الفصل السابع

8K 150 2
                                    


7 ـ لحظة اعتراف

استفاقت في اليوم التالي منهكة , رأسها يؤلمها , ووجهها
شاحب . نظرت إلى الساعة الذهبية الدقيقة التي وضعتها على طاولة
قرب سريرها , فوجدت أن الساعة قد أصبحت العاشرة , وعلى
مضض نهضت واغتسلت , وارتدت فستاناً من الحرير الأبيض الرائع
التفصيل . ومشطت شعرها , ولفته حول رأسها وثبتته بأصابع
مرتجفة .
عندما نزلت إلى أسفل , نظرت إليها ماريا وسألتها بصــوت
عميق :
ـ قهوة وكرواسان ؟
ـ شكراً لك .
عندما أحضرت لها طعام الفطور , جلست إلى الطاولة وصبت
لنفسها فنجان قهوة دون سكر عل قوتها وسخونتها تعيد إليها شيئاً
من قوتها . ولم تستطيع لمس طعامها . فقالت ماريا :
ـ روبرتو لم يأكل شيئاً كذلك !
احمر وجه جيني . وارتعش جفناها . . وأكملت ماريا :
ـ إنه في فراشه . . لقد تعب البارحة .
انفجرت جيني بضحك هيستيري , لم تستطع السيطرة عليه ,
وعلمت أن ماريا تحدق بها بفضول . . واستجمعت ما استطاعت
من قوة لتسيطر على نفسها . . . وأحنت رأسها على فنجان القهوة .
ودخل توماس مارشال بعد دقائق وحياها بأدب :
ـ صباح الخير سيدة باستينو .
ـ صباح الخير .
وقال لها بلهجة غريبة :
ـ أنا مسافر اليوم .
وأحــســت أن روبرتو قد دبـر أمر رحيله .
ـ حسناً . . سعيدة بلقائك . أتمنى لك رحلة موفقة .
ونظــر إليها :
ـ البحر هادئ تماماً اليوم .
ـ وهل سيأتي صديقك أم ستستقل قارب صيد ؟
ـ لقد اتصل زوجك بصديقـــي .
ـ أتمنى أن تكون قد أنجزت دراستك . وأتمنى لك التوفيق
فيها .
ـ شكــراً لك سيدتي .
واستدارت عنه لتخرج من المنزل . . .
سارت فوق صخور الشاطئ , تراقب لمعان البحر الفضي
تحت شمس الشتاء الباهتة الأمواج كانت هادئة ساكنة . بينما كان
الأفق متشحاً بالزرقة الموشحة بالغمام الأبيض هنا وهناك .
عندما عادت إلى المنزل , وجلست تتناول الغداء لوحدها قالت
ماريا :
ـ لقد ذهب !
.
علمت أنها تقصــد توماس , وتذوقت قطعة من لحم الحمل
الذي طبخته ماريا بالأعشاب البرية وابتسمت لها :
ـ أنت طباخة ماهرة .
وبدا السرور على ماريا .
ـ على الأقل أنت تأكلين الآن .
ـ وهل أكـــل روبرتو ؟
فأجــابت ماريا بابتسامة :
ـ أجل قد أكــل . لقد نام طوال الصباح . لقد كان متعباً . . يا
للمسكين .
ـ أراهن أنه كـــان تعباً .
أحست بالغضب لما قالته بعد أن انفجرت ماريا بالضحك
وخرجت . وبطريقة ما جعلها هذا أكثر غضباً . . وبدر في ذهنها أن
روبرتو ما أجبرها على هذا إلا ليرضي غروره . إن له قوانينه التي
تنطبق على الرجال وليس على النساء . ولا يشعر بأي خجل لأنه نام
مع جيسكا , بينما يسمح لنفسه بأن يغار ويغضب لأنه يظن أنها
عاشرت غرانت .
وأحست بنفسها تتلوى من الداخل , كما تتلوى الأفعى . لقد
خانتها مشاعرها وتجاوبت معه . . . وأحست بهذا الآن . شعرت
وكأنها تستحم بطوفان جليدي كلما تذكرت ما حصل .
