الفصل الأول

173 31 42
                                    

يومٌ ماطر كسابقه، فتحت السماء أبوابها بغيث وفير بعد انقطاع دام لشهرين، استقبلته أفئدة الناس بالسعادة وغمرت أرواحهم الهدوء بعد التضرع والدعاء.

تهللت أساريرهم مبددين وجلًا قد أصابهم خشية أن لا تنتج أراضيهم هذه السنة محصولاً وافرًا يزيد من أرباحهم ويعينوا فقراء منطقتهم التي ترتقب حصاد المحاصيل بفارغ الصبر.

"حكمت المحكمة، حضوريًا على المتهمة إحسان الخالد بالبراءة، نظرًا لنقصٍ في الأدلة، البراءة ليست معناها أنك بريئة مما نسب إليك، أحيانًا تكون الاجراءات والأوراق التي أمامنا ليست كافية لإدانتك ونحن لسنا مرحبين بإدانة شخص، الأوراق لم تثبت عليه الادعاء  سواءً من الشهود أو الوقائع، ولو شككنا للحظة بأنك بريئة سنحكم لك بالبراءة، وأنت وحدك تعلمين ما الذي حصل وإن كان لك يد في قتل الطفلين ستتجلى عدالة الله وتكشفك، رفعت الجلسة"

صخب وجدل علا بعد قرار الحكم الذي يعده عائلة المدعين جائرًا في حقهم بينما دماؤهم تغلي وتطالب بالثأر من المجرم الذي أمامهم، بصعوبة بالغة تم فض الاحتدام بين الطرفين وابتعدوا عن المحكمة، كانت أيامه في الآونة مرهقة، ولم يكن سهلًا عليه تهدئة النفوس الثائرة على تلك الجريمة الشنعاء التي حدثت قبل أسبوع.

خرج من مركز عمله مثقل الخطى غارقًا في الحديث مع نفسه عن التعب الذي ألم به وقد ضاق ذرعًا بعمله المعتاد، كان يندب حظه العثر ويلقي بسخطه الدائم على كل شيء يصله بالمحاكم، وصل المنزل، خلع معطفه المطري وقبعته ثم أتاه صوت أمه إذ هرولت إليه مسرعة بيد أنها كانت بانتظاره

-حكمت، هل يمكنك الذهاب لشراء بعض التحلية للضيوف

ما إن فرغت من الحديث حتى وضعت يدها على صدرها تلتقط أنفاسها نظرًا لسمنتها التي تزيد من ثقل مشيتها، قلب عينيه في تململ قبل أن يجيبها

-ضيوف؟! وفي هذا الوقت المتأخر من هم يا ترى

غالبت توترها وحاولت تجميد بؤبؤيها عن الاهتزاز وهي تقول

-الضيف ضيف الله وعلينا إكرامه، كما لا يهم من يكونون

حدق في وجهها باستنكار وقبل أن يجيب سمع ضحكة رنانة تراقصت لها أحاسيس غضبه قبل أن يطلق قنبلته

-من؟ سعاد ونوال مجددًا ألم أقل لك هاتان الاثنتان محظورٌ عليهم دخول منزلنا، إلى متى ستعاندين وتضربين برغبتي عرض الحائط

هبت والدته بقلق وحرج تقف على أطراف أصابعها تحاول إخفاء صوته عن مسمع ضيفتيها، إلا أنه لم يأبه بل استمر بالعتاب مغلظًا نبرته ليصل طرده الصريح لهن بسهولة فينهضن ململمين ما تبقى من كرامتهن المنهانة بفضله، فوقعت الأم في حيرة من أمرها بين إخراس ابنها والاعتذار من ضيفتيها على سوء تصرفه

دعائم هشةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن