١٩..اتصال مريب

1.1K 66 16
                                    

نظرت هزان الى حازم و ردت بحزم:
_ توقف عن تهديدي لأنني لا أخشاك..تهديدك فارغ و لا معنى له..ياغيز لم يتأذى لأنني معه..و لن أكون يوما سببا في تعرضه للأذى..كن مطمئنا..لقد حاولت أن أساعده عندما انجرحت رجله..و الطبيب أخبرني أنه من حسن الحظ أنه لم يكن لوحده و إلا لما كان قادرا على التحرك من مكانه..طبعا لا أنتظر منك شكرا على هذا و لا اعترافا به..لا أحتاج ذلك منك..يكفيني أن ضميري مرتاح و أنا أدرك تماما بأنني فعلت ما يجب علي فعله تجاهه..و كما أخبرتك سابقا..علاقتي بياغيز لا تتعدى حدود علاقة العمل..لذا توقف عن القلق عليه مني لأنني لست من تؤذيه..بل أنت من تفعل ذلك..ان كانت هناك لعنة في حياة ياغيز فهي أنت..أنت لعنته الكبرى..من سوء حظه أنك والده..لأنك جنيت عليه بسبب حقده و غضبك الذي أعماك.
حملق فيها بغضب و سألها بعصبية:
_ كيف تجرؤين على قول هذا الكلام في وجهي يا هذه؟ من تظنين نفسك؟ لا أحد يحب ياغيز مثلما أحبه أنا..لا أحد.
ضحكت هزان بسخرية و ردت:
_ نعم..تحبه..لكن حبك من النوع المسموم و المؤذي..حب يحول شخصا ما الى وحش و الى انسان بلا ضمير ليس حبا..حب يشوه طفلا صغيرا و يسمم عقله بأفكار هدّامة و مدمّرة ليس حبا..حب يصنع من شاب في مقتبل العمر نسخة سيئة بلا قلب و بلا أخلاق ليس حبا..هذا مرض عضال..هذا داء مميت..و ليس حُبّا..سيكون من الأجدى لك و له أن تتوقف عن حبّه بهذه الطريقة قبل أن ينتهي بكما المطاف الى التصادم بعنف و الى قطع أي طريق للعودة..أرحه من تسلّطك و توجيهاتك الخاطئة و اسمح له بأن يصحح أخطاء الماضي و زلاّته..هذا ان كنت تحبّه فعلا كما تدّعي.
أمسكها حازم من ذراعها بقوة و غمغم و هو يجز على أسنانه:
_ إياك أن تتحدثي الي بهذه الطريقة مرة أخرى..لست أنت من تشككين في حبّي لولدي..لا يحق لك ذلك..أنت فتاة وقحة لا تعرف حدودها..و هذا متوقّع من واحدة لم تتلقى التربية الكافية لا من أمها و لل من أبيها بعد أن ماتا و هي في عمر صغير..و يبدو بأنك تحتاجين الى من يعلّمك الأدب..و صدقيني سأكون سعيدا بأن أفعل ذلك بنفسي.
انتزعت هزان يدها منه و ردت:
_ أولا..ليس ذنبي أن والديّ توفّيا و أنا صغيرة لكنني أؤكد لك بأنني تلقيت التربية المناسبة و أنا فخورة جدا بما أنا عليه اليوم.. و ثانيا..من ينقصه الأدب و يحتاج الى درس فيه شخص آخر يعرف نفسه جيدا.
رفع حازم يده و همّ بصفعها عندما تدخل جلال بينهما و أمسك يد حازم قبل أن تنزل على وجنة هزان و هو يتساءل بقلق:
_ ما هذا يا عمّاه؟ مالذي يجري هنا؟ كيف تفكر مجرد تفكير في فعل هذا؟ لا أكاد أصدق ما أراه.
انسحب حازم الى الداخل و هو يتمتم:
_ وقحة..بلا أخلاق..سترين أيتها الحقيرة.
نظر جلال الى هزان و سأل:
_ هزان..هل أنت بخير؟ مالأمر؟ مالذي يحدث بينكما؟
مررت هزان يدها على جبينها بعصبية و أجابت:
_ هذا الانسان مستفز و متعجرف..لم يكفه ما فعله بإبنه الوحيد و الآن يريد أن يعلمني أنا الأدب..ليته ينظر الى نفسه في المرآة ليرى بشاعة ما هو عليه..ظالم و حقير و متسلّط و حاقد..و ضحيته الوحيدة هو ياغيز..ليته لم يكن ابنه من الأساس..لقد آذاه و جنى عليه..و الأدهى و الأمر بأنه لا يعترف بهذا.
