1

451 21 10
                                    


كلارا تتحدث ؛

لم يكن قطار مُزدحم بالركاب بالرّغم من أننا بدأنا العطلة الصيفية ، خُيّل إلي مرور طيف بجانبي خلال خروجي من مقطورتي للذهاب إلى مقطورة الطعام التفتّ يمنةً ويسرى ولم أجد شيئاً تجاهلت الأمر ومشيت وأنا احمل حقيبتي نحو مُرادي ، اثناء ذلك كنتُ اتأمل التلال التي يعبر من خلالها القطار ، دفعت باب المقصورة بخفة وأصدر صريراً ولم أجد مكاناً شاغراً ومن ثم وقعت عيناي على شاب يجلس وحده ويتصفح كتابه بجوار النافذة ،
اقتربت منه ؛
-عُذراً أتسمح لي بالجلوس ؟
-نعم نعم لا بأس تفضلي.
قالها بابتسامة بلهاء .

وضعتُ حقيبتي على المنضدة واتكأت على يديّ وزفرت وانا انتظر النادل ، ومن دون أن أشعر أخذت أحدّق خلسةً بالشاب الجالس أمامي ، كانت عيناه زرقاوتين كبحيرة متلألأة ومن يُمعن بها يشعر وكأنه سيغرق فيها  ، أنفهُ معقوف وكانت لحيته خفيفة ومُهملة وكان طوله متوسطاً وقد بدا جميلاً ، انتبه لتحديقي
وضحك ومد لي يده ؛
-اعذريني على فظاظتي قبل قليل ، اُدعى تود.
صافحتهُ بإحراج وانا اقول
-لا عليك ، تشرفت بمعرفتك وأنا ادعى كلارا.

-لا يبدو عليكِ بأنك من هنا؟
ابتسم ابتسامة جانبية واردف ؛
-بالرغم من أن بشرتك بيضاء وتمتلكين عينان رماديتين وشعر بنيّ وهذه صفات بعض من الايطاليين.
-أصبت لستُ من هنا فأنا نصف فرنسية ونصف أمريكية ولكنني أردت قضاء عُطلتي في ايطاليا.

اقترب النادل ودنا مني وطلبتُ إفطارا خفيفاً وكذلك هو.

اكمل وهو يضع كتابه جانباً والاندهاش يعلو وجهه ؛
-حقاً؟ وانا كذلك أمريكي وفي الآونة الاخيرة اصبحت أجوب البلدان بحثاً عن المتعة ، ان الابتعاد عن الوطن قد يكون مريحاً احيانا.

-اوفقك الرأي في ذلك فأنا أحيانا أملّ من طريقة العيش في امريكا فليس هناك مهرجانات غريبة او كرنفال سنوي او نساء يرتدين ساري.
ارجعت خصلة من شعري خلف أذني.

تود : نعم هناك الكثير من الاشياء التي حينما نراها أثناء سفرنا نعتبرها غريبة بالنسبة إلينا بالرغم من انها عادات تُمارس دوماً في طقوس مختلفة.

-يبدو أنك قد زُرت الكثير من البلدان أخبرني ما هي أجمل دولة سافرت إليها؟.
شعرتُ بمتعة الحديث معه بالرغم اننا تعرفّنا للتو.

حرّك ملعقتة في صحنه الفارغ وحدق إلى مكانٍ ما فوق رأسي وقال ؛
-اممم لا أعلم في الحقيقة فكل دولة لها طابعها المميز والخاص بقلبي وقد أحببتُ في كلّ واحدةً منها شيئاً ما.

انهيتُ ما في طبقي واقترب النادل وأزال كل شيء.
عندما كنتُ اتحدث معه شعرت وكأن ما خرج من حنجرتي لم يكن صوتي فقد كان بعيداً وهادئا ، لا أعلم ما السبب ولكن شعرت بالراحة وانا اتحدث مع تود فقد كان لطيفاً ومُحبباً.
تحرّكت يداي وانا اقول :
-حسناً ما هي وجهتك؟ فينيسيا؟
-نعم سأذهب إليها أولاً ومن ثم أكمل إلى حيث لا ادري.
-ربّاه أتمنى لو كنتُ مثلك.
كنتُ اعني ذلك حقاً فانا اتوق لذلك.

ابتسم لي والتفت للنافذة ، ارجعت ظهري للوراء وتنهدت بسعادة فأنا بانتظار مغامرة جديدة لا أعرفها
تود وهو يشير الى النافذة :
-انظري.
وقد كان يشير الى النهر
-ياله من نهر جميل ، أشعر بالدفئ حينما أنظر إليه.
قال وهو يغمز ؛
-يا لكِ من شاعرية يا كلارا.
ضحكت بخفة وانا اشير الى الكتاب الذي يُمسكه :
-بالمناسبة ما هذا الكتاب الذي تحمله؟
-انه دليل سياحي لإيطاليا اذا اردتي يمكنني ان اجلب واحداً لك.

لم ينتظر اجابتي وذهب فوراً نحو رفٍ معلّق على احد الحوائط ، اخذ كتاباً ما وهو ما يبدو انه الدليل نفسه وتوجه إلي .
-هاهو ذا سيفيدك حتماً اثناء تجوالك.
ارتسمت على وجهه ابتسامة صغيرة وجلس امامي.
-اشكرك حقاً فقد كنت سأضيع بالتأكيد.

مرّت لحظات صمت حتى كسرها تود ؛
-اتعلمين؟ حينما اتيت الى هنا مع ابي للمرة الاولى كنت ابلغ التاسعة ولا اتذكر سوى انها كانت مملة جداً وقد تسألين لما اتيت مرةً اخرى؟ حسناً لقد وددت ان ازورها بشكل مختلف اعني ان آتي دون اصطحاب والدي وازور فينيسيا التي لطالما تحدث عنها الآخرون وافعل ما ارغب به ودون اي قيود ولابد ان يكون الامر ممتعاً هذه المرّة!

-اوافقك الرأي فقبل سنتين تقريباً ذهبتُ مع امي الى تايلاند وقد كانت الرحلة لتكون ممتعة لولا تذمر امي ومنعي من فعل بعض الاشياء واذكر حينها انني عدت الى الديار وانا غاضبة جداً .
ضحك تود وهو يقول ؛
-لا اتخيّل شكلك وانتي غاضبة ، انه لا يليق بك فمنظرك يوحي بالهدوء.
-نعم ولكنني نادراً ما اغضب.

حرّكت خاتمي واكملت وانا ابتسم ؛
-تبقت نصف ساعة لو كنتُ قابلتك من البداية لما كنت شعرتُ بالملل سابقاً.

-ما رأيك أن نصعد إلى السطح ؟ صدقيني سترين اجمل ما رأتهُ عيناك.

-كيف ذلك؟ ولكنه ممنوع.
عقدتُ حاجبي باستفهام

-دعيك منهم واتبعيني.

قام تود وخرج من مقطورة الطعام وتبعته حتى وصلنا لآخر القطار ..

أسفل سماء فينيسيا .Where stories live. Discover now