الفصل الأول

60 4 2
                                    

حدَّقتُ نحو النجوم التي زيَّنت السماء في تألقٍ بهيّ، واحدةً تِلو الأخرى تزهو في جَمال، ثم ارتفعت يدي في عادةٍ طفولية، نحو القمر البارز وكأني أتمسك به، ثم قبضّتُها بخفة، أخفيه من ناظري.

أجمل ما تتميز به سماء الريف، هو توضُّحها بإتقان، يقل التلوث الضوئي، و لا تكتسح الضوضاء الصاخبة المكان، فقط أنا والسماء الجميلة.. مع بعض الطيور المغرِّدة في الخلفية.

أخفضت بصري قليلًا، أوجهه نحو الغابة التي لاحت من قريب، لا تبعد الكثير عن المنزل، فقط ثلاثة أرباع كيلومترٍ واحدٍ ربما، ترتفع أشجارها الكثيفة، والظلام في دواخلها واضح، حيث المجهول.

سرعان ما طرأ أمرٌ في عقلي جعلني أرفع رأسي مجددًا نحو القمر في إستيعاب، كنَّا في نهايات الصَيف، الحادي عشر من سبتمبر، يوم اقتران القمر مع كوكب المُشترى.

كان نقطةً بارزةّ نوعًا ما مقابل القمر، واضحٌ لكن ليس جيَّدًا بالنسبة للعين البشرية، ستكون رؤيته افضل بواسطة تليسكوب.

نسمةٌ شبه باردةٍ مرَّت جعلتني أغلق عيناي بإستمتاع، مجرد تفاصيل هادئة وبسيطة، لكن لها القدرة في جعلي أشعر وكأني وسط السحب.

تنهدت بخفة، عندما شعرت بالشيء السميك في جيبي، تلمسته ببطئ، والذكريات بدأت باللعب في رأسي، توقظ حواسي، وتجعل من عدة مشاعر تتحرك راقصةً في قلبي، وعقلي يبث أفكاره السوداوية المعتادة.

أخرجت الظرف الناعم، والمُغطَّي بطبقةٍ بلاستيكية تمنعه من التَلفْ، تحفظه جيّدًا.

وحدقت بهدوءٍ نحو الكلمات التي قبعت على السطح الأصفر البالي، أطرافها متشققةٌ نوعًا، إلَّا أن الكلمات واضحةٌ بالكامل، حبرٌ أسود ثقيل وأثره زاحفٌ في زاوية الورقة، حيث كانت تسقط بقع حبرٍ من القلم أثناء كتابتها.

راح عقلي يقرأها في صمتٍ مطبق، النسمات الباردة تروح وتجيء، الطيور تغرد بإعتيادية.

عزيزي السيد رامون؛

ورجاءً لا تؤاخذني على الرسمية الباردة، فقد إرتأيت أنها أفضل ما قد يوضع في رسالةٍ مماثلة، حيث سأكون الطرف الأكثر سوءًا بالنسبة لكم.

ما هو شعوركَ من فِعلتي؟ هل أنتَ غاضب؟ أجزمُ أنَّك الآن تلعنني كل ثانية، لا بأس، لستُ أسفة، لأنه؛ قرار رحيلي، تزييف خبر موتي، كل ما فعلته، كان لمصلحتكم أنتم، هذا هو الأفضل لكم وإن أنكرتم ذلك.

لا أعلم إن بدت مشاعري مبهمةً في طريقتي، لكن أنتَ تُدركها جيّدًا، إنها ميزة الرسائل الورقية، خط اليد، التعرج الطفيف أو الواضح، البقع الطرية والرقيقة على سطح الورقة، ثم الحروف التي تبدو مبهمة المشاعر من الوهلة الأولى.

انها تفاصيل صغيرة تفضح كاتب الرسالة، الحالة الشعورية التي كانت تراوده، الأفكار المعينة التي كانت تكتسح رأسه، ورجفة يده مع كل ذكرياتٍ تتداخل مع حروفه بالخطأ، الرسائل الورقية هي الأفضل والأقرب إلى قلبي، وأنتَ تعلم ذلك كراحة يدك.

ڤولبير | VolberWhere stories live. Discover now