هزيمة الخوف

45 2 0
                                    

الخوف يكبلنا. يسجننا بين جدران فولاذية. يملأنا بشعور ان العالم يضيق دون توقف.

الخوف يمحي اي ذكريات مريحة او حتى منطقية. ويغمرنا بذكريات كاذبة ويسلط أضواء قاسية السطوع على كل نقطة سوداء.

الخوف يشلًنا. يعطل تفكيرنا العاقل. يبعثر إرادتنا. يجعلنا أشبه بروبوتات برنامجها لا يحوي إلا الهرب، بأي ثمن.

الخوف يمحو انسانيتنا. يحولنا لكائنات بدائية. يدفع غرائزنا الأولية لتطفو على السطح. يجعلنا أنانيين لا هم لنا سوى النجاة بأنفسنا من الطوفان.

الخوف يعمينا. لا نرى سوى ما يضعه في مرمى بصرنا. ينتقي لنا ما يراه صالحا له، بغض النظر عما هو صالح لنا.

الخوف يسطّحنا. الخائف لا يشعر بالراحة او الحب او السعادة ولا حتى الحزن. الخائف لا يستطيع فعل الاكل ولا النوم ولا الجنس، حتى إن تخيل أنه يفعلهم. هؤلاء كلهم هيكل خارجي، كاموفلاچ بلا وجود واقعي.

الخوف يعزلنا. يجعل أقرب انسان على بعد ملايين السنين الضوئية. يغلق علينا عالم بلا ألوان. يتركنا كطفل رضيع عاري وسط عاصفة ثلجية.

الخوف يستهلكنا. يعارض قانون بقاء الطاقة إذ يسرب كل طاقتنا للعدم. يلقينا كخرقة بالية دون اهتمام.

الخوف سيد قاسي. لا يقبل سوى الطاعة والخضوع له. يزيل كل الاختيارات ليبقى هو وحده. ينسينا حريتنا.

الخوف يعترف بالخاصية الاسموزية. ما ان يمس طرفنا حتى ينتشر ويتوغل حتى يملأنا. ولا يدعنا قبل ان يكون قد التحم بكل مكان وفكرة فينا.

الخوف محتل خبيث. يكفي ان يضع قدم واحدة في جزء منا ليسيطر عليه بالكامل. وما ان يسيطر حتى يأخذه تسليته. يقوم بحرق شبر شبر مع ابتسامة هادئة واثقة. يتركه رمادا.

لا طريقة للتغلب على الخوف. انه الساحر الذي يحمل العصا الاقدم في عالم هاري بوتر، كيان لا يمكن هزيمته مهما حاولنا. محاربة الخوف تزيده تمكنا. تجعله يضحك هازئا من سذاجتنا وقلة خبرتنا. تجعله يأخذ سيوف مقاومتنا ويصنع منها مفاتيحا جديدة لمناطق أكثر داخلنا. تجعله يمتلك صكوك أراضي جديدة كانت محمية منه.

الساذج فقط من يظن انه يستطيع الانتصار على خوفه. الساذج فقط هو من يضيع جهده في معارك خاسرة. الساذج فقط هو من يعتقد أنه سيحتفل يوما بعيد جلاء الخوف من داخله.

نعم الخوف يشلّنا، فقط إن انتظرناه أن يبتعد لنفعل .. أي شيء.
سر التعامل مع الخوف هو عدم التعامل معه.
الخوف طفل شقي، يملأ الدنيا صياحا وتحطيما. ليس هنام فرق إن تجاهلته أو إن عاقبته، في الحالتين سيزداد في شره وتجبره. تريد التعامل مع طفل شقي؟ .. عليك باحترامه.
لا .. ليس الامر بسهولة الكلمات، ولكن الحل ذاته ينطبق على الخوف أيضا.

لا يمكنك ان تكتم خوفك، ولكن يمكنك ان تحترمه. في الواقع احترامك لخوفك يعني احترامك لضعفك، لكونك إنسانا.

نعم الخوف يكبّلنا، ولكنها قيود وهمية كتلك القيود التي يربطونها في قدم الفيل الصغير وحينما يكبر يظل معتقدا انها اقوى من قدرته على الفرار.

الخوف يقنعنا بأننا لا يمكننا، ولكنه كاذب. يوسوس لنا اننا يجب ان نتخلص منه اولا، وهو مخادع.

كما تسرب الخوف للداخل دون تحذيرات، فهو يتسرب للخارج دون اعلانات.

الخوف يثير فينا الذعر من الخطوات الاولى لانه يعلم انها تزعزع سيطرته. إن معركته الفاصلة معنا دوما تكون في تلك الخطوات المترددة المرتعدة غير الواثقة التي نخطوها ونحن نكاد يغمى علينا من فرط الايقان بالفشل واللا جدوى.

تلك الخطوات الأيقونية هي التي يخاف منها الخوف. لانه يعلم أن قوته بالكامل تكمن في صوته العالي، وإننا بتلك الخطوات نلتفت لما تحت اقدامنا وننشغل عنه. وقتها يبدأ هو في الهروب لانه لا يطيق الوحدة او جدران السجن التي تبدأ في الانطباق عليه...

خواطر متفرقة شريرةDove le storie prendono vita. Scoprilo ora