قصر الدموع

23 " الفراق صعب "

* حين يرحل الأشخاص عنّا ، تختفي ملامحهم وأصواتهم ،
وتبقى فقط ذكرياتهم لنا ، إن رحلوا بإرادتهم ، فأصعب شعورٍ يقتلنا هو الحرمان ، فحيثما يكونوا تتبعهم قلوبنا مٌخدّرةً نازفة من ألم البٌعد والشوق ،

فيما إن رحلوا مٌجبَرِين بلا إرادةٍ منهم ينهال عليهم اللَّوْم والعتاب وقسوة قلوبٍ مٌحِبّة ، قلوبٌ تسير عكس ما يٌخبّئه الواقع لها ، غير آبِهَة بالروح التي هِيَ تسكنها ، كأنّ ليس لها الحق في اتخاذ مصيرها ! ..

في حين أن العقول متردّدة مٌتعَبة أفكار تؤنّسها وأخرى تؤرّقها ، فـ يا لـ بسالةِ الشعور إن تعلّق الفراق بأشخاصٍ طالما أحببناهم وجمعنا مصيرنا وابتسامتنا بِرٌوحِهم ..

البٌعدٌ يبني أسواراً من جليد الروح ، وتأخذ منّا مآسي الدنيا أحلاماً خلدت في ذاكرتنا ، فكيف لنا أن نداوي الفراق بِبٌعدِهم ؟ .. وجمال ذكراهم يلاحق روحنا ! ..

نسمات الهواءِ فقط من نشعر بهَمسِها ، العالم كله من حولنا متوقف ، فقط نتفكر بما حلّ بحاضر أمنياتنا ، لا خلاص للقلب مما حصل لنبضهِ ، فهو بكلّ الحالات مٌتشبّعٌ ألـماً وندماً !! *

أغلق كتابه وكتّف يديه ببرود ونظره متعلّقٌ بصفاء السماء وصَحوِها ، بَدَت له الأجواءٌ ساكنةً رغم الرياح الهادئة التي بعثرت صفحات كتابه ..

قطب حاجبيه منزعجاً وهمّ بالوقوف كأن عقله يبحث له عن مكانٍ أكثر هدوءاً ،

فشخصيته اﻵن صارت باردة ترمي به عند عتبات السكون !
حضوره كـ عدمِه ، صوته بالكاد يٌسمَع وبرودة أعصابه تقتل مٌحدّثه ..

توجّه إلى داخل المنزل وقابلته عند الباب شقيقته جينجو
جينجو : هل ستذهب ؟
أومأ لها وخرج تاركاً إياها حائرة في تصرفه !

ذهبت تجمع الأوراق التي سقطت من كتابه بفعل الرياح ،
لمح بصرها ورقةً منطوية على بعضها ، دفعها الفضول لفتحها حتى ضاقت عيناها من الحزن لما هو مكتوب ..

" أنت أكثر شخصٍ عانى مما حدث "

:" ما بكِ ؟ "
أتاها صوت والدتها الواقفة بالقرب منها

جينجو بنبرة حزينة : أَتَريْن هذه الورقة ؟ ... ما كٌتِب بها .. يعبّر عن مدى أساهُ وفقدهِ لتلك الفتاة

تقدّمت لها والدتها وأخذت الورقة لتقرأها ..
حيث فاجأت جينجو بتمزيقها للورقة ويبدو عليها الضيق

جينجو بصدمة : أمـي !!.. ماذا فعلتي !؟
السيدة دونيشا : كما رأيتي .. لقد مزّقتها
جينجو : لكنها ورقة أخي

السيدة دونيشا بانفعال : ومالخطأ فيما فعلت .. لقد مزّقتها لمصلحته .. ما كان عليه كتابتها لأنه سيحزن إذا قرأها مرةً أخرى .. يجب عليه نسيان تلك الأفعى بسببها كانت ستتفكّك عائلتنا .. وأنا لن أسمح بذلك ... أبداً !