خذلان...

27 13 60
                                    

يمشي متخبطاً بين الطرقات، هائماً لا يدرك وجهة، من يداويه وقد فقد دوائه، ومن يرافقه في رحلة حياته؛ ورفيقة روحه قد رحلت عنه، أمام باب غرفة ابنته يقف حائراً، بماذا قد يجيبها، وكيف يصمد وهو يرى حبيبته في وجه طفلته.

طرق الباب برفق، ودخل منادياً صغيرته بهمس:

- غيثي... قد أتيتكِ.

لم يسمع رداً، لكنه رأى ذاك الضيف الذي يحاول استمالته وطفلته نائمة على قدميه، يمسح على رأسها برفق، وقد حفرت الدموع مسارها على وجهه.

- شمس الدين... ماذا تفعل هنا.

نظر له بشفقة، وأجابه هامساً:

- لم أرغب في النوم فأتيت للعب مع غيث.

هز "جهاد" رأسه وجلس الى جوار رفيقه، حمل ابنته بين زراعيه، يقبل وجهها، ويضمها إليه، طفلته التي نامت من شدة بكائها، يبكيها قلبه شفقة ورحمة، تنهد بألم، وتكلم بصوت مهزوز:

- لم أكن لأتصور أن قلبي سيؤلمني لهذا الحد... قد كانت تتمني دوماً ألا يكون موتها دون مقابل... وها قد تحققت مطالبها ورحلت في سبيل حماية الأطفال.

مسح "شمس الدين" على كتفيه، لا يملك كلمات ليواسيه، ولا شيء غير الدعاء.

- فقط ماذا عني... قد تعاهدنا على السير معاً... ولم يخلف أحد منذ زواجنا... لكنها تركتني الآن... وتركت معي جزىء منها.

ابتلع غصة في قلبه، وترك العنان لدموعه بالنزول، دون حيلة تركته، يكمل مسيره وحيداً.

- حتى ترضى... خذ من أموالنا... أحبتنا... أنفسنا... وأبنائنا حتى ترضى يا رب.

زفر مرسلاً همومه للسماء، فمن غير خالقه يسمع مناجاته.

لحظات من الصمت القاتل، يقطعها صوت طرقات عالية على بابه، وكأنه انذار لمصيبة حلت، قام عليها "جهاد" ليجيب، ومن خلف الباب ذاك الفزع، بأنفاس لاهثة يستنجد به:

- جهاد... نور... لا أثر لها...

.
.

نحو مجلس الملك انطلقنا، بعد أن أوكل إحداهن برعاية ابنته، وما أن دخل "جهاد" القاعة حتى تراجعت فلا مكان لي هنا، ولكنه قد أمسك بيدي، وأومأ.

- نحتاجك معنا... لا تتراجع.

دخلنا سوياً، والقاعة ممتلئة بأصناف لم أتوقعها، العم عامر، خالة تسبيح، مستشارين، رجل مقنع يقف في صمت، ويترأسهم الملك.

- أين إختفت نور... ليحفظها ربي.

تكلمت "خالة تسبيح" بقلق، ليجيبها "جهاد":

- سنجدها حتما يا خالتي... فقط منذ متى قد اختفت.

تعالت الأصوات، والملك يستمع ويجيب برزانة، ولا حل قد طرح حتى الآن.

- هل يمكن أن تكون قد إختطفت.

صمت الجميع وتوجهت الأنظار تجاهي، وتكلم الملك:

- ولماذا تظن ذاك.

- لربما يكون حريق الصباح مجرد غطاء لإختطافها.

أطرق ذاك الملثم وتقدم تجاهي، بمظهره الواثق، ووجهه الذي لا يظهر منه سوى عيناه، كمجاهدينا، بثقة الجبال الثابتة، وبصوت جهور تكلم.

- أيها المجاهد شمس الدين... انضم لنا.

يمكنني القول أني لم أتوقع ذلك البتة، حتى وان اعتبروني فرد منهم، فهل يأمنوني على موطنهم، نظرت لرفيقي، لأراه يومئ لي بثقة، فأجبته:

- طالما أنا معكم سأبذل قصارى جهدي لرد معروفكم... وسأسعى جاهداً لرد أميرتكم لموطنها.

- وهذا ما نبتغيه... وحتى نُؤمّن لك طريق الرجوع لموطنك... نأمل أن تبقى كفرد منا.

أومأت له، وأدرك تماماً أني مقبل على سداد ديني، وبينما نتشاور فيما قد نفعله، وتتوزع الأدوار علينا، حتى دخل أحد الحراس علينا:

- يا ملكنا... هناك رسول من مملكة أكوديا... بماذا تأمر.

نظر الجميع تجاه بعضهم، وقد أدركنا من مُختطف الأميرة، حتى طلب الملك دخلوه.

دخل علينا أحدهم، كما أفراد مملكة إلكيدونيا، ولكن  لديه ملامح قاسية، وثوبه بلون أزرق، فور أن رأيته ووقعت أنظاره علي؛ حتى شعرت وكأن قلبي قد انقبض، رؤيته غير مريحة البتة، لاسيما حينما تحدث بصوت قاسٍ كملامحه:

- ملك إلكيدونيا... لابد أنك أدركت إختفاء أميرتك الحبيبة... هي أسيرتنا الآن... وإن لم ترغب بموتها، إخضع لنا...

هاج الحشد ومنهم من هب عليه لقتله، لكن حراسنا قد منعوهم، ورأيت ذاك الملثم يقبض على يديه في غضب، حتى أكمل ذاك الوغد:

- سلمنا المملكة... وسنضمن لك سلامة أفردها... ونرد لك أميرتك... وإلا فهي الحرب، ولن يسلم أحد من بطشنا.

أنهى كلماته ورحل، والآن باتت المملكة في وضع لا تحسد عليه، من أين يضمن سلامة المملكة وأفرادها، وكيف ترد نور الى أرضها.

- وكأنهم ليسوا سبباً في موت أحبتنا... هي الحرب حتماً ولا مفر.

تكلم جهاد بغضب، ليجيبه ذاك الملثم:

- هي حرب بالفعل يا جهاد... لكن لندرك اولاً كيف تكون لنا اليد العليا عليهم... لدينا أسرى منهم بالفعل، ولكن هل هم بنفس أهمية نور لنا... وهل سنتمكن من جمع عتاد وغذاء كافٍ لننتصر في الحرب.

- ألا توجد ممالك أخرى حليفة لنا هنا.

حادثته علنا نصل لحل، فهم سبب العدوان على شعب هذه المملكة، والآن يضغطون عليهم بأميرتهم.

- يوجد عدة ممالك بالفعل... وعسانا نجد من يعيننا على هذه الحرب.

أجابني جهاد وهو يعد من قد يساعدنا.

- اذا دعونا نرسل في طلب اعانة منهم... ودعونا نحصي عتادنا ونبحث عما يجعلنا نتفوق علهم.

أنهيت كلماتي، وقد وافق الملك على استشاراتنا، وبدأ التحرك بالفعل، كلٌ بمهمته، لبدء حرب لا يُعرف من المنتصر فيها.

"لكن طالما نقف في طريق الحق فان النصر من الله آتٍ لا محالة".

ربيع القبّار "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن