رحماء بينهم (الفصل الرابع والأربعون)

4.3K 318 35
                                    

[[ الفصل الرابع والاربعون]]
رواية #رُحماءٌ_بينهم
#علياء_شعبان
•~•~•~•~•~•~•~•~•
"هي مِلكِي وليَّ إلا عينيها.. تملُك كياني كُلَّه في نظرة بينما أنا لا حول ولا قوة لي".
•~•~•~•~•~•~•
أزاح الغطاء عنه، تدلى بجسد نشيطٍ يستعد ليومٍ ملئ بالأشغال والمُغامرات والكثير من الاعترافات حتى يرغب في بداية صفحة جديدة معها، سوف يُخبرها كم يُحبها ويشتاق لحياة حقيقية وأُسرة تمنحها له في وِدٍ وتراضٍ، فرك عينيه بإصبعيه ثم مسح على غُرة رأسه وهو يتحول ببصره إليها فيجدها تغرق في نومٍ طويلٍ وقد غطت جسدها كله ولا يظهر منه شيءٌ، تنهد باستعداد وهمَّ واقفًا ثم سار باتجاه الحمام قبل أن يلتقط المنشفة المعلقة على المشجب ويضعها على كتفه، قرر أن ينعم بحمامٍ دافئ يشجعه على قضاء يومٍ مُميزٍ طويلٍ بل ويمنحه راحة وطاقة تُعينه على الانتعاش، أغلق باب الحمام واندمج لبعض الوقت يسترخي أسفل المياه الساخنة وما أن انتهى حتى جفف جسده جيدًا ثم لف المنشفة حول خصره وسار خارج الحمام يتجه إلى الدولاب وهو ينادي بصوت مُرتفعٍ بعض الشيء:
-وَميض.. كسولة هانم.. في أمل تصحي ولا الساعة عشرة دي بالنسبة لك لسه الفجر؟!!
تجول بعينيه بين الملابس يحتار فيما سيختار لهذا اليوم إلى أن وقع الاختيار على سترة وسروال رياضيين باللون الرمادي فأسرع بالتقاطهم وهو يتوجه بناظريه إليها ثم يرفع أحد حاجبيه ويقول متذمرًا:
-هتصحي ولا نلغي الفُسحة ونعتبر الوعد لاغي!!
شرع في ارتداء ملابسه أولًا وما أن انتهى حتى اندفع نحوها ثم أسرع بإزاحة الغطاء عنها ولكنه لم يجدها؟ كانت تضع الوسادات عوضًا عنها، اندهش بشدة واستبد به القلق وبدأ يصيح وهو يهرول خارج الغرفة:
-وَميض!!!
كانت نظراته تتحرك في الشقة بغير هوادة أو تروي، فاندفع بقلب مُلتاعٍ نحو المطبخ وهو ينادي بقلقٍ رهيبٍ:
-وَميض، إنتِ في المطبخ!!
وصل إليه فوجده فارغًا تمامًا ودون تفكير أسرع مهرولًا خارج الشقة كلها ثم بدأ يتحرك نحو المزرعة بغير اهتداء وأنفاسه تتهيج بارتعادٍ لا يعلم سببه، سمع صوت أصوات صاخبة تأتي من حقل الفواكه فهرول إلى هناك لتُبصرها عيناه تقف في وسط الحقل وتبدأ في قطف الثمرات مع العمال بضحكة رنانة واستأنَس، كان العامل يمسك القدر بين يديه بينما تقطف هي الثمرة من شجرتها ثم تضعها بالقدر فرحةً بجني العديد، أخرج زفيرًا قويًا مُحملًا بكُل مشاعر الخوف الرهيبة التي احتلته، خلل لحيته بأصابعه يهدي روعه ويستعيد توازنه الذي فقده في غيابها عنه لدقائق، أخذ يراقبها بعينين هائمتين لا تملان النظر إليها وإن بقى هكذا ظهرًا كاملًا، كانت ضحكتها تخترق أقاصي قلبه فيبتسم في انبهارٍ وكأنما لم تأتي الأرض بسواها، كان ينظر إليها بعين عاشق يهيم في تفاصيلها وتُبهره كُل حركة منها؛ فبدت كقطعة شفق تلمع في الأُفقٍ أوردتها الشمسُ بعد أن غابت كي تُنبيء عن ليلٍ آتٍ يحمل بين طياته الأمل بصُبحٍ جديدٍ مُفعمٍ بالخيرات؛ فخير الدُنيا أجمع حُسر في ضحكتها.
بدأ يقترب نحو الحقل بالأخص إليها بقلب مفتونٍ في تلقائيتها وبساطتها، وما أن أبصرته حتى صاحت بمرحٍ حقيقي:
-أُترُّچ!!
توسعت ابتسامته وهو يقف أمامها في هدوءٍ واضعًا كفيه داخل جيبي بنطاله ويقول:
-الله ينور.. طلعتي شاطرة أهو.. عجبك الأُترُّچ!!
تحرك نحو العامل ثم التقط القدر منه ليغادر الأخير بينما أجابت هي بابتسامة كبيرة:
-حلو أوي.
تليد وهو يرمي لها غمزة ساحرة ثم يقول بمداعبة:
-بس مش بحلاوتك.
أشاحت بوجهها نحو الشجر في خجلٍ ثم استمرت في قطف الحبات ليتابع هو بلا استسلام:
-دوقتي طعمه قبل كدا؟!
أومأت سلبًا فتابع بلهجة مستهجنة يغلفها المزاح:
-لأ لازم تدوقيه، مش بينكم اسم مُشترك ولا أيه؟؟، بصي أنا هحاول أوصف لك طعمه وأوجه الاختلاف بينكم.
سكت هنيهة ثم أضاف بمكرٍ:
-ركزي معايا.. أنا لسه قايل من شوية أوجه الشبه.. الاسم.. اسأليني بقى أيه أوجه الاختلاف ما أنا مش هفضل أكلم نفسي كتير؟!
التفتت إليه ثم سألت بخفوتٍ مرتبكٍ:
-أيه؟!
تليد بنبرة هامسة موحية:
-مُر بس إنتِ مسكرة.
ابتلعت ريقها من فرط الشعور بالخجل وألقت الحبات بسرعة داخل القدر ثم مطت شفتيها وهي تقول بامتعاضٍ وغيظٍ:
-إنتَ شيخ إنتَ!!.. يا مُتحرش.
أسرعت تبتعد عنه فانفلتت ضحكة خافتة من بين شفتيه ثم تابع قاصدًا اللعب على مداخلها التي تلين بها:
-كان في فُسحة النهاردة، على ما يبدو إنك اتقمصتي وصرفتي نظر عنها!!
التفتت إليه على الفور ثم رددت بخضوعٍ وتراجعٍ:
-لا مصرفتش نظر.. هنروح فين؟؟
سألته وهي تعود إليه من جديدٍ فابتسم قائلًا بمكرٍ:
-الملاهي.. بس في مُشكلة.
زوت ما بين عينيها وهي تسأل مُحبطةً:
-مشكلة أيه؟؟؟
تجهمت ملامحه في جدٍ عكس ما نطق به تمامًا:
-الملاهي عايزة تذكرة والتذكرة عايزة فلوس.
مطت شفتيها في استغرابٍ ثم تابعت:
-طيب ما إنتَ معاك الفلوس؟؟؟
أومأ يمينًا ويسارًا وهو يزم شفتيه ثم يقول بلهجة حازمة متأسفًا:
-للأسف الفلوس دي مش هتيجي غير بحاجة تانية.
سألت بفضولٍ رهيبٍ واستنكارٍ:
-حاجة تانية زيّ أيه؟!!
تليد وهو يعقد ذراعيه أمام صدره ثم يقول بلهجة ثابتة:
-قَطرة.. الفلوس والفُسح بيحتاجوا قطرات.. على الناشف كدا خسرانة يا شِق.
ضغطت فكيها معًا وبدأت تدبدب الأرض بقدميها في تذمرٍ بالغٍ وعيناها ترميه بنظرات ساخطة وبنبرة غاضبة قالت:
-مُستغل وفوق منها مُتحرش ولعلمك أنا مش عايزة منك ولا من فلوسك حاجة وبالنسبة للقطرات بتاعتك دي أنساها خالص وإلا والله العظيم لأروح لبابا.
تليد مستمتعًا باستفزازها وهو يقول بلهجة صارمة:
-هتقولي له أيه؟؟ جوزي عايز مني قطرة؟
لم تجد ما تجيبه به، فهرولت مُسرعةً من أمامه ومشاعر الغيظ تتملكها ساخطةً على مساومته لها، أسرعت تصعد الدرج إلى شقتها فتحرك خلفها وقبل أن تصفق الباب صدر "تليد" يده فمنع غلقه وترجل للداخل وهو يقول بلهجة أكثر لينًا لتطيب خاطرها:
-خلاص تعالي.. كُنت بهزر معاكِ.. متزعليش!.
كانت تتحرك بثورة نحو الغرفة فأوقفها بضغطة من قبضته على رسغها ثم تابع بحزمٍ:
-ما قولنا بهزر يا أم راس تخين إنتِ!
هدأت ثورتها قليلًا وطالعتهُ بملامح واجمة عالية فيما تابع هو بابتسامة بسيطة يسألها:
-أيه الحاجات اللي نفسك تعمليها ومُتأكدة إنِّي مش هنفذها لك؟؟
التوى شدقها وصاحت سخطًا:
-أيه النرجسية دي؟ ولمَّا أنتَ مش هتنفذها.. يفيد بأيه تسمعها؟؟
حاول تمالك أعصابه وهو يتدبر ابتسامة بسيطة ويتابع:
-مش يمكن أنفذها بس في إطار سليم ومُرضي!!
ارتخت ملامحها ثم عَبرت عما تود القيام به وتفتقده بشغفٍ:
-يعني مثلًا من ساعة ما اتجوزنا وإنتَ قافل عليها كُل الأبواب بتحكماتك.. لبسي مانعني ألبسه وجبت غيره من اختيارك.. وِسَام صاحبي ومنعتني أتواصل معاه كصديق.. نفسي ألبس اللي يعجبني زيّ زمان وأخرج وأشوف ناس بدل السجن دا!!
