أسفل سماء فينيسيا .

3

بعد وقتٍ لا بأس به من التحدث معاً شرعتُ انا وتود في المشي بخطوات غير متوازنة فوق سطح القطار ، مددتُ ذراعي على وسعهما تخيلتُ أنني أصبحت طائراً كنسرٍ مثلاً ، القطار كان يمشي بسرعة مما جعلني أغرق في حلمي ولكن سرعان ما تبدد الحلم حينما فتحت عيناي على الواقع، حين لم أرى جناحين حولي .. التفتُ إلى تود و وجدته ينظر إليّ بسخرية

" برأيك من هو أول إنسانٍ طار ؟ " سألتهُ فجأة .
" ‏لا أعتقد أن هذا الأمر يعتمد على رأيي ولكن على حسب ظني كانا الأخوان رايت"؛قال بعد فترة.

" مخطئ ".
" حسناً من يكون ؟"
" عالم عربي يُدعى عباس بن فرناس وقد مات في إحدى محاولاته للطيران في الجو"
" هممم "
" ماذا ؟ "
" في الحقيقة لا أعرفه ولكنني ممتن لتضحيته النبيلة التي أصبحت وسيلة نقل ممتعة"
" هذه هي المشكلة يا تود نظن أننا نعلم الكثير عما حولنا ونستمتع بما لدينا بانغماس وجهلٍ تام ولكن نجد بأننا مخطئين ولا نعلم إلا القليل.." وأكملت بارتباك ؛"اعتذر لم أقصدك أنت"

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه بينما قال :" لا بأس ولكن أليست فكرة أننا لا نعلم إلا القليل مثيرة للاهتمام والفضول؟ فهكذا سيكون هناك الكثير لنكتشفه "
" ربما ؟"
وكان اكثر من سؤال.

" تعلمين ؟ عندما كنت صغيرًا كنت أقرأ عن ديفيد ليفينغستون* كثيرًا ، كنت أحلم أنني سأصبح مستكشفًا مثله في يومٍ ما ولطالما كانت خالتي تقول لي ' انت غارقٌ في أحلام صبيانية وسوف تكبر وتعلم انها كذلك لأنه لم يعد هناك شيءٌ ليُكتشف ' لم اكن ابالي بحديثها يا كلارا فأنا في داخلي كنت أعلم بل كنت موقنًا بأن هناك مئات الاشياء التي لا تزال مخبئة في هذا الكوكب تنتظر اللحظة التي ستظهر فيها للنور وأعلم جيدًا بأن كوكبنا الذي نعدّه ضئيلا هو أكبر بكثير مما نتخيل ومهما فعلنا فلن نستطيع أبدًا أن نرى كل يابسة وكل محيط وسوف نموت قبل أن نفعل ذلك.."

" ولذلك توجد الأحلام تود، كي تعطينا أملاً أن هناك ما ينتظرنا وتحفز فينا تلك الغريزة التي توجد بدواخلنا، الفضول والرغبة القوّية في معرفة أمور نجهلها "
وأكمل هو ؛ " ولا تنسي الجموح أيضا الذي يدفعنا أحيانا لفعل أمورٌ جريئة "

وكزته بمرفقي :" لا أستطيع انتظار ذلك اليوم الذي سأرى فيه اسمك على الصحيفة ولقول الحقيقة لقد اثرت اهتمامي بالفعل"
" وأنا كذلك ، ممتن يا كلارا " وضحك بهدوء وهو يهمهم بطريقه غير مفهومه بينما وقف ومد يده لي بابتسامة " هيا، بدأت أشعر بالبرد أريد الولوج للداخل "
ومددت له كفي بموافقه.

فيما بعد في داخل القطار :
تود بملامح متسائلة ؛ " صحيح كلارا لم أسألك بعد ، إلى أين ستذهبين ؟"
" فينيسيا "
" اه هذا جيد ! هكذا نستطيع الذهاب معًا"
" نعم أظن أنها فكرة رائعة يا تود " وأردفت " سأذهب إلى مقطورتي لكي أرتاح قليلا ، يبدو أن القطار سيتوقف لدى المحطة الأخيرة ، أراك فيما بعد حيث التقينا أول مرة حسنًا؟"
" مقطورة الطعام؟"
"نعم"
" لك ذلك ، إلى اللقاء ."

__________________
* ديفيد ليفينغستون : (19 مارس 1813 - 1 مايو 1873) ، كان مستكشفاً اسكتلندياً لوسط أفريقيا وكان أول أوروبي يرى شلالات فيكتوريا، وهو الذي أطلق عليها هذا الاسم وقد كتب المستكشف هنري ستانلي عدة كتب عنه.