الفصل الثالث

651 6 0
                                    


الفصل الثالث

شعـر بالكون يدور من حوله ...
ماتت !!!!!!!
كيف ومتى !! .. لا لا هي ما زالت على قيد الحياة، شعور فطري يؤكد له ذلك ..
وإن لم تكن أبنتـه ولكنها أغلى من أبنته ..
ظل يهـز رأسه نافيًا بقوة ..
قانـونه الحانِ لا يُقبل به شيئً كهذا !!
ونغـزة قوية نبعت من دقاته الأبوية التي كادت تتوقف فصرخ في وجهه :
_ كدااااب بنتي عايشة أنت قولت إنك مش لاقيهـا
هـز رأسه نافيًا ليقول بعدها مبررًا :
_ قولت إني مش لاقيها لانها ماتت
سأله دون تردد :
_ عرفت إزاي ؟
أغمـض عيناه ليقول بعدهـا متأثرًا :
_ بعتولنا صورتها وهي مرمية ميتة، عشان مانتعبش نفسنا وندور عليها
كـز على أسنانه وهو يسأله مرة اخرى :
_ وعرفوا ازاي إننا بندور عليها ؟
اجابه متأففًا :
_ اكيد مراقبينـا يا بابا
هز رأسه نافيًا ومن ثم قال بأصرار :
_ لا أنت بتكذب عليا عشان أبطل ادور عليها
زفـر الأخر زفرة ضيق حقيقية ليشرح له محاولاً إقناعه :
_ لا طبعًا يا بابا، صدقني دي بنتي قبل ما تكون حفيدتك، انا يمكن اكون باين متهاون وبارد لكن ده عشان انا يأست، وفي اختها محتاجانى دلوقتِ، وبعدين والله مش هستفاد حاجة لو كذبت عليك

جلس على الكرسي الخشبي بهمـدان حقيقي ... لم يعد يحتمل صدمة كذلك، لا الدقات الضعيفة عادت تحتمل ..
ولا ذلك العقل الذي شـاب يحتمل ضغط مفاجئ كهذا ..
وفجأة سقط متأوهًا بألم ..
ليركـض عزت بأتجاهه مسرعًا بلهفة :
_ مالك يابويا مالك يا حج فيك أية
كان يضع يداه على قلبه وكأنه يريد إيقاف الألم الذي يزداد ..
وهمس وهو يختنق :
_ هموت مش قادر
واغمض عيناه ليصرخ الاخر بجزع وهو يحاول حمله لينقله لأقرب مستشفي !!!