استحال لون وجهه لحُمرة تزداد نتيجة غضبه وبدأ يقول بصوت خشنٍ محتدٍ:
-إنتِ لسه متجاوزتيش فكرة إن مفيش وِسَام تاني من لحظة دخولي حياتك؟؟ يعني أيه ست تكون متجوزة ومصاحبة؟؟، الفكرة نفسها مقرفة جدًا دا غير إنها حرام!!
سكت هنيهة ثم أضاف:
-وبالنسبة لحجابك.. إنتِ بتسمي فوطة الحمام اللي كُنتِ بتلفيها على راسك دي حجاب؟؟ قُصة حسونة اللي خارجة منه ورقبتك اللي باينة للعلن كانوا أشيك طبعًا من حجاب مش مبين أي مفاتن فيكِ والموضوع طبعًا مضايقك.
وَميض وهي ترمقهُ بجمودٍ وتقول في اختناقٍ:
-بس أنا حاسة إني بعيدة عن كُل حاجة كُنت بحبها.
تليد وهو يتابع بملامح أكثر لينًا وهدوءً:
-بُعدك عن كل حاجة تغضب ربنا في حد ذاته مكسب ليكِ.. صدقيني.. وآسف وحقك عليا لو كُنت خايف عليكِ بزيادة.
شرع يقترب منها ثم طبع قُبلة ناعمة على جبينها وتابع بثبات:
-ويا ستي أوعدك بحياة مُختلفة وبداية جديدة، إنتِ بس اديني فُرصة!!!
توترت من تصريحه بالتنازل له وتقبله، فأردفت وهي تفرك كفيها مرتبكةً تحاول سحب طرف الحديث لمكانٍ آخر:
-طيب.. إحنا رايحين فين بقى؟؟؟
ابتسم في تفهم لخجلها وقال بثبات:
-ادخلي البسي وخليها مُفاجأة.
أومأت بملامح سعيدة إلى حدٍ ما واندفعت نحو الغرفة فوجدته يقول بتأكيد:
-لبس واسع.. ها؟؟؟
تنهدت وهي تومىء ثم ردت باستسلام:
-طيب.
دخلت الغرفة وبدأت تبحث في الدولاب عن شيءٍ ترتديه؛ فكل ما يوجد بداخله كان من اختياره هو ولا يروقها طبعًا؛ فتبدو أشياءً واسعاً للغاية لا تتناسب مع حجم جسدها ولكنها لا تجد طاقة لجداله، التقت بغير اهتمامٍ جيبة باللون الأبيض ومعطفًا باللون الوردي الفاتح يصل إلى قدميها وغطاءَ رأس يجمع اللونين معًا، ارتدتهم على عجلٍ راغبةً في الخروج من البيت والاستمتاع بيومٍ لطيفٍ ولكنها ما أن نظرت إلى هيئتها عبر المرآة حتى مطت شفتيها بامتعاضٍ فقد كان الملبسُ واسعًا للغاية مقارنةً بجسدها الضئيل ولكنه رغم ذلك لا يبدو مبعثرًا أو سيئًا بل لاق بها كثيرًا، تحركت بضيقٍ خارج الغرفة ثم وقفت أمامه وهي تقول بسخطٍ:
-بُص على اختيارك.. حلو الوِسع دا ولا نوسع أكتر؟؟
تليد بابتسامة هادئة:
-لا كدا تمام.
وَميض تجيبه بحنقٍ:
-تمام أيه يا تليد.. دا أوڤر سايز أو أوڤر ويتيد يعني ينفع لواحدة حامل في التاسع!!
تليد وهو يومىء بصبرٍ ومثابرة لا يعلم من أين يأتي بهم معها:
-خلاص اقلعيه والبسي غيره ونحتفظ بيه ونبقى نلبسه عن قُريب إن شاء الله في التاسع.
حدقت فيه مصدومةً ثم تنحنحت وهي تستسلم فضلًا عن هذه المناوشات التي تُسفر عن كلمات موحية وقطرات!!!
-خلاص حلو خليني لابساه وأمري لله.
أصبحت على أتم الاستعداد للانطلاق معه؛ وصار جاهزًا هو الآخر بعدما ارتدى حذاء رياضي أبيض يتماشى مع ملبسه، همما على المغادرة ولكن أوقفهما رنين هاتفها؛ تهللت أسارير وجهها وهي تقول بحماسٍ:
-بابا علَّام.
أسرعت بالإجابة في لهفة تقول:
-وحشتني.. وحشتني.. وحشتني.
أتاها صوت علَّام يخالجه نفس الاشتياق أو ربما يزيد عنها فقال بنبرة دافئة:
-حبيبة قلب أبوكِ.. كدا متتصليش غير لمَّا اتصل أنا؟؟
لم ترد إخباره بتحفظ "تليد" على هاتفها ومنعها من استخدامه فتجاوزت ضيقها من الأمر وهي تقول بنبرة متأثرة تشي بمقدارٍ اشتياقها له:
-أصل دا موسم حصاد الخُضار والفاكهة وأنا بحب أساعد مع العمال واتعلمت جني المحاصيل وبقيت شاطرة ووعد والله في أقرب فرصة هاجي أقضي معاك يوم كامل.
