أو أن يُنهي حياةَ من أحَب؟ كيفَ لهُ أن يقومَ بعملٍ موحِّشٍ كهذا؟، أمسَكَ السِلاحَ ليضعَهُ بين كفّيه فتساقطت قطرات دموعِهِ عليه، شعَر وكأنّهُ يحمّلُ كوكبَ الأرضِ فوقَهُ! وكأن الأرض هيّ اللتي فوقهُ لا هُو، إستمر حديثُ رويد يراوِدِ ذِهنه، لّم يستطع التوقّف عنِ البُكاء لساعة كاملة! إستمرَ يبكي بإنهيار إلى أن أوقفَهُ رنينُ هاتِفه، تجاهلهُ في المرّةِ الأولى ولكّن رنينهُ للمرّة الثانيةِ أثار فضولهُ فحاوَل إيقافَ حِسّ بُكائِه وأخَذ هاتِفهُ ليَرى الإسم اللذي يُنيرُ شاشّته فإذا بهِ يعودُ للبُكاء أكثَر فأكثر، توقّف بصعوبةٍ عن البكاء وقَام بالردّ ورفعِ الهاتِفِ لأُذنِه ، صمَتَ قليلًا يسمعُ قلق المُتصّل ثُم أجابَ رُغم تغيُّرِ نبرةِ صوته : هلا حمّود، جاي جاي كُل لا تنتظرني
إكتفى بِتِلَكَ الكلمات ثُم أنزَل هاتِفهُ ونهَض على قدميّهِ بصعوبة، إشتدّ إغلاقُ أصابعِه على السِلاحِ لثوانٍ بسيطة ثُم وضعهُ في جيبِه بحذر وبدأ بالمشيّ إلى شقّته رُغم مشاعِره السيئةِ كُلِّها.
" منزل العّم سيف، الحاديةَ عشر مساءً "
أبتسم العّم سيف بعد ما تطمّن على عبدالله : كانت طلعه حلوه وغيّرنا جو! -ومسح على راسه- وعاد الحين يكفي صار وقت أنك ترتاح وتنام وإن شاء الله أكون أقنعتك بكلامي وبكرا تروح لأخوك!
أبتسم بعد ما تنهّد براحة وتذكّر حوارهم اللطيف ومواساة العّم سيف له وبإرهاق : إن شاء الله بُكرا بروح لعنده وببادر بالإعتذار! وزيّ ما قلت الدنيا فانية لازم أستغلّها
أتسعت إبتسامة العّم سيف من حّس أنه غيّر الكثيير وأثّر على عبدالله وأكتفى بتمنيّ ليلة سعيدة له والخروج من الغرفة، سحب عبدالله نفس عمييق جدًا وتلاشّت إبتسامته، أقتنع جدًا بكلام العّم سيف ولكنّه ما زال متردد بالإعتذار والمُبادره، غمّض عيونه بهدوء ورفَع يده لفوق وهو يغوص بخياله ويتذكّر بعض الأبيات اللي يحفظها وبدأ بالهمس فيها : يقودني إليك شوقٌ لاينتهي
ويرُدني عنك جرحٌ أنت صاحبهُ.
نزّل يدّه وهو ما زال يرى الخيال ويرسم صورة محمّد أمَامه، دقايق بسيطة من خياله وفتّح عيونه اللي أمتلت بالدموع، أحيانًا يكونُ خيالُ مَن نُحِبُ مُبّكيًا.
-إنتهى-

تُهمَةٌ مُميتةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن