رحماء بينهم (الفصل الخامس والخمسون)

3.8K 324 37
                                    

الفصل الخامس والخمسون]]
رواية #رُحماءٌ_بينهم
#علياء_شعبان
•~•~•~•~•~•~•~•
“هي لم تفعل شيئًا سوى سَرقة أنفاسي حتى الموت ظنًا منها بأنها حينما تقتلع قلبي من بين ضلعيَّ هكذا ستنجح في اقتلاع مشاعري لها، أخبروني! كيف يفر الإنسان من امرأة تجري في عروقه مجرى الدمٍ؟!".
•~•~•~•~•~•~•
ارخى "عثمان" قبضته عن عنق الأخير قبل أن تتلاقى أعينهما بنظرات مليئة بالضغينة والكُره؛ كلُّ منهما يحمل للثاني مشاعر عدوانية وحانقة ولكن ما يحمله "كاسب" داخل قلبه تجاه هذا الحقير لم يُخلق في يومٍ وليلةٍ كما حدث مع "عثمان" بل هي تراكمات ومخططات وسهر ليالي من أجل الانتقام وعودة الحق إلى داره وإراحة روحٍ شقيقته التي وافتها المنية عقب ولادتها لصغيرها الذي لم تنعم بقضاءٍ وقت طويل معه، كان "كاسب" طفلًا بعمر العاشرة وقتها يعيش مع شقيقته الكُبرى والتي تعمل ممرضة بإحدى المستشفيات العامة، كانت ترعاه وتحنو عليه وصار مسؤوليتها بَعد وفاة والديهما، عاشا معًا في حارة شعبية لا يوجد بها أقارب أو معارف عدا جيرانهما اللذين كانوا بمثابة عصب لهما.
العاشرة لا تجعلك غير قادرٍ على التذكر.. العاشرة كفيلة بأن تُذكرك بأغلب اللحظات والمواقف وكل تفصيلية بها ولكن الموجع منها تحديدًا خاصة إن كان هناك من يُخبركَ دائمًا بأن حقك قد سُلب وعليكَ استرداده يومًا، هكذا عاش الباقي من عُمره تُذكره صديقة شقيقته أنها مغدورة وقد سُرق شبابها وطفلها ولن تنعم روحها وتهنأ إلا بعودة حقها وإن تطلب ذلك ظهرًا كاملًا.
يتذكر لحظة مجيء شقيقته التي دنت منه كي تطول قامته ثم وضعت كفيها على كتفيه وقالت بودٍ واشتياقٍ:
-كاسب، إنتَ راجل مش كدا؟؟
أومأ بثقة وهو يضع كفيه داخل جيبي بنطاله فابتسمت "وردة" ابتسامة دافئة وأكملت:
-طيب أنا دلوقتي هسيبك مع طنط بسمة الكام يوم دول بس هرجع لك تاني.
تجهمت ملامحه فجأة وتجمعت الدموع في عينيه وقال بحُزنٍ:
-ليه؟؟ إنتِ هتروحي فين؟؟؟
وردة وهي تداعب خده بطرف إصبعها:
-أنا اتجوزت.. الفترة دي هكون قاعدة مع عمو عثمان.. فترة صغيرة خالص وهاخدك تعيش معانا.. تمام؟؟
أومأ مرددًا بخفوت وديعٍ لطفلٍ يقاوم البكاء كي يظهر رجولةً زرعتها شقيقته به:
-تمام.
وقفت "وردة" في مكانها مرة أخرى وتحركات نحو "بسمة" ليدور بينهما حديث طويل نجم عنه بعض الشد والجذب في الحوار ولم يسمع وقتها سوى عبارة "بسمة" الحانقة وهي توبخ صديقتها:
-قولت لك خليه يكتب عليكِ رسمي.. العُرفي دا مش مضمون؟!!
نفخت "وردة" بقوةٍ وردت:
-هو وعدني يا بسمة إنه هيعمل كدا بس بعد أول عيل وبعدين أنا حبيته وإنتِ ما تخافيش لو جبت له العيل اللي بيتمناه من الدنيا هيتبت فيا بإيده وسنانه، أصله قال لي إن مراته مش بتخلف!!