********

وصـل سليـم الى " دار خاصة للأيتام " ليترجل من سيارته بهدوء لا يفارقـه كظلـه .. حتى دلف متجهًا نحو غرفة " نادين " ، تلك الأخـت - معنويًا - والتي يلتزم بزيارتها في ميعادهـا ..
وكأنها فعليًا كالدواء او الادمان لا يستطيع الأبتعاد عنه !!
ولمَا لا .. فهي بالفعـل تذكـره بما مضى ..
ولكن تذكره بالجـزء الذي ينعشـه ويجعل السعـادة تغمره كليًا وكأنها تسلط الضوء عليه لتنيره دون إرادةً منها !؟
دلف إلى غرفتهـا ليجـد الممرضة بجوارها كالعادة ..
ابتسم بمجرد أن وقعت عيناه عليهـا ليقترب منها محتضنًا اياها وهو يهمس بأشتياق حقيقي :
_ وحشتيني يا نادو
ولكنها - أسفًا - كانت كالجسد بلا روح !!
عيناهـا الزيتونية شاردة امامها في اللاشيئ .. ولكنه ليس بشرود مؤقت يجتاحها لتعود لطبيعتها ..
بل هو شـرود " أبـدي " يسيطر عليها !!!!
لم يجـد أي رد فعل فأمسك بصفحة وجهها الأبيض بين كفي يده السمراء ليسألها متوجسًا وهو ينظر لوجهها الواجم :
_ نادو حبيبتي أنتِ سمعاني، أنا اخوكِ سليم مش فكراني ؟
بالطبـع لم يجـد أي رد فعل..
زفـر بضيق وهو يبتعـد عنهـا ليسأل الممرضة بنبرة جادة :
_ لسة على نفس الحالة ؟
اومـأت وهي تجيبه بأسف :
_ للأسف اه، وكأننا مابنعملش اي حاجة طول الشهور دي، من ساعة ما حضرتك جبتها وهي كدة، لا بترد على حد ولا بتكلم حد ولا حتى بتبص على حد
زفـر بضيق قبل أن يسألها مرة اخرى :
_ طب حتى لو حصلت أي حاجة ماتنتبهش
هـزت رأسها نافية لتبدء الشرح له :
_ بردو لا، لو كانت أقل من 3 سنين كنا قولنا ده مرض التوحد، لكن دي 23 سنة تقريبًا فالتوحد لو كان عندها كان ظهر من سن 3 سنين او اقل، وحضرتك قولت إن يوم ما جبتها كانت بترد ولو بهزة راس ؟!
اومأ موافقًا بحزن لتكمل :
_ بس عامةً في دكتـور نفسي جه جديد بقاله أسبوع تقريبًا بيستكشف وبيدرس حالتها وهيبدء يقعد معاها من النهاردة
اومـأ مغمغمًا بامتنان :
_ متشكر
ابتسمت مجامـلةً لتخرج بهدوء تاركـة اياه يجلس بجوار ناديـن ..
وعينـاه تمـوج حزنًا حقيقيًا، حزنًا شعر به من مجرد شعور هاجس بأنه يخسر عائلته مرة اخرى !!!!
جلـس لجـوارهـا ... لينظـر لها وقد زين ثغره ابتسامة اشتياق - منكسـرة -
ليتحدث وكأنها تسمـعه :
_ عارفة يا نادين، أول ماشوفتك فكرتيني بأبويا اللي خسرته ..
صمت برهه يبتلع تلك الغصة التي ألمته في حلقه ليتابع باختناق :
_ وبتفكريني بأمي اللي خسرتهـا وادام عنيـا
نظـر لعينيها تحديدًا ليبتسم تلقائيًا وهو يستطرد :
_ وبتفكريني بالأخت اللي كان نفسي فيها تكون جمبي دلوقتِ تخفف عني
تلقلقـت الدمـوع التي كان يحتجزها في جحـر القسـوة المكبوت ..
لتلتمع عينـاه ببريق الحرمـان الأسري!!
وفجأة شعر بيدهـا تمسح تلك الدموع !!!!!
جحظت عيناه بصدمـة ..
لقد تحركت !!!!
أثـرت بها تلك الدمـوع لتداعب الحنان التي اختزنته هي بالمقابل ؟!
وبعد أن استوعب نهض مهللاً بأبتسامة :
_ نادو حبيبتي أنتِ حاسه بيا صح، سمعاني وفاهمة أنا بقول أية
وبالخـارج امام نفس الغـرفة التي تقطـن بها ناديـن ..
كان يقـف هو بمنكبيه العريضين الذي يغطيهم معطفه الأبيض الخاص بالأطباء، يرتـدي نظارته الشمسية علها تغطـي عيناه البنيـة التي مثبتة فعليًا على " نادين " من خلف الزجـاج !!
تراقبهـا دائمًا وحتى دون الأذن منه !!!
تجبـره على التأمل لتلك الغابات الزيتونية الشاردة وكأنهما يلتقيان في مـلكـوت أخر ...
أستفاق من شروده على صوت الممرضة وهي تناديه مسرعـة :
_ دكتور ياسين، المريضة اللي حضرتك هتدخلها اخوها بيقول إنهـا تجاوبت معاه بتحريك ايدها ياريت حضرتك تيجي تشوفهـا
اومـأ مسرعًا بهدوء ليرد بصوته الرجولي :
_ جاي وراكِ حالاً
اومـأت لتوليه ظهرهـا ليبتسم هو ابتسامة صافية واساسًا قد رأى ما حدث بتلك العينان التي لم تكـف عن مراقبتهـا !!!!
فسـار متجهًا لها بحمـاس شديد ...

شظايا قسوته بقلم رحمة السيدWhere stories live. Discover now