وضع جلال يده على كتف هزان و همس:
_ اهدئي هزان..معك حق في كل كلمة قلتها..لكن..مع الأسف..عمّي حازم رجل صعب المراس و عنيد و يستحيل أن يعترف بخطأ ارتكبه..و قد يصبح خطيرا أيضا في بعض الأحيان..لهذا..أتمنى بأن تتجنبي مواجهته لكي لا يؤذيك.
رفعت هزان حاجبها و سألت بإستنكار:
_ ماذا؟ يؤذيني؟ و هل نحن في غابة؟ ثم أنا لم أتجاوز في حقه..هو من فعل ذلك..و كن واثقا بأنني لن أصمت و لن أكون هادئة هكذا ان تكرر الأمر مرة أخرى..يجب أن يفهم هذا الرجل بأن الكون لا يدور حوله.
همّ جلال أن يجيبها عندما قطع حديثهما جنيد الذي اقترب منهما و قال:
_ جلال..السيد حازم سيقوم بنقل ياغيز بالمروحية الى المنزل..و نحن سنجمع المعدّات و نغادر في السيارات..استعدوا للعودة الى اسطنبول.
تفرق الموجودون الى غرفهم و راحوا يجمعون أشيائهم ثم ركبوا سياراتهم..التفتت هزان نحو جلال الجالس بجانبها و سألت:
_ أين زينب؟ هل هي مع جنيد في السيارة الأخرى؟
أجاب جلال:
_ كلا..ليست معه..انها مع ياغيز ..أصرّت أن تذهب معه.
تجهم وجهها و ابتلعت ريقها بصعوبة ثم قالت:
_ أبوه جازف بنقله الى المنزل بهذه الطريقة و خالف تعليمات الدكتور..لا أفهم كيف يفكر هذا الرجل المتعجرف..و زينب..مالذي أخذها معهم؟ لو كان هناك شخص يجب أن يكون معه فهي أنا لأنني المسؤولة عن أدويته و عن تغيير الضماد..الطبيب شرح لي كل شيء..هذا الوضع صار مزعجا جدا بصراحة.
رمقها جلال بنظرة كلها تساؤل و حيرة قبل أن يرد:
_ هزان..اهدئي..لا داعي لكل هذا الكلام..عمي حازم يعرف جيدا ما يحتاجه ياغيز..لقد أتى مصحوبا بطاقم طبي كامل لأنه كان يخطط لنقله الى اسطنبول..و لا تنسي بأن ياغيز ابنه الوحيد و لن يجازف بتعريض حياته للخطر..أما زينب فما تفعله واضح و أسبابها و دوافعها واضحة أيضا و لا تحتاج الى تفكير أو تحليل..انها عاشقة..و هذا واضح في تصرفاتها و في نظرة عيونها..و هي تريد أن تستغل كل فرصة مناسبة لكي تتقرب من ياغيز..لكن..أنت هزان..مالذي يزعجك الى هذه الدرجة؟ أنت من تحتاجين الى الوقوف أمام المرآة لكي تواجهي نفسك و تستجوبيها و تجبريها على ايجاد أجوبة لأسئلتك الكثيرة..و عندها فقط سترتاحين..مهم جدا أن يفهم الانسان نفسه و أن يتواجه معها..مالذي يجمع بينك و بين ياغيز؟ ما نوع المشاعر التي تكنينها له؟ و هل فعلا ما يربطكما هو فقط علاقة عمل صرف أم هناك أمور أخرى لا تريدين أن تعترفي لنفسك بها؟ و زينب؟ لماذا يزعجك وجودها مع ياغيز؟ هل تتمنين أن تكوني مكانها و أن تستأثري أنت بإهتمامه و بوقته أو تراك تريدين أن تقومي بواجبك الانساني تجاهه و أن تواصلي الاعتناء بجروحه؟ هزان..انزعي عنك هذا القناع الذي ترتدينه طوال الوقت و الذي يخفي مشاعرك جيدا و يجعلنا عاجزين عن معرفة ما يدور في ذهنك و فيما تفكرين أيضا..و أظهري لنفسك و لنا حقيقة ما تشعرين به و ما تفكرين فيه..و عندئذ سترتاحين..صدقيني.
