دمار.

16 6 19
                                    


ما ضاقت إلا لتفرج.. فلا فجر إلا بعد أن ينسدل الليل بسواده على كل الأحلام.

رجة هزت أرجاء المكان، جعلت الجدران تتساقط حتى كسرت السلسلة التي قيدتها بالأرض، ففرت الى الغرفة التي تعلو زنزانتها حينما غطى الماء أرجاء المكان، لتجده يصارع الموت كحال أول لقاء لهما، لكن على عكس ذلك اليوم أنقذته دون تردد.

- نور... يا أميرة... اتبعي الممر المنهار حتى نهايته... القائد تميم في انتظاركِ.

تكلم مجهول من خلف الباب الذي يرفعه، جعل قلبها يتراقص فرحًا لخروجها من هذا المكان المشؤوم.

صرخات من كل مكان وصوت صفير مزعج يصم الآذان، يهربان من تلك الإنهيارات قبل أن يدفنا أحياء تحتها، ويفران لرفاقهم من يأمنون أرواحهم بين أيديهم.

- نور... يا غاليتي هلم إلي.

مد "تميم" يده تجاهها، بعد أن ساعد "شمس الدين" على الخروج، بينما "جهاد" على رأس المدفع يجهز لإطلاق دانة جديدة، وإبادة اكوديا عن بكرة أبيها.

ضمها "تميم" بعد أن اطمأن على جراحها، وهو يطمئن قلبها المرتجف، و "شمس الدين" يلتقط أنفاسه بصمت ويبكي جراحه دون كلام.

.
.

باتت مملكة "أكوديا" خرابًا ولا شيء غيره يعلوها، وقف المجاهدون بصمت يتأملون ذاك الدمار، وكأن نارًا كانت موقدة وبالكاد تخمد في صدورهم، وقف "جهاد" إلى جوار ذاك الضيف الذي لاق الكثير بسببهم.

- مرحبًا بعودتك يا رفيقي... سلمت يداك على هذا الإبداع.

ارتفعت ضحكاتهما ولكن صمت "جهاد" لوهلة بعد أن اتسعت عيناه وبلهفة دفع "شمس الدين" بعيدًا حماه بها، وأصيب في كتفه بشيء أسقط زراعه أرضًا، ليجتمع المجاهدون وعلى مقدمتهم "تميم" يقاتل من تبقى من أعدائهم، بينما "نور" تحاول بقلة حيلة أن توقف نزيفه، ورفيقنا واقف بلا حول ولا قوة داخل فقاعته التى قد تنفجر في أي لحظة ويصير قتيلًا دون قتال.

دقائق مضت انتصر المجاهدون، وامتزجت المياه بدماء أفراد "أكوديا" القذرة، باتت الجثث في كل مكان، ومامن ناجٍ منهم.

.
.

عاد الجميع لمملكتهم حاملين لواء النصر على صدورهم، وقتلاهم في قلوبهم؛ ليزفوا البشرى لأهاليهم وأحبتهم، لكن الدنيا لا تبتسم لأحد، لا تراهم يداوون جراحهم إلا وتضيف لهم ما يقتل أفئدتهم، وتهديهم اليأس بجرعة زائدة.

الجثث ملقاة في كل مكان، جثث ممزقة لأطفال لم تزال البراءة بعد من وجوههم، جثث مكبلة محرقة للكبار، حتى النساء لم يسلمن من بطشهم اغتصبوا أرواحهم النقية، قتلوهن أحياء آلاف المرات حينما اعتدوا عليهن وحينما فرغوا أنهوا حياتهن.

تصلبت أجساد الجميع ألمًا وحسرة على أهاليهم، زوجاتهم، أبنائهم، عائلاتهم قتلت دونما رحمة، حينما لم يكن لديهم أحد ليدافع عنهم، بلا سلاح أو عتاد قتلوهم.

.
.

في أحد الأركان تستغيث إحداهن أن ينقذها أحد من براثن وحش قذر استباح جسدها الطاهر بلا حول منها ولا قوة، ليستل "شمس الدين" رغم جراحه سيف أحدهم ويتقدم بخطى مشتعلة بالغضب والكراهية تجاه ذاك الوغد، يمسكه من شعره بعنف ليجذبه بعيد عنها، ويرفع سلاحه عاليًا وينحره كالشاة -رغم اعتذاراتي للشاة على تشبيهها بما لا يليق بها- ليتدفق دمه النجس على الأرض الطاهرة، ويلوث وجه ذاك البطل الغيور.

يغض بصره ويخلع عنه ردائه ويغطي به تلك المسكينة، تلك الضعيفة التي كانت تحلم يومًا أن تصير عروسًا لشاب نقي كحال قلبها، لكن أبى القدر إلا أن تكون فريسة لوحش شهواني قذر.

تتجمع القلوب وتكاد تنفطر، ويتجمع الرجال على مأساتهم يبحثون عن أي ناجٍ أو ذرة أمل، ويحمل الوزير زراعه الممزقة، رفقة الأميرة الناجية وذاك الضيف الجريح تجاح قاعة الملك، بحثًا عنه وربما عن القاتل المغتصب.

بخطى ثقيلة يتحركون وكلٌ يحمل جراحه وهمومه، ويحملون رغبة أو ربما هي أمنية ألا يخسروا كل شيء، وما أن يفتح الباب وتطأ أقدامهم أرض القاعة، حتى هجم علي الرجال أفراد مسلحون أسروهم ووضعوهم في مقابل ذلك الكرسي العالي أمام ذلك الرجل الذي لطالما ادعى أنه فرد منهم، وهو يضع ساق على الأخرى وثوبه الملطخ بالدماء.

- جهاد يا جهاد... يا أيها الشوكة المزعجة في حلقنا.

امتعض وجه "جهاد" لما أدركه، أن الخائن بينهم لم يكن سوى الملك.

- بئسًا لك أيها الخائن القذر.

بصق كلماته عليه، ليقف ويتقدم تجاه "جهاد" ويركل وجهه، يدوس عليه بحذائه القذر ويحادثه ويكأنه يعلوه:

- أين ذهبت طاعتك لولي أمرك أيها النمرود... هل تعصي.

ارتفعت ضحكات بلا خجل في القاعة، ليدير عيناه في المكان ويلمح طفلته الصغيرة تقبل عليه دون تردد، فيهلع قلبه ويصيبه الرعب على ابنة روحه حينما تأتي لتضرب ساق ذلك الذي يدوس على وجه أبيها الحبيب.

- إبتعد عن بابا... إبتعد.

ينظر لها بإحتقار ويدفعها بعيدًا بنفس القدم التى داس بها على وجه أبيها؛ لتسقط الصغيرة أرضًا ويرتفع صوت بكائها مستغيثتًا بأبيها.

يحاول "جهاد" أن ينجد ابنته لكن يكبحه ثلاثة أفراد ويلصقون وجهه بالأرض، ليرى مصير ابنته بعينيه، ليتقدم ذاك الخائن ويرفع سيفه عاليًا عازمًا على إيذاء الصغيرة، لكن يفلت "شمس الدين" بطريقة ما ويخبئ "غيث" بين أحضانه ويتلقى ضربة السيف على ظهره بدلًا عنها، ليفديها وإن كان بروحه.

ربيع القبّار "مكتملة"Where stories live. Discover now