بسمة وهي تحرك شفتيها يمينًا ويسارًا وتضرب كفًا على الآخر:
-دا ضحك على الدقون دا ياختي.. ربنا يخيب نظرتي فيه ويكون صادق.
مالت "وردة" عليها وقبلت وِجنتها ثم تابعت بحسمٍ وهي تتحرك صوب شقيقها ثم تقبل خده:
-خلي بالك منه يا بسمة وأي حاجة يحتاجها كلميني على طول وأنا ابعتها له.. اوعي تعوزيه حاجة يا بسبوسة؟
بسمة بابتسامة لينة وحنونة:
-عيب.. يلا إنتِ سكة السلامة وخلي بالك من نفسك.
شريط ذكرياته يهرول كمُهرة غاضبة أمام عينيه يلتقي مع أسوأ الذكريات التي يتذكرها جيدًا والتي ذكرته بها بسمة دائمًا حيث عادت شقيقته بعد غياب أشهر ببطن مُنتفخٍ وأخبرته بسعادة كبيرة أن طفلها قادمًا في الطريق وسيأتي كي يعتني به ويلعب معه ويستذكر له دروسه حينما يكبر ومرت ذكرى أخرى يوم أن أخذته شقيقته للمكوث في بيتها وأنهال عليها "عثمان" ضربًا مُبرحًا فحاول "كاسب" برجولةٍ طفلٍ لم يحتمل الأذى والقسوة اللاتين تتعرض لهما شقيقته أن يدافع عنها فهرع إلى "عثمان" يضربه بغلٍ وضغينةٍ بينما دفعه الأخير بوحشيةٍ فأسقطه على رأسه ومن بعدها أبعدته "وردة" عن المواجهة مع "عثمان" كي لا يقضي على طفولته بذكريات سيئة ولم تكن تعرف أن ذكريات شقيقها ومستقبله سيتمحوران جميعهم حول عثمان وكيفية الانتقام منه، جاء اليوم الذي ستستقبل فيه مولودها ورأت في عيني "عثمان" سعادة أنستها قسوته معها فقد نال التوتر منه وسار يتحرك في قلقٍ داخل ممر المستشفى في انتظار خروج طفله وحمله على يديه خاصةً بعد معرفته بأنه صبي.
انفتح باب غرفة العمليات وقام الطبيب بمناولته الرضيع لعلمه بأنه زوجها، تناوله "عثمان" بقلب يخفقٍ سعادةً وعينين تدمعان، انتقلت إلى غرفة عادية ثم أعطاها طفلها كي تضمه إلى صدرها، فرح "كاسب" فرحة عارمة لمجيء من يشاركه فراشه ويتخذه صديقًا ولكن فرحته لم تكتمل بعد يومين بالضبط حيث حمل "عثمان" الطفل بين ذراعيه وقال بحسمٍ وهو يتحدث إليها:
-هاخد الولد علشان أثبته.
مطت "وردة" شفتيها ثم تساءلت بامتعاضٍ:
-بس إحنا لسه ما اختارناش اسم مع بعض؟؟؟
أومأ "عثمان" إيماءة خفيفة وتابع بهدوءٍ:
-عايزة تسميه أيه؟؟
وردة وهي تلتفت إلى "كاسب" وتسأله بحُب:
-تحب تسميه أيه يا كاسب؟؟؟
كاسب وهو يصيح فرحًا:
-عُمر.
التفتت مرة أخرى إلى "عثمان" وتابعت بابتسامة عريضة:
-أيه رأيك في عمر يا عثمان؟!
أومأ وهو يقول بحسمٍ:
-تمام يبقى عمر.. مسافة السكة وراجع.
وردة بلهفةٍ شديدةٍ:
-خلي بالك منه يا عثمان!!!
عثمان وهو يرمقها بنظرة خاوية لم يظهر من خلالها أية تعابير:
-اتطمني.
