خطة بديلة| 1916

192 11 28
                                    


فتى طويل القامه انيق الهندام يتزيّا كما نجمات السينما الغريبات . رحب به بالطريقه الغريبة الجديده في التعري ، حتى ان وجنتيه كانتا مزيتين بالروح ، وكان وجهه ناضراً كأنه البظر ؛ بدر مدور جميل .

لبث جوشوا مرتبكاً لوهلة ، فقد كان يستبعد ان يكون الفتى الذي امامه هو ابن بائع الشمام ، هذا الفتى الواقف أمامه لا يمكن ان يكون ذلك الفتى الفقير الذي يفرغ قشور الشمام لوالده عند حاويات القمامه .

-«صباح الخير يا جوشوا هونغ ، ما أجمل مكتبتك»
حيه بصوت واضح مليء بالثقة.

لبث جوشوا هونغ جامداً وراء المنضدة .

-«حسبت انني لن أجدك؟ ليس بأمر صعب ، لماذا هذا الرعب؟ هل حسبت أنك ستجدني أكد على الرصيف المقابل؟ انا اليوم زوج مهندس ، ألم تكن تعرف ؟ ولقد خصص لي زوجي وقتاً لتعليمي القراءه والكتابه، وها انا اليوم في هذه المكتبه الرائعه!»
وقبل ان يستطيع الرد ، رن الجرس من جديد ودخل ولد في الخامسة عشر تقريباً ، له وجنتان متوردتان وشعر أسود كثيف ، وله عينان مفعمان بهجةً وأملاً.

-«هذا ابني ، ظننتُ أنك ستحب التعرف اليه فهو محب المطالعه وقد جئت به الى هنا لما تناهى الي أنك تعرض احدث الكتب وافضلها ، يقولون انك بائع متميّز».
بلع جوشوا ريقة وحاول قول شئ، اقترب منه الولد و أومأ التحية ثم ابتسم له فتفاجأ جوشوا هونغ من ثقته . « صباح الخير، أخبرني ابي بالكثير عنك ، قالت لي انك تتوفر على مؤلفات لكُتّاب أمريكيين مثل هنري ديفيد ثورو؟ وإني لاحب قراءه مثل هذه الكتب».

أدار ابيه عينيه لدى كلماته قائل : « دائما السياسه والفلسفة!لا أفتا أقول له ان مستقبل هذه البلاد مع النفط . أقول له أن يجد في دراسته ، وان يدرس الاقتصاد والمالية ، ان يعمل شيئاً نافعاً! ولكن ماذا يمكننا فعله؟» داعب رأس الفتى بشيء من الاحباط وشيء من الفخر ثم دفع رأسه بتؤدة فتذلل الفتى و استرسل هو :« السياسة ، السياسة ! يا لهذا الجيل ! إن يريد الكتب المعقدة يا جوشوا هونغ».

كان اسلوبه في الكلام متصنَّعا قليلاً ، اذ كان يتكلم بنبره متكلف ، نبرة رجل الذي بدل الله فقره بالغنى . التقا نظراته بنظرته لنحو دقيقة حتى شعر فيه جوشوا بالوهن في جسدة ، أنه اب لأربعة أولاد اصحاء ، والناس يقولون ان زوجته ، عطيه ، امرأة رائعه ، ملاك بحق . هو ناجح ويحظى باعجاب الناس ، ولو أن والده ما زال خائب العشم فيه لانه لم يصبح طبيب ، ولذا فإن ابن الشمام لا يستحق اهتمامه ولا تفكيره ولا طاقته . وحتى ان هبنا قبل سنوات كان جريئ ومندفع معه في أسان ، فانه اليوم رجل فوق كل هذه الاعتبارات .

ومع ذلك ، فان جوشوا لا يجد ، وهو يقف أمامه ، الا أن يتذكر تلك القبلات الحلوة واللزقة آلتي سرقها بين الاشجار ، يتذكر بشرته الناعمه للغاية وضحكته الواثقة ، يتذكر يوم وعده الا يتزوج غيرهو، و يوم انتحب نحيب المنفطر قلبه لما اخبره بموقف والده من زواجهما وشرح له ان الامر مستحيل ، لقد ظل في فكره لسنوات ، والان يشعر جوشوا وهو يحدق فيه ان لا شي يهمه ، حتى وان طارت أوراق كل كتبه التي نسقها بعنايه داخل جنه الأرض هذه وطفت كقصاصات الورق في السماء فلن يكترث ، فعندما يقف أمامه تغزوه الرغبة فيه من جديد ، ويتيه في هواه من جديد ، لاحظ ان صوته لم يتبدل ، بل ظل كما كان دائما : صوت بالغ واثق لا يناب فتى صغير ، أما اليوم فقد صار في عمر صوته .