سمعت صوت غمغمة بالقرب منه ففهمت رغبة والدتها في التحدث معها، بينما قال هو بصوت متفهم هاديء:
-في انتظارك دايمًا.
التقطت "سهير" الهاتف منه ثم تابعت بعتابٍ شديدٍ غير مُبالية بنظرات زوجها المُحذرة لها:
-كدا يا وَميض تتجوزي وتنسينا أنا وأبوكِ؟؟ ولا علشان محناش أهلك الحقيقيين؟؟ بتستعلي علينا يا بنتي؟؟ صحيح أنا مش أمك الحقيقية ولا هو أبوكِ الحقيقي بس إحنا عيشنا عُمرنا كُله ليكِ.
أصاب قلبها غِصَّة وتابعت باستنكارٍ ترفض تفكيرها بهذه الطريقة:
-يا أمي مفيش حاجة حقيقية من الكلام دا، صدقيني أنا بس كُنت مشغولة شوية، حتى أنا كُنت ناوي أجي لكم النهاردة وفاجأكم.
شعر "تليد" باستيائها وغِلظة حديث تلك المرأة مع زوجته لجعلها تشعر بتأنيب الضمير والإحساس بالتقصير، فأشار لها بكفه أن توجز؛ فأومأت له لتجيبها الأخيرة بلهجة ثابتة:
-ماشي يا وَميض، تيجي بالسلامة وإن شاء الله هستناكِ.
أغلقت المكالمة في الحال ثم نظرت إليه باستجداء وعينان تلمعان من تجمع الدموع فيهما:
-خلينا نروح عندهم النهاردة ومش لازم نخرج!!
أومأ "تليد" موافقًا ولكنه أضاف بعض التعديلات على رأيها:
-إحنا هنروح لهم ولكن بعد الفُسحة، اوعدك.
تدبرت ابتسامة بسيطة لم تُخفي وجوم ملامحها الحزينة، أرادت أن تنعم بيومٍ سعيدٍ ولكن كلمات "سهير" ستكون ما يقض متعتها بهذا اليوم.
•~•~•~•~•~•~•~•~•~•~•
عمَّ الصمتُ المائدةً، لا يُسمع غير صوت تصادم المعالق بالأطباق فقط، كانت عينا "نبيلة" تنتقل بينهم في ترقُب وتوجسٍ خاصةً بعد أن عرفت عن ذهاب "عُمر" برفقة عمه لطلب الفتاة للزواج وكيف استبعد والده عن الصورة ولم يهتم بوجوده في مثل هذا اليوم، كانت ترى أن يصر "عُمر" على أبيه كثيرًا ويجتهد في إقناعه بدلًا من الاستسلام وتفضيل عمه الذي يعرف جيدًا كراهية أبيه والعداوة التي يكنها للأخير وبهذا التصرف سيتأجج الغضب ومشاعر العدوانية تجاهه أكثر من قبل، طلبت منه كثيرًا بألا يُخبر والده بالأمر وأن يقنعه مجددًا ويصحبه معه إلى زيارة بديلة متناسيين ما تمت لإعطائه حق الأبوة فيه إلا أن الأخير رفض عِنادًا حينما ساومه أبيه على تخليه عن الفتاة التي صاغ له الوعود وهيأها للزواج في مقابل منحه المال والرفاهية.
رأى "عُمر" تبجُح أبيه واستسهال ترك فتاة ألقت أحلامها وآمالها كافة بين كفيه ليس ليتحكم فيهما كيف يشاء ولكن لإضافة الصِدق إليهما وتحقيقهما، رأى تجبُرًا واستخفافًا منه بمشاعرٍ امرأة لا تملُك سوى قلبها تهديه إياه أملًا في ترميمه ودب الحياة داخله لا لهدمه وإزالة أنقاضه فيُصبح لا وجود له ولا أثر.
احتدت نظرات "نبيلة" نحو ابنها تحذره مما يوشك أن يفعله ولكنه تعمد تجاهل تحذيراتها وقرر أن يرمي الخوف من أبيه عرض الحائط ويدافع عما يؤمن به وما يريد.
-بابا!!
نطق بها "عُمر" في ثبات، بينما ضغطت "سكون" على كفه من أسفل الطاولة تترجاه ألا يفعل بقلب متوجسٍ يخشى عليه الأهوال، إلا أنه سحب كفه وهو يقول بلهجة حازمة ما أن نحا "عثمان" نظراته إليه:
-أنا روحت استقدمت رسمي لرويدا النهاردة وقرينا الفاتحة.
احتدت نظرات عينيه ببوادر نار تستعر ثم ترك الملعقة من يده وصاح بصوت جهوري شديدٍ:
-نعم يا خويا؟؟ وقريت الفاتحة كمان؟؟؟ وأبوها النطع دا وافق يستقبلك من غير أهلك؟ عنده حتة لحمة رخيصة عايز يرميها لأي حد والسلام!!.
اشتد شراسة عيني "عُمر" الذي ثار غضبًا لذكره إياها بكلمات دونية منحطة لا تليق بقدرها وبصوت أجشٍ رد عليه:
-اتكلم عن خطيبتي كويس بعد إذنك، خلي سيرتها بعيد عن خلافاتنا!!
أراد أن ينتقم لتعديه على ذاتها بالسوء؛ فاستكمل بلهجة صارمة:
-وعلى فكرة بقى أنا مكنتش لوحدي، عمي سليمان كان في ضهري ومعايا.
كمن ألقى بنزينًا على حفرة تشتعل بالجمر فتزداد لهيبًا، حدق ناظرًا إليه بعينين مُشتعلتين ثم تابع بغيظٍ واضحٍ يسيطر عليها ملامحه:
-عمك سليمان؟؟ أخدته معاك يخطب لك من غير علمي؟؟ وكأن ملكش أب.
عُمر بثورة واحتجاجٍ:
-ليا أب ولكن عُنصري ومُتسلط وشايف نفسه هو اللي صح بس، بيتحكم في أحلامنا وبياخد لنا القرارات ومين يدخل حياتنا ومين يخرج منها، إنتَ ليه مش قادر تفهم إني كبرت وبقيت راجل قادر على اتخاذ قراراتي بنفسي ومسؤول مسؤولية كاملة عن اختيار شريكة حياتي!!
هبَّ "عثمان" واقفًا في مكانه بعد أن ثار ثائرهُ وأعمى الغضب عينيه ليضع كفيه أسفل الطاولة الكبيرة ثم يدفعها بقوة ضارية جعلتها تنقلب رغم ثقلها ليطير كل شيء من عليها ونعم الفوضى المكان ثم هدر بوجه مُلتهب من شدة الغضب:
-طول ما أنتَ بتاكل وتشرب من خيري وبتصرف من فلوسي يبقى من حقي أتحكم فيك غصب عنك، لو مش عايزني أتحكم فيك.. قوم.. قوم ياض واقف على رجلك واشتغل واصرف على الرخيصة بتاعتك؟؟؟
انتفض كالثورٍ الهائجٍ يهجم على ابنه الذي لا يملك أدوات للدفاع عن نفسه سوى لسانه، صرخ "عُمر" فيه بهياجٍ:
-مفيش أرخص من نظرتك للبني آدم.. متتكلمش عنها.. مش هعمل حساب لأنك أبويا في المرة الجاية اللي هتفكر تمس سمعتها برخص كلامك.
أسرعت "سكون" تصرخ بقلبٍ مكلومٍ حينما وجدت قبضتي والدها تطبق على ياقة شقيقها، قامت بالقبض على ذراعي والدها ثم أردفت باكيةً في توسلٍ:
-علشان خاطري يا بابا سيبه.. علشان خاطري يا عُمر.. اسكت!!
نبج "عثمان" عاليًا بصوت يشبه فحيح الأفعى في غضبها:
-أنا كلامي رخيص يا عاجز ياللي مفيش منك فايدة؟؟
ترك ياقته ثم قبض على عنقه وراح يضغط عليه بغضب أعماه تمامًا بينما تسارع أنفاس كلًا من "سكون" و "نبيلة" التي صرخت صراخًا مدويًا وهي تجده يخنقه بقوة، أخذت "سكون" تصرخ باكيةً في انهيارٍ وهي تدفع والدها بكلا ذراعيها بعيدًا عن شقيقها وبصوت منهار تصرخ:
-سيبه.. ابعد عنه بقى!!!!
لم تكفي قوتها لإبعاده فظلت تبكي وما زالت تحاول إبعاده لتصرخ "نبيلة" بصوت مكلومٍ:
-سيبه بقى يا عثمان هيموت في ايدك؟؟؟
لم تشعر "سكون" بنفسها إلا وهي تضرب صدر والدها الذي غاب عن الوعي تمامًا وساقه شيطانه إلى الشروع في قتل ابنه فغضب أكثر من ردعها له فقام بدفعها بكُل ما أوتي من قوة حتى سقطت على الأرض وارتطم جرحها الحديث بقوة جعلتها تصرخ متأوهًا في ألمٍ اكتسح كُل ذرة بها، كانت لحظة دفعها هي أول شيءٌ رآهُ "كاسب" الذي حدق مصدومًا مما يحدث ولكنه سرعان ما انتشل نفسه من وقع الصدمة عليه وهرول بجنونٍ وانتقامٍ رغبه بشدة ثم قبض على ياقة "عثمان" من الخلف وراح يسحبه للخلف لإجباره على ترك الأخير الذي جحظت عيناه وأوشك أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ضاقت ملابس "عثمان" على عنقه نتيجة شَدة "كاسب" القوية له؛ فبدأ يُرخي ذراعه عن عُمر والتوجه إلى تحرير ملابسه من بين قبضة "كاسب" الذي تمسك بقوة ورغب بشدة في خنقه والتخلص منه.
أخذ "عُمر" يلتقط أنفاسه في صعوبة شديدة وهو يضع كفيه على عنقه وعيناه تتابعان ما يدور أمامه في دوار، أطبق "كاسب" أنيابه بقوة ليترك ياقته بينما التفت "عثمان" إليه وما أن رآهُ أخيرًا حتى صاح بلهجة نارية:
-وديني لأقتلك.
انقض عليه فمنحه لكمة مشتتة نتيجة ما تعرض له من اختناق قبل قليلٍ بينما كال عليه "كاسب" بلكمات ضارية من قبضته؛ فكان يرتد للخلف بغير اتزان بينما يصيح "كاسب" مُنفعلًا في ثورة:
-تعالى نشوف مين اللي هيقتل التاني يا عثمان الكلب.. فاكر نفسك محدش يقدر عليك؟ أو يقف في وشك؟؟
كانت لكماته تشتد وتتوجه إلى وجه "عثمان" مع كُل كلمة يقولها، ابتلعت "سكون" غِصَّة مريرة في حلقها وهي تصرخ ببكاء متهدجٍ:
-كاسب.. إنتَ اتجننت؟؟؟
خارت قوى "عثمان" تمامًا فسقط أرضًا متسطحًا على ظهره ولم يفق بعد من صدمة هجوم "كاسب" عليه والذي فقد صوابه تمامًا لينقض عليه بالأرض ثم يصرخ محتدًا بالغضب:
-اقتلني يلا لو راجل ولا قوتك دي بتمارسها على النسوان بس؟؟
استندت "سكون" على ساعدها ثم تحاملت على نفسها إلى أن وقفت ثم هرولت إليه وصرخت فيه باختناقٍ:
-ابعد عنه يا مُتخلف إنتَ.. ابعد وإلا هطلب لك البوليس؟؟ سامعني يا كاسب؟؟
نحا بنظراته النارية إليها ومازال مطبقًا على عنق "عثمان" الذي يحاول التملص منه بجُهدٍ ضئيلٍ من أثر الضرب ثم قال بلهجة صارمة:
-هسيبه لمَّا يقول لي فين حق نجلا وغيرها؟؟
حاولت دفعه دون جدوى؛ فبدأت تلتفت حولها تبحث سريعًا عن حلٍ ينقذ والدها من بين براثنه فهرولت مُسرعةً تصعد الدرج وما هي إلا ثوانٍ حتى عادت من جديدٍ وهي تضع مسدس والدها في كفه وتصوبه باتجاه رأس "كاسب" ثم تصرخ بلهجة مُحذرةً:
-ابعد عنه وإلا هقتلك!!
انفلتت ضحكة مُتهكمة من بين شفتيه وهو يطالعها بنظرات مستخفة جعلتها تصرخ أعلى وهي تقول بغضبٍ:
-صدقني لو اضطريت هقتلك يا كاسب، متجبرنيش أعمل دا وامشي من هنا!!
أومأ يمينًا ويسارًا يرفض مفاوضتها؛ فقبض بكف واحد على عنق والدها وبالذراع الآخر فرده على آخره يفتح صدره لها ثم يقول بصوت خشنٍ محتدٍ:
-يلا اقتليني قبل ما اقتله!!
كان تشهير سلاحها في وجهه من باب تهديده كي يتراجع إلا أنه لم يأبه بتوجيه فوهة السلاح نحوه ولم يرتعب مُطلقًا بينما هي لا تقوى على إيذائه أو إنهاء حياته وهو الذي سحبها بإصرارٍ من حافة الموت؛ فكيف تزهق أنفاسه وكان هو لاستمرار أنفاسها بالحياة سببًا حتى قلبها لا يقوى على فراقه أو إيلامه، ارتخت ذراعها بفقدان أمل فشرعت تبكي بمرارة وهي تقول متوسلة:
-علشان خاطري سيبه وامشي يا كاسب، كفاية وجع بقى أنا مش مستحملة!!
تجمعت الدموع في عينيه وبدأ يستعيد وعيه المسجون في غضبه، أرخى قبضته عن عنق "عثمان" ثم قرر الانسحاب قبل أن يختل عقله ويضطر لقتله ثم يخسرها، نهض على الفور في مكانه ثم رماها بنظرة طويلة قبل أن يتحرك نحو باب القصر.
وقفت تطالعه بقلبٍ مكلومٍ قبل أن تجد يد والدها على حين غُرة منها تلتقط المسدس ثم صوبه إلى الأخير عازمًا على الغدر به وقبل أن يطلق النار أسرعت بالوقوف أمامه وحجب رؤيته لكاسب وهي تقول بلهجة صارمة:
-اوعي!
وقفت حائلًا أمام والدها دون النيل منه وما أن تأكدت من ذهابه حتى هرولت مسرعةً إلى أخيها تطمئن عليه بقلب يخشى انتكاسه، ربتت على ظهره وعنقه في حُنوٍ ثم قادته إلى غرفته كي تهدأ فرائصه ويستعيد اتزانه وما أن يطمأن قلبها بشأن أخيها حتى تتصل على "كاسب" للالتقاء وإجراء حديث قاسي معه.