وبعد هذه اللحظة انقطعت أخباره تمامًا وكأنه كالملح داخل كوب من الماء، ذاب أثره فلم يكن وقتها صاحب هذه المصانع والمزارع حتى تتمكن من الوصول إليه حتى كنيته لم يخبرها بها وحرص ألا يذكر اسم عائلة "السروجي" أمامها أبدًا استعدادًا لاختفائه المفاجئ بالطفل، حاولت "وردة" تقديم بلاغٍ بسرقته للطفل ولكن بلاغها قوبل بالرفض حينما صاح الضابط بها قائلًا باستنكارٍ:
-هكتب في المحضر أيه؟؟ أب خطف ابنه؟؟ هو في حاجة اسمها كدا؟؟ أب خطف ابنه دي لمَّا تكونوا متطلقين والطفل في حضانتك غير كدا اللي بتقوليه دا عبث.. غير كدا إنتِ حتى مش معاكِ العقد اللي يثبت إنك متجوزاه؟؟؟
وردة ببكاء مريرٍ:
-ما هو خد العقد علشان يثبت بيه ابننا؟!!
نبش الضابط مُقدمة رأسه ثم نفخ متابعًا في تروٍ:
-أه.. طيب أنا معاكِ للآخر.. عقد جوازكم مُثبت في المحكمة؟؟
وردة تجيبه بثقةٍ:
-أيوة طبعًا.
ضرب الضابط على سطح المكتب وقال بلهجة حاسمة:
-تمام اطلعي على المحكمة واطلبي استخراج صورة من عقد الجواز وارجعي لي تاني وساعتها نشوف نقدر نستفيد منها إزاي؟؟
أومأت تنصاع لأوامره فاتجهت إلى المحكمة وهناك طلبت استخراج صورة من عقد زواجها ولكنها اكتشفت أنه لا يوجد عقد زواج مُثبت بينها وبينه وكان يوهمها كل  هذه المدة بأن العقد قد وُثق في المحكمة، قُطع دابر الأمل في الانتقام منه فساءت حالتها ولم تستطع مقاومة الظلم والوجع ففارقت الحياة بعد ولادتها بأسبوع، تربى "كاسب" ونشأ في منزل بسمة التي زرعت فيه دومًا شرارة الاصرار على الانتقام من قاتل شقيقتها وسارق طفلها، استطاعت أن تعثر عليه وبدأت تتابع أخباره عن بُعد وكَبر "كاسب" وكَبرت معه الرغبة في الثأر والحصول على ابن شقيقته وأثناء متابعتها لأخباره عرفت "بسمة" بشأن جريمته في حق الخادمة وكيف فعل بها مثلما فعل بصديقتها فتكاتفوا معًا من أجل النيل والانتقام وما أن كَبر "كاسب" وصار شابًا مشدود العود حتى قرر أن يتكاتف ويناصر "نجلا" التي اتخذته صديقًا وأخًا وكان معها في كل خطوةٍ حتى نجحت مساعيها في الاقتراب من عقر العدو والآن صار "كاسب" يقف أمامه بعينين ناريتين بعد أن صار عُمره سبع وثلاثين عامًا.
وقف "تليد" حائلًا بينهما حتى تمكن من تضخيم المسافة بينهما بينما تابع "كاسب" بصوت أجشٍ ناري وهو يلتفت إلى الشيخ سليمان:
-أخوك يا شيخ.. لعب بمشاعر وأرواح تلت ستات وخلف منهم وسرق العيال ورماهم في حِجر مراته، تلت عيال مش ذنبهم حاجة غير إنه أبوهم.. حكمه أيه في الدين يا شيخ سليمان؟؟
ثم التفت مرة أخرى نحو "تليد" وتساءل بانفعالٍ أكبرٍ:
-ولا قول لي يا تليد.. لو قتلته أخد فيها كام سنة سجن؟؟؟
اندفع نحوه مرة أخرى وبهياج وعلى غفلة من الأخير لكمه لكمة عنيفة قاسية وهو يصرخ هادرًا مغلولًا:
-حق أختي هاخده وأنا بخلص على آخر نفس فيك.. هاخده وأنا بشرب من دمك يا كلب.. حقها وحق أمهات العيال دي هيرجع لهم لمَّا أدبحك وأمثل بجثتك علشان تكون عبرة لكل وِسخ ابن حرام زيك.
فقد السيطرة على نفسه تمامًا صار يلكمه في أماكن متفرقة من جسده ويرد "عثمان" له اللكمات ولكنها أضعف بكثير من تلك التي سددها له في صِغرها فدارت الأيام وتمكن "كاسب" من التغلب عليه بعشرة أضعاف قوته في شبابه، بدأ "تليد" يدفعه وهو يهدر بلهجة شديدة:
-إحنا هنا في مستشفى.. كفاية انتوا الاتنين.. الحسابات دي ليها وقتها!.