خلف حاويات القمامه في أسان فعل معه اشياء ما كان ليجرؤ على فعله مع فتى من طبقته ، أما معه فقد غلبت عليه رغبات المراهقه ، وهو لم يقاوم ، بل فاجأه ، لقد وعده بالزواج ، وقد كان يقصد ما يقول فعلاً ، وكان جزء منه يتمنى ان يحدث ذلك ، ورغم انه كان يعلم انه امر مستحيل بالتأكيد ، لم يكن يريد عطية ، بل كان يريده هو . أيعقل أن خيارات والديه كانت قابله للتفاوض ؟ كلا ، بالتاكيد لا . ففتى كان يساعد والده في بيع الشمام بـ أسان لم يكن يصلح للزواج ولم يكن له قط ان يلد معه اولاداً .

قال جونغهان بنبره التوكيد : « زوجي مهندس ، انه من عائله كيم ، وهم من اشهر العائلات ، لعلك سمعت بهم؟, أنهم من ارقى العائلات والطبقات ، نسل المبوك ، مر على زواجنا اكثر من خمسه عشر عاماً ، آه لقد كان عرساً بديعاً . والان ، كما أسلفت لك ، أبني هذا يحب القراءه ، وأنت خير العارفين ، يا لهؤلاء الطلبة المتفوقين ، يريدون احدث كتب الفلسفه ، ففي الجزء من المدينه حيث نسكن....»

الق له بإسم الشارع حيث يسكنون ، انه حي قريب يقع الى الشمال من المدينة حيث تنتقل الطبقة حديثة الثراء ، البورجوازية الجديدة التي بنت منازلَ كبيرة واثثها بالاثاث الحديث والفاخر و بستائر الدانتيل و بالصحون المزينة بالذهب . تباها بمحل سكته ولدغه باخبار زوجه المهندس ، ودفع اليه ابنه الوسيم والمهذب . أما هو فاحتفظ باسم الشارع في ذاكرته لانه يعلم عن كبح رغبته في المرور بذلك الشارع بحثاً عن منزله وعن نافذته وعن ظله

-« اريدك ان توري ابني الفلاسفه الشجعان . يريد ان يتعلم من الرجال أُولي الجسارة ، من أولئك الذي يصنعون مصائرهم بأيديهم . أولئك هم الرجال الحقيقيون . وليس الذين يتبعون قواعد من الازمنه الغابره عن الطبقات والزواج ، الا تتفق ؟ »

استقبل كلماته كمن رشق بسهم ، وبعد هذا الكلام ثبت عيناه في عينيه لدقيقه اضافيه دون أن يرمش .

نعم ، لقد أذغن ، لقد سلم لطلب أهله ، فلو انه تزوج ابن الفلاح لكان فعل أمرا سخيفاً ، أقرب إلى الطرفة ، ثم إن الناس من طبقته لم يعتادوا على فعل ذلك ، لم يكن شيئا يُفعل ، وان لمن التفاهة منع أن يتعامل مع الامر بمرارة .

سيأخذ جوشوا الفتى الى روق الفلسفة ، سيعرض له احدث طبعه من كتاب ولدن لهنري ديفيد ثورو ، وهو ترجمه كوريه حديثة ، سيكوف بالفتى بين العظماء الذي يرقدون بين رفوفه ويساعد عقله الصغير على الاكتشاف والنمو ، فكم من الطلبة ساعد في هذه المكتبه ؟ سيأخذ الفتى ويساعده ، سيعوض به أبه ، سيرعى الفتى عسى ان يسامحه جونغهان ، سيفعل اي شيء ليسامحه جونغهان .

أخذ جوشوا هونغ روون الصغير إلى الركن الذي يحوي كتب الفلسفه وعرض له محتويات تشكيلته بينما ينفث جونغهان بسعره ، سيُعلَّم الفتى مما علمه الله ، وسيريه مما تعلم ، وسيرشده الى حيث يشتهي قلبه وإلى حيث قدره ، مهما يكن ، وهذا اقل ما يمكنه فعله ليسامحه حب حياته جونغهان .

 Two lovers do not meetTempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang