الفصل الثامن عشر

7K 172 3
                                    

الفصل ١٨

فتح اجفانه مستقيظًا على دفعة بقبضة صغيرة لكزته على ذراعه السليمة، وصوت يعلمه جيدًا يهتف ساخطًا :
- ماتقوم ياعم انت هاتفضل نايم اليوم كله  .
رمش بعيناه قليلًا ينظر اليه بتشوش مع ثقل رأسه وهم ليتجاهله مكمًلا نومه، فدفعه الصغير وكرر لكزه بقبضته الصغير عدة مرات يصيح عليه :
- قوم ياعم قوم باه، هو انا هاقعد اصحي فيك لبكرة على كدة وانت عامل زي الميت؟
استفاق يرد بصوتٍ متحشرج من اثر النوم :
- عايز ايه يامحمد ؟ وجاي ليه تصحيني كدة على اول الصبح بس ؟
أجابه محمد حانقًا :
- دا مش اول الصبح ، احنا داخلين عالساعة ٨ ومش انا اللي عايزك ، ابويا هو اللي عايزك .
اعتدل قليلًا يفرك بعيناه سائلًا :
- وابوك عايزني في ايه بقى الصبح بدري كدة؟ .
زفر الصغير بطريقته المحببه واضعًا كفيه على خصره :
-  مش تقوم وتشوف انت بنفسك ايه اللي ابويا عايزه منك ؟ بدل ما انت عمال كدة بتسأل فيا وتتعب قلبي .
اعتدل جيدًا بجذعه يرد بمشاكسة :.
- طب دا برضوا كلام يااستاذ محمد، تيجي وتتعب نفسك في صحياني وانت مش عارف السبب اللي والدك عايزني فيه .
ابتسم من قلبه صالح وهو يرى الغضب المرتسم على وجه محمد الصغير وعيناه التي احتدت بسبب انه اتخذ الكلمات على كرامته ، اردف صالح :
- خلاص يامحمد باشا متزعلش نفسك انا بس بهزر معاك .
رد محمد باندفاع :
- ماتهزرش تاني عشان هزارك بايخ .
رفع له صالح كفيه للأعلى باستسلام قائلًا :
- خلاص ياباشا ، انا اسف ومش هكررها تاني ، بس يعني ممكن أسال هو الوالد فين عشان اشوفه؟
قوم وتعالى انا هاوديك ليه .
قال محمد وهو يشير اليه بكفه الصغير، تحرك صالح قليلًا ليجاريه ، حتى نزلت بأقدامه من على التخت ، فاكتنفه دوار رأسه المعتاد ، ليمسك مستندًا على قائم السرير ، سمع قول محمد من خلفه بسأم  :
-  انت هاتدوخ تاني كمان ، انا قولت عطلان وماحدش صدقني . 
ضحك صالح بخفة وبحذر  قبل يرفع رأسه الى محمد متصنعًا الجدية :
- انت بتتمسخر على العيا يامحمد مش خايف لربنا يبتليك ولا راسك توجعك انت كمان زيي؟ .
كشر محمد بوجهه قائلًا بحدة :
- وانت عايز ربنا يبتليني ليه بعد الشر وراسي توجعني كمان؟ خلص ياعم جر رجليك التقيلة دي عشان اَخدك و ادخلك على باب الجنينة خلص.
تفوه محمد كلماته الاَخيرة بسأم نحو صالح الذي انتبه على جملته سائلًا بدهشة وهو يشير بابهامه للطفل نحو النافذة :
- انت قصدك على الجنينة اللي هنا دي يامحمد؟
- ايوه ياعم خلصني يالا، وهات يدك عشان ماتوهش مني .
هتف بها محمد وهو يتناول كف صالح الذي استسلم لسحبه ، رغم دهشته وتعجبه ، خرج به محمد من الغرفة وقبل ان يصل به الى الباب الخلفي ، اشار له بيده :
- اهو الباب اللي قدامك ده ، هاتدخل فيه على طول تخش على الجنينة ، هتلاقي ابويا وعمي يونس قاعدين تحت شجرة الجميز ، بس كدة بقى انا ماشي.
اوقفه صالح يجذبه من تلابيب قميصه يسأله :
- ماشي فين ؟ انت هاتخليني ادخل لوحدي هنا وانت بقى طالع وماشي ؟
نفض ذراعه محمد يحاول نزع نفسه عن صالح قائلًا :
- وانت هاتخاف ماتخش لوحدك ، بقولك هتلاقي ابويا وعمي قدامك ، سيبني بقى خليني اطلع العب كورة مع العيال برة ، بقولك سيبني باه .
هتف بالاخيرة بعد ان افلت راكضًا من صالح الذي انتابه الحرج، لا يعلم كيف يدخل او كيف يخرج ، حتى اجفل على صوتها الرقيق وهي تهتف من خلفه :
- واقف ليه مكانك ماتدخل .
التف اليه فوجدها امامه في الناحية الأخرى بوجهه الذي يشبه القمر بصفائه ، وابتسامتها المشرقة التي تبعث في القلب بهجة بمجرد النظر اليها ، ترتدي ملابس مهندمة جميلة وبيدها الدفاتر الورقية، وعلى كتفها علقت حقيبة سوداء صغيرة، تمتم مسرورًا امامها دون تفكير:
- ياصباح الخير و الهنا والسرور كمان
ابتسمت بخجل لكلماته ثم اردفت ببعض الجدية :
- ماتتكسفش وادخل على طول ابويا مستنيك فعلًا جوا .
تجاهل كلماتها وسئلها بفضول :
-  رايحة المعهد ولا المستشفى .
قطبت بابتسامة مستترة :
- الاتنين ، عن اذنك بقى عشان احصل ميعادي ، وانت ولو احتجت حاجة، اطلب من أي حد في االبيت ، سلام بقى .
اردفت بالاخيرة وتحركت تتخطاه مغادرة ، نظر هو في اثرها قليلًا ، قبل ان يعود لوضعه ، ثم خطا ليدلف الى الحديقة بتردد ، ولكنه تفاجئ بسالم اسفل احدى الشجيرات يرتشف من كوب للشاي خاصته ، يشير بكفه اليه ليتقدم ، وفي الناحية الأخرى ، كان يونس يعزق بفأسه في أحد أحواض الخضرة ، رمقه بنظرة سريعة ، ثم تابع عمله .
............................

المطارد Donde viven las historias. Descúbrelo ahora