•~•~•~•~•~•~•~•
-أمي أنا جعان أوي؟!
حدثها الصغير بدموعٍ تترقرق في عينيه بعد أن قرص الجوع معدته، كانت جاثيةً على ركبتيها وفي يدها قطعة من الخيش تمسح بها الأرضية، فتوقفت لوهلة ثم منحته اهتمامًا وقالت بعينين دامعتين وصوت مخنوقٍ:
-هخلص أهو وناخد فلوس ونروح نجيب أكل على طول ونشبع بطنك إنتَ وأختك.
قامت بالتقاط كفه البارد ثم قبلته وهي تقول بحُزنٍ بليغٍ:
-أنا آسفة، حقك عليا والله.. حقك على راسي.
قبلت كفه قُبلة أُخرى سريعة قبل أن تنكب على عملها مرة أخرى وهي توصيه ببعض اللين:
-يلا روح اقعد جنب أختك وخلي بالك منها.
أومأ الصغير بإدراك رجل كبير هرول إلى شقيقته الرضيعة وجلس للاعتناء بها بحُب حتى تنتهي والدته وهنا قال بسعادة غامرة يتحدث إلى شقيقته:
-أمي قربت تخلص وهناخد فلوس ونجيب بيها أكل.
طفقت تنهي عملها ببيت سيدة ترجتها "نجلا" أن تعمل لديها لكسب قوت يومها وأولادها، كانت السيدة توبخها بين الحين والآخر وتقذفها بكلمات سامة ليست فيها ولكنه تبتلع الإهانة في صمتٍ من أجل أبنائها، أنهت عمله ثم ارتدت عباءتها بسرعة قبل أن يشتد الجوع عليهم أكثر خاصةً أن الطفلة بدأت تبكي وتأن من شدة الجوع وللأسف لا يمكنها أن تُرضعها من خلال صدرها فقد جف حليبها من أثر الحُزن والمُعاناة النفسية التي تُذيب جسدها وتنحله؛ فكان لا بد أن تشتري الحليب المجفف لسد جوعها.
أسرعت تحمل الصغيرة ثم أمسكت بكف الولد وسارت إلى البهو تنتظر قدوم السيدة بأُجرتها التي طلبت أن تحصل عليها يوميًا لكفاء أطفالها، جاءت السيدة ثم مدت ذراعه بالمال فالتقطت منها "نجلا" بسعادة إلى أن هذه السعادة لم تدم حينما نظرت إليهم ووجدتهم أقل بكثير من جُهدها المبذول حتى أنها بخسته تمامًا، رفعت "نجلا" بصرها نحو السيدة وقالت ببعض الضيق:
-بس دا قُليل أوي يا هانم؟؟؟
رمقتها الأخيرة شزرًا قبل أن ترد مستنكرةً:
-احمدي ربنا إني قبلت أدخلك بيتي رغم سُمعتك وارضي بالمقسوم!!
تجهم وجهها في حُزنٍ وردت في انزعاجٍ:
-مالها سُمعتي؟؟ ليه محدش منكم عايز يصدق إني مظلومة؟؟ دا أنا حتى ست زيَّك؟ يعني المفروض تحسي بيا؟؟ عملت أيه علشان تدبحوني بكلامكم؟؟ شوفتوا أيه مني؟ إنتوا ليه زبالة ومؤذيين؟؟؟
رمقتها السيدة بنظرة مُحتدةً ثم دفعتها بقوة تحثها على الخروج من بيتها وهي تقول بانفعالٍ:
-اطلعي برا يلا هي ناقصة قرف؟؟
خرجت آهة مكتومة من فمها حينما استشعرت ألمًا شديدًا داهم أسفل بطنها المُنتفخ ثم قبضت على كف ابنها وخرجت على الفور وهي تصرخ بقلبٍ مكلومٍ:
-حسبي الله ونعم الوكيل، ربنا ينتقم منكم دنيا وآخرة.
التقطها "ماكسيم" فورًا قبل أن تغرق في ماضيها المؤلم الذي تمنحه كُل التفكير هذه الأيام وكاد أن يتمكن منها وينكسها، اندفع مُسرعًا إليها ثم طرح الزجاجة التي تمسكها أرضًا بضربة من كفه وبنبرة ساخطة صاح:
-كفاية بقى اللي إنتِ بتعمليه في نفسك دا ، فوقي يا نجلا.. فووووووقي.
بدأ يضرب وِجنتها ضربة تتأرجح بين اللين والشدة يحثها على الاستفاقة قبل أن تتدمر تمامًا، نظر من حوله فأدرك الفوضى التي تعم المكان ومقدار قَنانِي الخمر التي جرعتهم خلال يومين وبسهولة تأكد من حصرهم، اندفع غاضبًا يجمعهم ثم يضعهم داخل كيسٍ بلاستيكي ليجدها تقول بصوت مبحوحٍ:
-مكنش عندي أمل إني ألاقيهم أبدًا!