جاءت "شروق" تهرول مع زوجها وما أن رأت والدها يتعرض للضرب حتى ظلت تبكي وتصرخ في فزعٍ ، هرول "عِمران" يساعد "تليد" في إبعادهما عن بعض فجذب "تليد" كاسب وأبعده تمامًا لينظر "كاسب" إلى شروق التي تنهار خوفًا على أبيها ويقول بغيظٍ:
-خسارة دموعك عليه.. دا كلب.. بدل ما تعيطي اطلبي حق أمك منه.. ولا ما تعرفيش إن نبيلة مش أمك الحقيقية!!
تسمرت "شروق" في مكانها أمامه توقف تشنج وجهها في صدمة بينما انهمرت دموعها بغزارة وهي تنظر إليه بعينين تتساءلان في شدوهٍ وتيهٍ ليهرول "عمران" إلى زوجته التي ترتجف ثم يحتضنها بين ذراعيه لتتكلم هي بأنفاسٍ مضطربة يكسوها الانكسار والإنكار:
-هو بيقول كدا ليه؟؟؟
ضمها "عِمران" بقوةٍ إلى صدره قبل أن يلتفت "كاسب" إلى "عثمان" مرة أخرى ثم يبصق على وجهه قبل أن ينصرف كسيلٍ مُدمرٍ مبتعدًا عن المكان الذي يتواجد به الأخير وأثناء سيره هائج الخطى سمع صوتًا يصدح في جيبه فتذكر أن هاتف "عمر" بحوزته وعلى الفور أسرع باستخراجه لينظر إلى شاشته بعينين متسعتين حينما وجد اشعارًا لرسالة باسم صفحتها الشخصية، اضطرب قلبه بقوةٍ وكادت أن تنفجر نبضاته من بيت ضلعيه، أسرع بأطراف مرتجفة أن يحاول تخمين كلمة المرور كي يستطع التواصل معها، حاول عدة مرات وتفشل محاولته في كل مرةٍ حتى كتب تاريخ ميلادها وأصاب هذه المرة.
أسرع بفتح رسالتها ثم كتب على الفور:
-أنا كاسب.. عمر عمل حادثة وبين الحياة والموت.. لازم تيجي بسرعة يا سكون".
ظل ينظر إلى شاشة الهاتف حتى تأكد من رؤيتها للرسالة وبعد ذلك أغلق الهاتف تمامًا كي تُعاني تبعات البعد الذي فرضته عليهم جميعًا وأولهم (هو).
•~•~•~•~•~•~•~•
توجهت "نجلا" إلى قسم الشرطة بعد أن جمعت كل ما بحوزتها من أوراق تدين "عثمان" خاصةً حينما تراسل معها أحد ضباط الشرطة الذي وَعدها بالمساعدة ورغم أن مقر عمله في محافظة أخرى إلا أنه قرر أن يرافقها أثناء تحريرها محضرًا ضد عثمان وتدعيم سرعة الاستجابة لمحضرها عن طريق قوة علاقاته بزملاء وظيفته، قد تواصل معها حينما أنشأت ذلك البث المباشر وقدم مساعدتها وأنه صاحب نفوذ كبير وعلاقات وطيدة في الشرطة ولكنه في اللحظة الأخيرة لم يستطع الحضور فأوصى على الاستماع إليها والاستجابة لأقوالها.
جلست أمام ضابط الشرطة بالقسم ثم حررت المحضر  وقدمت له الأوراق كي يطلع عليها ووجدت معالم الصدمة باديةً على وجهه قبل أن يلتفت إليها ويقول مصدومًا:
-اللي بتقوليه دا كارثة.. دي ممكن تتحول لقضية رأيّ عام.. الزواج من سيدات أو اغتصابهم بهدف الإنجاب ثم سرقة الأطفال لإرضاء غريزة زوجة لا تُنجب!!