كان جلال يتكلم و هزان صامتة و شاردة و الشيء الوحيد الذي كانت تفعله هو غرس أظافرها في جلد يدها المرة تلو الأخرى بشيء من العنف حتى أدمتها..و لم تنتبه لنفسها إلا عندما شعرت بالألم و رأت الدماء تسيل من كفّها..كانت منزعجة و صدرها ضائق و لا تعرف سببا لذلك..كل ما كانت تعرفه في هذه اللحظة هو أن عليها أن تواجه نفسها و أن تجد إجابات لأسئلتها الكثيرة..عقلها يريد أن يرتاح..و قلبها كذلك..
في المروحية المتجهة الى قصر عائلة إيجمان..نظر ياغيز يمنة و يسرة قبل الإنطلاق و سأل بلهفة:
_ أين هزان؟ لماذا لم تأت معنا؟
أجابه حازم:
_ طلبت منها أن ترافقنا لكنها رفضت و قالت بأنها متعبة و تفضل العودة الى المنزل مع جلال..معها حق بني..لقد أتعبتها هذه الرحلة الى هنا و تحتاج الى الراحة..ثم..فيم تحتاجها؟ الطبيب و الممرض معك و سيُلبّيان كل ما تطلبه..و هذه زينب أيضا معك..لقد أصرّت على المجيء و لم ترد أن تتركك لوحدك.
قطب ياغيز جبينه و حاول ألا يظهر امتعاضه و انزعاجه أمام أبيه ثم ربت على يد زينب الجالسة بقربه و همس:
_ شكرا لك زينب..شكرا لأنك فضّلت أن تكوني معي.
ابتسمت زينب و ردت:
_ لا تشكرني ياغيز..نحن أصدقاء..و من واجب الصديق أن يكون بجانب صديقه عندما يحتاج اليه..لا تقلق..سأكون معك و بقربك متى احتجتني.
اتكئ ياغيز على النقالة التي وضعوه عليها و أغمض عيونه بشدة و هو يحاول أن يحارب الأفكار السيئة التي تندفع الى رأسه الواحدة تلو الأخرى و التي ترجح له بأن تكون هزان قد قررت أن تبتعد عنه و ألا تعطيه الفرصة التي طلبها لكي يكون قريبا منها و لكي يحبّها كما يريد و كما يليق بها..كان يعي جيدا بأنه أخطئ عندما تسرع و عرض عليها الزواج في لحظة عاطفية أحس فيها برغبة شديدة في فعل ذلك  لأنه يخشى أن يخسرها..و لأنه كذلك يريد أن يريها قيمتها الحقيقية في عيونه خاصة بعد الخطيئة الشنيعة التي ارتكبها بحقها..و الآن صار يدرك بأن تصرفاتها معه قد تغيرت بعد هذا العرض..صارت تبتعد عنه و تعامله بالبرود ذاته الذي كانت تعامله به فيما مضى..و كأن شيئا لم يتغير بالنسبة اليها..و كأن المشاعر الملتهبة التي يكنها لها تخصه لوحده و لا تحظى بمقابل لديها..أتراه أحبّها من طرف واحد حقا؟ أتراها لم تشعر تجاهه بما شعر به تجاهها؟ لماذا إذا كان يحس بتفاعلها معه عندما يقبّلها أو يحضنها أو يلمسها؟ لماذا كان يرى في عينيها مشاعرا تحاكي قوة مشاعره؟ لماذا كان يشعر بأن أنفاسها الدافئة و المتسارعة كلما اقترب منها كانت تخبره بأكثر مما تقوله شفتاها؟ أتراه أخطأ في تفسير ما رآه و ما أحس به و هي معه؟ أو ربما غلب عليه تصديق ما كان يمنّي نفسه به أن يكون صائبا؟ أتراه رفع سقف توقعاته و أمنياته بسبب حبّه الكبير لها و الآن آن أوان الحقيقة التي كان يخشى مواجهتها؟ هزان لم تحبّه من الأساس..و لم تسامحه على تلك الليلة..و يبدو بأنها لن تفعل أبدا..مسح ياغيز دمعة سالت على جانب خدّه دون أن ينتبه له أحد و حاول ألا يرهق نفسه أكثر بإستنتاجاته و تحليلاته التي توصل اليها لأنه كان منهكا و متعبا بما فيه الكفاية.

مِن أجل أُختيWhere stories live. Discover now