مَنْ أَنْتِ

76 8 31
                                    

"الحياة ليست مجرد انتظار العاصفة، بل تعلم كيف ترقص تحت المطر."

فيودور دوستويفسكي

في الجانب الآخر، كان الشاب الوسيم ذو الخصلات السوداء يسير في طريقه قاصدًا مكان سيارته المركونة في مرآب السيارات. كان مرآب السيارات يمتد على مساحة واسعة، تحيط به جدران خرسانية تتخللها بعض الشقوق التي تنبت منها نباتات صغيرة، تضفي لمسة من الحياة على هذا المكان الصامت. الأضواء العلوية كانت تضيء بشكل خافت وهادئ في هذا الصباح البارد، تلقي بظلال طويلة على الأرضية الإسمنتية. صفوف السيارات مصطفة بدقة تعكس مهارة سائقيها، بعضها يغطيه غبار الأيام وبعضها يلمع تحت الأضواء كأنها قد غادرت المعرض للتو.

كان يحمل هالة قوية وواثقة، خطواته ثابتة ونابعة من ثقة عميقة بالنفس. كان يسير برشاقة، وكأنما الأرض تمهد له الطريق. عيناه كانتا تتَّقِدان بنظرة حادة وبلونهما الساحر لون سواد الليل، تتفحص المكان من حوله بدون تردد، تحمل في طياتها نظرة تعرف إلى أين تذهب وماذا تريد. واثق من خطواته الي هدفه دون عواقب.

بينما يتقدم بين صفوف السيارات، كانت خطواته تصدر صدى خفيفًا يتردد في أنحاء المرآب. ملابسه الأنيقة والمتناسقة تعكس شخصيته القوية، وحركة يديه توحي بالثقة والهدوء. كان جسده منتصبًا، رأسه مرفوعًا، وعيناه مركزة على الهدف، كأنه فارس قادم من معركة حاز على الفوز فيها بنتيجة ساحقة.

عندما وصل إلى سيارته، أخرج مفتاحها من جيبه بحركة سلسة، فتح الباب وألقى نظرة أخيرة حوله، وكأنه يتأكد من شيء ما. ركب السيارة وأدار المحرك، وصوت المحرك القوي مزج بين الصمت والصدى.

قبل أن يُعلن بداية تحركه بالسيارة، توقف فجأة في حيرة. أوقف المحرك وأمسك عجلة القيادة بيديه، ثم أسند رأسه إلى ظهر المقعد، مستغرقًا في أفكاره. وضع يده على رأسه في تعجب، محادثًا نفسه بصوت خافت، يحاول فهم ما جرى معه في صباح هذا اليوم الغريب.

كان الصباح قد بدأ بشكل روتيني، ولكنه انتهى بلقاء غير متوقع أثار في نفسه العديد من التساؤلات. تذكر تلك الفتاة التي سألته عن جمالها، وكيف تلاقت نظراتهما للحظة، وكيف شعر بشيء غريب، كأن تلك اللحظة كانت تحمل رسالة خفية أو بداية لشيء أكبر.

فيبدأ محادثا نفسه بصوت يسمعه، "ما الذي يحدث الان؟ هل هذا جنون؟"

لينظر الي معصم قميصه الذي كان بين يديها الصغيرة، قائلا بكل انفعال وقوة، "اقسم أنى تخيلت انها ستمسكني من يدي وتجرني جرَّاً الي المقهى.. ولكنها تركتني اذهب حقاً ... لماذا؟ بل كيف؟ "

رفع رأسه ونظر عبر الزجاج الأمامي للسيارة، مستعرضًا المشهد أمامه مرة أخرى قائلاً بهدوء بعد تعجّبه مما حدث، "لا يهم المهم أنى رحلت بعيداً عنها.. لا اظن أنني سأقابلها مجدداً "

My Refuge - مُتَنَفَّسِيWo Geschichten leben. Entdecke jetzt