أومأت "نجلا" ثم تابعت بتنهيدة عميقة:
-بالظبط.. ودا الورق اللي بيثبت إني أم واحدة من بناته وبطالب الطب الشرعي بإجراء تحاليل لنبيلة السروجي والأولاد للتأكد من إنها مش الأم الحقيقية وبطالب بردو بإجراء تحليل دي إن أيه بيني وبين سكون عثمان السروجي لإثبات نسبها ليا.. دا غير الفيديوهات الخاصة بما وراء الكواليس في مصنعه وحضرتك تقدر تتأكد والنيابة كمان تتأكد إن الفيديوهات دي صحيحة ومش مفبركة، أنا مش عايزة غير حقي وحق كل ست كسر قلبها ورماها ورا ضهره وكما وحق سنين عمري اللي انحرمت فيها من بنتي!!
أومأ الضابط بتفهمٍ ثم أشار إلى إحدى الخانات بالورقةٍ وقال بحسمٍ:
-امضي هنا.. إنتِ متوصي عليكِ جامد من فوق.. فورًا هيكون في أمر بضبط وإحضار عثمان السروجي.
ابتسمت في هدوءٍ ثم زوت ما بين عينيها وتساءلت:
-أنا حقيقي وثقت في حضرة الظابط زميلك ومن غير حتى ما أعرف اسمه أو رتبته بس شكله واصل أوي ومفيش شك في نزاهة وأمانة الشرطة المصرية.
ابتسم بهدوءٍ وقال:
-تقدري تتفضلي دلوقتي.
تحركت فورًا بخطوات ثابتة خارج قسم الشرطة وفي هذه اللحظة بدت الحياة تبتسم لها من جديد بعد سنوات من الجفاء؛ فالسماء تبدو أكثر زُرقةً والهواء أكثر نقاءً يدخل إلى رئتيها ينعش كدمات أحدثها الزمن بها؛ فيبدو أن هذا الوقت هو وقت تحقيق مساعيها وسعادتها، سمعت أثناء شرودها صوت هاتفها يصدح فالتقطته ثم أجابت بابتسامة هادئة:
-الباشا.. بشكرك جدًا على وقفتك جنبي وإيمانك بقضيتي وثقتك في كل حرف قولته من غير أسباب أو مُبررات.
جاءها صوته الرخيم يقول بلهجة ثابتة:
-لازم أثق في كل حرف قولتيه طبعًا، لأني عارف إن عثمان السروجي بني آدم سَو وحقير وكنت مستني العجل يقع علشان أوجه سكيني على رقبته.
اتسعت دهشتها وهي تتساءل بفضولٍ:
-يااااااه.. دا إنت شكل في تار كبير بينك وبينه؟؟؟
أجابهت بتنهيدة عميقة:
-أكبر مما تتخيلي يا مدام نجلا.
ابتسمت "نجلا" في هدوءٍ وردت:
-لأ.. دا إحنا كدا نقعد ونتكلم يا سيادة.....!
رد بإيجاز:
-سيادة النقيب يا فندم.. نتقابل قريب.. مع السلامة.
أغلق المكالمة فورًا فاحترمت أنه لا يرغب في الفصح عن هويته حتى هذه اللحظة ولكنها استنتجت مدى عداوته التي تضمر في نفسه تجاه ذلك الوغد الذي يتجاوز عدد أعدائه المائة بالمائة تقريبًا.
•~•~•~•~•~•~•~•~•
جاءت "رويدا" مهرولةً إلى المستشفى بصُحبة والديها، فلم يخبرها أحد بما تعرض إليه خطيبها بل عَلِمت بذلك عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والتي تضج هذه الأيام بسيرة "عثمان السروجي" وأولاده، تفاجأت في البداية من الأخبار المتداولة من امرأة تزعم كونها ضحية لوالد خطيبها وسمعت كل ما تناولته "نجلا" من حقائق في صدمةٍ فحاولت الاتصال به ولكن كان هاتفه مُغلقًا طوال الوقت وبعدها انتشر خبر الحادثة التي تعرض لها وأغرق المواقع كلها، هرعت إليهم ثم صاحت بانهيارٍ وقلب مخلوعٍ:
-عُمر فين دلوقتي؟؟ ليه محدش بلغني إنه عمل حادثة؟؟
كانت تنظر إلى وجوههم بانزعاجٍ شديدٍ فأشاحت "نبيلة" بعيدًا وصاح "عثمان" محتدًا بالغضب:
-وإنتِ مين علشان نبلغك؟!