توقف عما يفعل ثم استدار لها كُليًا يعيرها اهتمامًا بالغًا ثم يقول بصوت متحشرجٍ حزينٍ:
-نجلا علشان خاطري فوقي لنفسك واقوي وخدي حقك، القرف اللي بتشربيه دا مش هيرجع لك عيالك ولا حقك؟؟ إنتِ كدا بتستسلمي بدري!!
سكت هنيهة إلى أن اقترب منها ثم قبض على كتفيها يهزهما بقوة ويقول:
-إنتِ المفروض تفرحي إنك لقيتي بنتك اللي بتدوري عليها؟؟
نجلا بضحكة مقهورة تردد:
-مش دي اللي كُنت بدور عليها.. دي أنا كُنت فاكرة إني خسرتها من زمان.. بس بالصُدفة لقيتها.
زوى ما بين عينيه يجهل ما تقول؛ فتابعت بدموعٍ تنهمر بلا هوادة:
-اللي لقيتها دي خدت قلبي وأمومتي معاها هي وأخوها.. ضعفي إني أنقذهم من الموت والجوع خيل لي إن الموت ليهم راحة.. خلعوا قلبي وأنا برتكب في حقهم أكبر ذنب.
حاول جمع خيوط عباراتها المُشتتة ثم حدق وهو ينظر بالقرب من عينيها:
-يعني وَميض مش بنت عثمان؟؟؟
أومأت تؤكد ظنه وهي تقول بقلبٍ مخلوعٍ:
-مش بنته.. ضنايا أنا.
انتصب "ماكسيم" واقفًا ثم تابع في صدمة يقول:
-معنى كلامك إن ليكِ بنت تانية من عثمان وعلى الأغلب هي....
قاطعته تقول بإنهاكٍ وهي تمحي عَبراتها بظاهر كفها:
-سكون.
في هذه اللحظة سمعت صوت صراخ "كاسب" ينبعث من الطابق الأول ويبدو أنه يتحدث إلى شخص ما ولهيب نبرته قد أرعبهما، تحاملت على نفسها كي تنهض فعاونها "ماكسيم" على ذلك وهما يتحركان خارج الغرفة بينما صرخ "كاسب" مُجددًا وهو يتحدث إليها عبر الهاتف:
-إنتِ عايزة أيه يا سكون؟؟ لو على الحساب فأبوكِ لوحده اللي لازم يتحاسب.
جاءه صوتها ساخطًا وهي تطلب منه الالتقاء به ومعرفة مكانه فقرر أن تكون هذه لحظة مواجهتها بقذارة والدها فأردف بصوت أجشٍ:
-إنتِ لسه مُصرة!!!
وجدها تلح عليه في غيظٍ فأعطاها العنوان وانتظر أن تأتي وترى تحالفه القوي مع عدوة والده، تمكنت "نجلا" من فهم ما يجري؛ فتابعت وهي تترنح على الدرج بينما يحاوطها "كاسب" بذراعيه كيلا تسقط:
-قررت تواجهها بحقيقتك؟؟ مش خايف لمَّا تعرف إنك من رجالتي تكرهك؟؟؟
كاسب وهو يصول ويجول في البهو ثم يقول بلهجة حادة:
-مش يمكن تكره أبوها؟؟ ليه المفروض إنها تكرهني أنا؟؟؟
هبطت "نجلا" الدرج برفقة "ماكسيم" ودار حديث طويلًا بينهم حاولت فيه "نجلا" أن تمنعه من إظهار حقيقته الآن ولكنه أبى الاستماع إليها، لحظات وسمعوا جميعًا طرق على باب البيت فانسحب "ماكسيم" خِلسة بينما توجه "كاسب" يفتح الباب لها وما أن ظهرت أمامه حتى صاحت "نجلا" بصوت عالٍ مخنوقٍ:
-أهلًا يا سكون.. نورتي بيتي المتواضع!!
توجهت "سكون" بعينيها إلى مصدر الصوت وما أن رأتها حتى جحظت عيناه في ذهولٍ وهي تتحرك ببُطء للداخل وقبل أن تتفوه بكلمة واحدة أسرع "ماكسيم" على حين غرة منهم جميعًا بتثبيت عنقها من الخلف بذراعه ثم غرس حُقنة مُهدئة في عُنقها جعلت أطرافها ترتخي في الحال وتغلق عينيها على الفور.
جحظت عينا "كاسب" الذي هرول إليه يلتقطها قبل أن تسقط وصرخ بهياجٍ وشراسة:
-إنتَ عملت فيها أيه؟؟؟
انتفض قلب "نجلا" التي نظرت إلى "ماكسيم" بسخطٍ وصرخت:
-أيه اللي إنتَ اديته لها دا؟؟؟
رفع "ماكسيم" كفيه أمامهما يحثهما على التروي والهدوء ثم قال يلتقط أنفاسه:
-اهدوا.. دي حُقنة مُهدئة هتخليها تنام ساعة بالكتير.. إحنا لازم نتأكد بنفسنا إنها بنتك يا نجلا.. ونخلص من الموضوع دا بكُل شكوكه!
يتبع
#رُحماءٌ_بينهم
#علياء_شعبان

"رُحماءٌ بينهم". (كمثلِ الأُترُجَّةِ)Where stories live. Discover now