2

156 15 6
                                    



مشيتُ بهدوء بمحاذاة النوافذ الطويلة خلف تود وأنا أراقب قميصه البنيّ يلوح أمام عينيّ تارّة ويختفي وسط جموع الناس تارّة ، اصطدم بي طفلٌ أشقر بينما كان يركض باتجاه آخر وسقط أرضاً ، هرعت إلى مساعدته بسرعة بينما كان يحاول بصعوبة الّا يبكي ..

" اوه آسفة ، هل تأذيت يا صغيري ؟ "
ورفعته بكلتا يدي

قال بصوتٍ خفيض وتلعثم " لا انا بخير " واكمل " انا رجلٌ قوي "

قلتُ وانا اضحك " حسناً ايها الرجل القوي ما اسمك ؟ "
" الكابتن تيدي " ورفع قبضَتي يديه الصغيرتين عالياً

" عليك أن تحذر في المرة القادمة ، والآن سوف اذهب ، انتبه لنفسك يا كابتن " وربّتُ على كتفه برفق ..

جلتُ بعيناي في ارجاء القطار وانا ابحث عن تود حتى وجدتهُ في أحد الأركان وهو يتحدث مع رجلٌ ضئيل الحجم في العقد الثامن ذا لحيةٍ طويلة ، بدا من وقفته المستقيمة والثابتة وكأنه كان جنرالاً قد أمضى دهراً مديدا وهو يلقي الخطابات الطويلة على صفوف جيوشه العسكرية ولكن أظن أن ذلك كله محض خيال ..

بعد عدة دقائق التفت تود ليراني واقفة على مقربةٍ منه فتدارك نفسه وقال للرجل الغريب  بضع كلمات وهو يصافحهُ بحرارة بينما كان الأخير يبتسمُ بوداعة ، ابتعد عنه تود وسار نحوي وبادرني قائلاً :
" يا إلهي هل جعلتكِ تنتظرين طويلاً هاهنا ؟ "

" لا عليك لم انتظر كثيراً ، ولكن من ذلك الرجل ؟ "

سار بجانبي وهو يحدق للأمام وتعلو وجهه ابتسامة عريضة ..
" اتصدقين بأنني منذُ بضع هنيهات قابلت رجلاً عظيماً "

توقفت امامه وقلتُ ؛ " حسناً انت هكذا تُثير فضولي ، اخبرني من يكون ؟ "

" حسناً انه احد الجنود العسكريين البواسل الذي حصل فيما بعد على الوسام الفضي بسبب شجاعتهُ ونضاله في جبهة القتال ، أتعلمين أنه قتل أكثر من مئتين وخمسين جندياً نمساوياً في معركة واحدة ولم يُصب سوى ببعض الجروح البليغة التي سرعان ما شُفيت ، انه ضابطٌ أول أميركي يُدعى رينالدي مور ، لا يزال الاسم راسخ في عقلي فقد قرأتُ عن تلك الحرب لمدة طويلة وكثيراً ما رأيت اسمه يتكرر أو يظهر بارزاً في أحد الصفحات " التمعت عيناه بينما كان يقول ذلك

وضعت ابهامي اسفل ذقني : " دعني اتذكر .. رينالدي مور ؟ اوه! نعم لقد تذكرته الآن " واكملتُ بحزن " ليتك اوصلت له سلامي "

" في المرة المقبلة يا كلارا ربما تقابلين الشخص الذي تقدّرينه كثيرا ، من يعلم ؟ "

" ارجو ذلك حقاً "

دفع تود الباب الاخير في نهاية القطار ودعاني للخروج ، حالما خرجت غمرتني موجة هواء دافئة حركت خصلات شعري ، صعد تود السلّم الجانبي بينما وقفت بالأسفل ، عندما استقر تود بالأعلى طلب مني الصعود ، وضعتُ يدي اليمنى على الدرجة الأولى حتى وجدت نفسي بمساعدة تود فوق السطح  ، مدّ ذراعهُ نحو السماء بطريقة درامية وقد ضحكتُ لذلك ..

شعرتُ وكأننا في أحد لوحات روبرت دنكان المُبهرة فقد كان القطار يشق طريقهُ وسط أرضٍ خضراء لا نهاية لها تملؤها الحشائش وبعض أشجار الصفصاف التي تميل أغصانها مع كل هبوب نسمة باردة بينما في البعيد كان الراعي ذا البشرة السمراء يُسيق ماشيتهُ نحو المجهول ، رفعت نظري للسماء كانت زرقاء صافية كعيني تود تماماً ، التقت نظراتنا بينما نحن غارقان في التأمل .. ظننت لوهلة بأنه قرأ افكاري فقد ابتسم بخفة

" لا استطيع ان اصف هذا الكم الهائل من الجمال ! شاكرة لك لجعلي ارى هذه اللوحة الفاتنة ، لن انساها ابداً "

ابتسم مرةً اخرى ولم ينبس ببنت شفة بل جلس على السطح بارتياح وجلستُ انا بجاوره كذلك ..

انتهى الفصل الثاني 🍂

أسفل سماء فينيسيا .Where stories live. Discover now