انهارت "رويدا" باكيةً وتساءلت مستنكرةً:
-أنا مين؟؟
توجه إليه "تليد" بعينين حادتين ثم أجابه بصوت حادٍ:
-خطيبته.. تبقى خطيبته.
أسرعت إليها "رابعة" ثم ضمتها بين ذراعيها لتبكي "رويدا" بكاءً شديدًا تنقطع له نياط القلوب، تنهد "تليد" تنهيدة ممدودة بعُمقٍ قبل أن يتحرك مبتعدًا لمسافة قليلة ثم يستخرج هاتفه ويجري اتصالًا عاجلًا بصديقه كي يرسل "مُهرة" للاطمئنان على زوجته التي تُركت وحيدةً في المنزل ولا يوجد استجابة منها على اتصالاته.
(على الجانب الآخر من المزرعة)
سارت "مُهرة" بخطوات مُسرعةً تصعد الدرج إلى شقة "وَميض" للاطمئنان عليها والجلوس مؤنسات لبعضهما حتى عودة الجميع بعد الاطمئنان على "عمر"، دقت الباب بخفة وانتظرت للحظات ولم تجد استجابة فاشتد خبطها على الباب لربما هي نائمة ولكن لم تجد استجابة هذه المرة أيضًا، زمت "مُهرة" شفتيها بحيرةٍ قبل أن تهبط الدرج ثم تدخل إلى شقة الشيخ وتلتقط المفتاح الاحتياطي للشقة العلوية ثم تصعد الدرج من جديد وتقوم بفتح الباب وهي تنادي بحرصٍ ورفقٍ:
-وَميض!!!
بدأت تجوب الغرفة بعينيها في ارتباكٍ وتكرر ندائها بصوت أعلى قبل أن تحسم أمرها بالتوجه إلى غرفة النوم ثم بدأت تطرق بابها برفقٍ ورددت:
-وَميض.. إنتِ نايمة؟
زفرت "مهرة" بيأس فقررت فتح الباب بهدوءٍ ثم نظرت في كل أنحاء الغرفة ولم تجدها، خرجت على الفور وأوصدت الباب خلفها ثم هرعت تهبط الدرج حتى وصلت إلى "نوح" الذي قابلها بسؤال سريع:
-أيه لقيتيها نايمة؟
أومأت سلبًا ثم تابعت بتوترٍ ونبرة سادرةٍ:
-لأ هي مش فوق أصلًا يا نوح.
أفزعته جملتها وهو يصيح بانفعالٍ خفيفٍ:
-يعني أيه مش فوق؟؟ أمال راحت فين؟؟
مطت شفتيها في حيرة وقلق ورددت :
-مش عاغفة.. ممكن تكون بتتمشى في أي مكان بالمزرعة؟؟
أومأ مؤيدًا حديثها وتفرقا يبحثان عنها في كل مكانٍ ولكنها اختفت تمامًا، عاود "نوح" الاتصال بصديقه وأخبره بعدم وجودها بأي مكان في المزرعة، التاع قلب "تليد" فزعًا وقلقًا عليها واستبدت الهواجس به فأسرع يحادث "علَّام" لربما شعرت بالخوف وحيدةً فقررت أن تذهب إلى بيته ولكن "علَّام" نفى قلقًا مجيئها إليه، بلغ الخوف مبلغه منه ليهرول مسرعًا خارج المستشفى بأكملها ثم يستقل سيارته ويتوجه بسرعة رهيبة إلى المزرعة.
•~•~•~•~•~•~•~•
-بقول لك بنتك كلمتني وبتقول لي إنها واقفة قدام باب شقتي؟؟ أكيد عرفت حاجة عن الريكورد؟؟ طريقة كلامها فيها حاجة مخيفة ومش طبيعية!
أردف "وِسَام" بتلك الكلمات المنفعلة وهو يتحدث إلى "سُهير" التي تخاطبه بصوت هامسٍ في زاوية بعيدة عن زوجها، أطبق أسنانها معًا بغيظٍ قبل أن تقول بحدةٍ:
-طيب لو فعلًا عرفت إنتَ هتعمل أيه؟؟
صاح "وِسَام" مستنكرًا إزاحة المصيبة عنها:
-قصدك إحنا هنعمل أيه؟؟ ولا نسيتي إنك إنتِ اللي اديتيني التسجيل علشان تنقذيها منه؟؟
ابتلعت "سهير" ريقها بصعوبة بالغة ورددت في محاولة لتهدئته وإيجاد طريقه لاستقطاب ابنتها إلى صفهما مرة أخرى:
-اسمعني يا وِسَام.. إحنا اللي عملناه دا عملناه علشان ننقذها من واحد متطرف زيّ دا.. مش عارفة قدر إزاي يعمل لها غسيل مخ ويخليها تحبه.. اسمع يا وِسَام دي فرصة وجت لحد عندنا.. إحنا لازم نوعيها ونرجعها عن الأذى اللي بترتكبه في حق نفسها.
وِسَام بنبرة حانقة:
-ودا إزاي إن شاء الله؟!
سهير وهي تستعين ببعض الكلمات للتلاعب بها على أوتار مشاعره الواضحة تجاه الأخيرة:
-وِسَام إنتَ بالسهولة دي هتتخلى عن حُب حياتك؟؟ إنتَ لازم تنقذها من الأذى.. دي فرصة نفرقها عنه ونرحمها من اللي بتعمله في نفسها ونرجع نكسبها إحنا الاتنين من تاني.. هي ترجع لحضني وإنتَ يكون لك فرصة مستقبل معاها!!.
نفخ "وِسَام" بقوةٍ قبل أن يقول بحسمٍ:
-اقفلي دلوقتي علشان داخل على الشقة.
لم ينتظر ردها وأغلق على الفور، سار بخطوات مترددة حتى تجاوز بوابة العمارة وما أن صعد الدرج للدور الثاني حتى وجدها تقف أمام باب الشقة في انتظاره وما أن رآها حتى تدبر ابتسامة عريضة وقال:
-وَميض؟؟ فينك يا بنتي كل دا؟؟ ليكِ وَحشة والله!
رفعت "وَميض" أحد حاجبيها ثم تابعت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها:
-وِسَام.. إنتَ اللي سربت الفيديو ونشرته في كل مكان صح؟؟ ما تحاولش تنكر لأن كل حاجة انكشفت خلاص وتليد عرف عنوانك!!
ابتلع ريقه على مهلٍ قبل أن يولج المفتاح بالقفل ثم يمر داخل الشقة وهو يقول ببعض التوتر:
-وَميض.. ادخلي خلينا نتكلم جوا وأشرح لك.
اندفع داخل الشقة وسارت خلفه وهي تصيح بنبرة منفعلة:
-تشرح لي أيه يا وِسَام!!
أغلق الباب فورًا قبل أن ينبش مقدمة رأسه ثم يتابع بلهجة لينة:
-وَميض.. أنا كُنت بحاول أساعدك علشان كُنتِ معصوبة على الجوازة.. خوفت عليكِ تعيشي حياة شاقة مع شخص مُتطرف زيّ دا؟!!
حدقت فيه بنظرات نارية وصاحت بحدة:
-أنا جوزي مش متطرف.. أنا جوزي أكتر إنسان سوي وعقلاني وبيتقي الله في الدنيا.
ضغط "وِسَام" على أسنانه بقوةٍ ضاريةٍ قبل أن ينظر داخل مُقلتيها بحدة ويقول:
-دلوقتي بقى حلو وبتدافعي عنه؟! عمومًا أنا كل اللي عملته كان بدافع حمايتك، تصدقي أو لأ براحتك.
أسرع مندفعًا في غيظٍ إلى المطبخ ثم أخرج علبة العصير من الثلاجة وأحضر كوبين وسكب فيهما العصير قبل أن تتردد كلمات "سهير" على أذنيه بصورة مُزعجة ليتجه إلى أحد أدراج المطبخ ثم يخرج منه شريطًا ويتناول قرصًا ويلقيه داخل الكوب الخاص بها ويبدأ في تذويبه بتوتٍ كبيرٍ حتى اختفى تمامًا، كانت تقف في الصالة بوجه متجهمٍ ومشاعر مضطربة ما بين غضبها منه وشعورها بصدق نيته تجاهها وقت تسريب التسجيل، أسرعت تتوجه خلفه إلى المطبخ ولكنها وجدته يخرج عليها ثم يمد يده لها بكوب العصير وهو يقول بلهجة ثابتة:
-اشربي العصير وهدي أعصابك علشان إنتِ لازم تعرفي مين اللي ساعدني في الوصول للتسجيل!!
حدقت فيه بعينين متسعتين وتساءلت متوجسةً رغم علمها بالإجابة:
-مين؟؟؟
أومأ بهدوءٍ وهو يتحرك من أمامها ثم يجلس على الأريكة ويقول بثباتٍ:
-هنفضل نتكلم وإحنا واقفين ولا أيه، اشربي يا ستي العصير وتعالي اقعدي هنا، من ساعة ما استقبلتيني على الباب وهاتك أسئلة.. عايز أبل ريقي!
تنهدت "وَميض" تنهيدة ممدودة بعُمقٍ قبل أن تجلس على الأريكة ثم تتجرع ما في الكوب مرة واحدة وبعد ذلك وضعته على الطاولة بنفاد صبرٍ ورددت:
-مين يا وِسَام اللي اداك التسجيل؟؟ ماما سهير مش كدا؟؟؟
ظل محدقًا داخل عينيها للحظات قبل أن يومئ إيجابًا لتضحك هي ضحكة مصدومة وتقول باختناقٍ:
-أنا مش فاهمة، هي ليه مش قادرة تستوعب إني بحب جوزي؟؟ ليه مش قادرة تشوفنا مبسوطين مع بعض؟؟؟
امتعض وجهه من شدة الغيظ قبل أن يرمي الكوب الي بيده بقوةٍ على الأرض ليتكسر إلى شظايا كثيرة فانتفض جسدها فزعًا وهي تجده ينظر إليها نظرات نارية ويقول:
-وأنا؟؟ أنا اللي دعمتك كل لحظة وحبيتك من قلبي.. حبيتك لدرجة إن حياتي وقفت من بعد جوازك؟؟ ليه مش عايزة تحسي بيَّا؟! حبيتيه ليه؟ أنا كان عندي أمل تكرهيه زيادة وتبعدي عنه وترجعي لي؟؟
انفتح فمها على وِسعه مصدومةً قبل أن تتشنج فرائصها وتقول بحدةٍ:
-أحبك أيه؟؟ إنتَ زيّ أخويا؟!
انتفض واقفًا في مكانه ثم صرخ وهو يميل بجسده مقتربًا منها:
-بس إنتِ مش أختي.. إنتِ من حقي أنا!!
أسرعت بوضع ذراعيها أمامها تدفعه بعيدًا عنها ثم تنهض فزعًا من مكانها وهي تصرخ مستنكرةً:
-وِسَام.. إنتَ شارب حاجة ولا أيه؟؟
انطلقت من بين شفتيه ضحكة صفراء وردد بنبرة مخنوقةٍ:
-لأ.. أنا واعي.. واعي كويس أوي.. إنتِ اللي كمان ثواني ومش هتكوني في وَعيك.
ابتلعت غِصَّة مريرة في حلقها واستبد الشك بها خاصةً بعد أن بدأت تشعر بالدوار يكتنف رأسها كله، وضعت كفها تضغط رأسها وهي تقول بمقاومة ودوار:
-إنتَ حطيت لي أيه في العصير؟؟؟؟
صاح وهو يقترب منها ثم يقبض بشراسة على ذراعها تاركًا لعينيه فرصة التمعن والتفحص إلى كافة أنحاء جسدها:
-مُخدر.. علشان كُل حاجة ترجع لمجراها!!
انسكبت دموعها وهي تحاول التملص منه بقوةٍ واهيةٍ بينما سحبها بقوةٍ عنيفةٍ من ذراعها وبدأ يجرها خلفه إلى غرفة نومه لتسقط منهارةً دائخةً بالأرض وقبل أن يدخل بها إلى الغرفة، سمع رنين هاتفها بصورة مُلحة، تركها مسرعًا إلى أن التقط الهاتف ثم رفع ذراعه وبأقصى قوة لديه قام بطرحه على الأرض حتى تكسر إلى قطعٍ كبيرةٍ!!!
يتبع
#رُحماءٌ_بينهم
#علياء_شعبان

"رُحماءٌ بينهم". (كمثلِ الأُترُجَّةِ)Where stories live. Discover now