الفصل الثاني

19 3 0
                                    

قيل ذات مرَّة أن المُرّ ينتهي في لحظةٍ ما، تتلاشي ذكرياته رويدًا رويدّا، ثم طعمٌ حلو يكتسح مكانه في بطئ، و هدوءٍ رائق خفيف يُجاوره، لكن ما بال الأكاذيب تعمُّ هذا القَول؟

في فترةٍ ما من فترات حياتي الثقيلة والركيكة، أربعة أعوامٍ بائسةٍ وفاسدة، مريرة الطعم وإبتلاعها كإبتلاع الأشواك غصبًا، وما لي غير تقبُّلها في صمت، ولا توجيه لومٍ لغير نفسي، وكأن كل المسئولية تقع على عاتقي وحدي، ولم تكن لي حرية الإختيار حتى.

ثم ماذا؟

انتهتْ.

انتهى الطعم المرير في سقف حلقي، واستُبدل بنارٍ أحرقت بقاياه لتغدو رمادً، خُلقَت من بعده الصلابة المتناثرة على طيف روحي، والبرودٍ البهي الذي ملأ جوفي صاعدًا إلى ملامح وجهي، ونحت منها الجمود، بدون إرادة تُذكر.

الإبتسامة الفاترة تغزو الوجه من حينٍ لآخر، وأطراف شفتاي عاجزةٌ عن الإرتفاع في طبيعية، وكأن التصلب و الجمود حُكِما بالإنطباع قسْرًا عليها، يُكبِّلانها.

ثم الآن.. رأيت أطياف الماضي تلوح من خلف حدقتيها الزرقاوتان، والإبتسامة الصغيرة التي إرتسمت على وجهها زادت من الحرقة بداخلي، عضضت شفتاي.. لماذا تظهر الآن؟ بعد كل ما فعلته !

" مضى وقتٌ طويل.. ! " قالت متقصدة النظر لي عينًا بعين، أريان كانت مشوشةً تُبدل بصرها بيننا بعدم إستيعاب، هي لم تدرك سبب إصرار العجوز على دعوتنا؟ الآن توضَّح.. بالنسبة لي على الأقل.

" تعرفان بعضكما؟ " أريان تساءلت مع عقدة بين حاجبيها، كدت أنفي وأغلق الأمر برمته، لكن لن يكون هذا جيدًا لصالحي.

" معرفةٌ قديمةٌ لا أتشرف بها. " قلتها صراحةً بينما أعقد يداي أرمق تيسيانا بأعين باردة، تريد العبث معي كما كان يحدث بالماضي؟ حسنًا.. سترين نتائج أفعالكِ.

" لحظة__ "

" لا بأس أريان. " يان كادت تتأسف بدلاً مني كما يبدو، إلا أن تيسيانا نفت مع إبتسامة اتسعت، بحق الإله !

" هوي أنتِ، لا تناديها بإسمها مُجرَّدًا هكذا ! " شعرت بالإنزعاج كونها تتعامل بأريحية تامة مع أريان بهذا الشكل، تتصرف كأنها لطيفة لا تؤذي أحدًا، وهي في الماضي كانت كالشيطان تخرب الأرواح.

تلقيت ضربةً في جانبي جعلتني أتأوه بألم، هل نغزت إصبعها في جانبي لتوها؟ ألقيت نحوها نظرةً غاضبةً لأجدها كانت تناظرني مؤنبة، لكنِّي لستُ مخطئة !

[ هي سيدة كبيرةٌ في السِن، يُجدر بكِ التعامل معها بشكلٍ أفضل ! ]  تواصلت أريان معي عقليًا تؤنبني، قلبت عيناي بملل.

[ بلا بلا بلا، لا أهتم بذلك.. إن علمتِ حقيقتها ستندمين على اليوم الذي عرفتيها به، ثم أنها تستطيع سماعنا على أية حال !  ]  غفلت عن هذه النقطة لثانية، و رأيت التشويش عاد يملأ محياها، أوه أجل.. هي تظنها بشرية !

ڤولبير | VolberWhere stories live. Discover now