هل من الممكن أن تحب وتكــره , تحتقر وترغب في آن واحد ؟
أغمضت عينيها , وتناهى لها عن بُعد هدير الأمواج وكأنها
تقهقه بسخرية . . يا إلهي كم تكره نفسها ! لقد كانت سهلة المنال
أمامه . . كانت تتظاهر بأنها تقاوم . . ولكنها بعد دقائق استسلمت .
ونزل روبرتو للعشاء , لم تكن تتوقع رؤيته , وأحست بالألم
يعتصر قلبها لرؤيته . فارتجفت وشحب وجهها . . . ولم تستطع أن
تتكلم بل رفـعـت رأسها أمامه متحدية . . وابتسامة صغيرة ملتوية
تطفو على شفتيها .
ـ لا شـــيء تقولينه . هذا تغيير ملحوظ !
وتكلمت عـنـدهـا . . الكلمات تنطلق بغضب :
ـ وماذا تتوقع أن أقول ؟ أنت تعرف تماماً ما أشعــر به نحوك .
فمنظرك لوحده يثير الغثيان !
وضاقت عيناه :
ـ ولكن هذا لم يكن الانطباع الذي لاحظته ليلة أمــس .
ـ قد تكون هذه أخبار جديدة عليك . . . ولكن للـنساء رغبة
كذلك . حتى مع الرجال الذين يكرهونهم .
ـ يجب أن أخنقك لهذا الكلام !
ـ لماذا ؟ ألا تحب سماع الحقيقة ؟ أما كانت التجربة لكلينا
إذن ؟ كنت ترغب بي , وأنا كذلك .
وتراجع , وأحست بتراجعه من طريقة فرضه لقناع هادئ فوق
وجهه الغاضب . بعد دقائق بدت أبدية قال :
ـ أوه . . صحيح حبيبتي . . لقد رغبت بك .
ـ لا تناديني بهذا !
وكانت لهجتها مقرفة . . فكرر وهو يعلم أنه يؤلمها :
ـ حبيبتي !
فهمست بنفس لهجته :
ـ أكرهك !
ـ كيف تشعرين وأنت تحترقين رغبة مع من تكرهينه ؟
أحست به يقف إلى جانبها , وتكهرب جو الغرفة كله , أسندت
رأسها على ظهر الصوفا تحاول تهدئة نفسها , وقالت عبر أسنانها :
ـ لقد مر علي الوقت كالجحيم . . ولكنه انتهى أخيراً .
فضحك ســاخراً , وبدت أسنانه من بين شفتيه :
ـ كالجحيم . . وهل تظنين نفسك ستتمكنين من الخلاص من
الجـحـيـم ؟ قولي هذا بعد شهر وقد أصدقك .
أحست بالشتات والضياع فصاحت :
ـ شهر . . لا . . لا يمكنك هذا ! لأجل الله روبرتو !
ـ أتظنين أنني سـأتركك تذهبين بعد ليلة أمس ؟
ـ ألم تكفك . . ؟ ستدمرني هكذا . . دعني أذهب !
ـ لــن يريدك كراولي بعد الآن . . مرة أو مئات المرات مــا
الفرق ؟ حقيقة أنني حصلت عليك ستبقى شوكة في حلقه .
فــاحمر وجهها غضباً :
ـ أهذا هو الـسـبـب ؟
وانحنى فوقها ليرفع رأسها بأصابعه :
ـ تعرفين تماماً أنه لا !
ـ أنت لا تطاق . . أرجوك دعني أذهب . . لا أستطيع تحمل
هذا !
ـ لقد جئت إلى هنا بمحض إرادتك .
ـ لقد أوقعت بــــي .
ـ يا عزيزتي , الفخ كان واضحاً , وكنت تعرفينه . وسرت إلى
داخله بإرادتك . . لم أجبرك على المجــيء . . كيف يمكن أن أفعل
هــذا ؟
ـ لقد صدقت أنك فاقد الذاكــرة , وأنك مريض .
ـ اكــذبي على نفسك , وليس علي . لقد جئت لنفس الغرض
الذي أردتك أن تأتــي من أجله . لم ينته الأمـر بيننا جيني . . . ولن
ينتهي . إنه ما زال يلتهمك من الداخل . . أليس كذلك ؟
عندما كانا يتناولان القهوة بعد العشاء الذي أعلنت عنه مارا ,
أخذت تفكر بالمستقبل . ووضعت فنجانها من يدها ووقفت . . .
فأمسك بها :
ـ أين تظنين نفســك ذاهبة ؟
ـ إلى الفراش . . . فأنا متعبة .
فتركها وقال بخشونة :
ـ تصبحين على خير إذن .
لم تــســـتطـع التصديق , وسارعت للابتعــاد . وفي غرفتهـــا وقفت
تصغـي لعله يتبعهـــا . ولكنهــــا لم تسمع ســــوى الصمت , وخلعت
ملابسهــا ودخلت السرير . . . وبصمت استلقت وكأنها تتوقع شيئاً ,
فهي تعلم أنه لو جاء , فسيـأخذ ما يريد , فليس لديها قــوة الإرادة أو
الطاقة لمقاومته .
عندما استيقظت صباحاً كانت الشمس تملأ الغرفة , وعندما
خرجت من غرفتها كانت الممرضة تقف في الممر خارج غرفة
روبرتو . . . فنظرت إليها قائلة :
ـ ألن تزوري زوجك اليوم . . . لقد استفقدك بالأمــس .
حسدتها جيني على سذاجتها في رؤية الأشياء دون فهمها
وقالت بأدب :
ـ بالطبع ســأراه . . بعد تناول الفطور .
أثناء تناولها للقهوة , قالت لها ماريا فجأة :
ـ ستجهدين نفسك في مقاومته . روبرتو لم يقر بالهزيمة في
حياته كلها .
وردت بأدب ولكن بحزم وغضب :
ـ لن أناقش أمــر زواجي معك ماريا .
وازداد غضبها عندما ضحكت ماريا .
ـ لقد كان هكذا منذ صغره . عنيد , متملك , وأي شــيء
يمتلكه يصبح من المحرمات .
ـ ولكنه لا يمتلكني !
ـ صحيح ؟
فوقفت جيني لتقلب الكرســي بعنف إلى الوراء :
ـ لا ماريا ! فأنا أملك نفســـي !
ولكن هل هذا صحيح ؟ سألت نفسها وهي تصعد لرؤيته . .
كيف تدعــي ملكيتها لنفسها وهو قادر على امتلاكها متى شاء ؟ وهو
يعرف هذا تماماً كما تعرفه هي !
كانت الممرضة ترتب الأدوية فوق الرف قرب السرير ,
فابتسمت لجيني مرحبة :
ـ أرأيت سيد باستينو , قلت لك إنها قــادمة !
وقفت جيني عند النافذة وقالت :
ـ وأنا هنا , يمكنك رؤية ابنك . . ألم تحن إليه ؟
ـ بلى . . شاهدته في المستشفى . أخبرتني أمــي بهذا . . ما رأيك
بــه ؟
ـ إنه يشبهــك .
فضحــك .
ـ وهـل هذا إطراء أم إهانة للصبــــي المسكين ؟
ـ لا شيء . . إنه تقرير لواقع محدد .
ـ وهل تكرهينه لأنه ابن جيسكا ؟
فشهقت للسؤال . . ثم قالت بخــشونة :
ـ لا يمكن أن أكره طفلاً لأي سبب كان .
ـ ولكنك تفضلين أن تتذكري وجوده ؟
ـ وهل ستحب رؤيتي مع طفل غرانت ؟
فــرد بحــدة :
ـ لا !
نظرت إليه متفحصة . . هل هي الرغبة فقط التي تحس بها أم
إن خلفها شيء آخر ؟ وهل سيحس بالمرارة إذا عرف أن ما بينهما لا
يحتوي الحب بل الرغبة فقط ؟ وسمعته يقول وكأنه يكلم نفسه :
ـ أندرو سعيد على ما هو عليه .
وســارت نحو الباب فسألها كالعادة :
ـ إلى أين أنت ذاهبة ؟
فردت بحدة :
ـ إلى أي مكان غير هنا . فأنا أجد صحبتك لا تحتمل !
وأغلقت الباب كي لا تسمع ما سيقول , وهربت إلى الخارج ,
إلى الهواء النقي البارد . . عندما تعود إلى منزلها ستحبس نفسها
لتعمل وتنسى كل شــيء . . . ومع ذلك فسيكون كل عملها مصبوغ
بمرارة هذا الشهر الذي ستقضيه هنا .
لم ينزل روبرتو للعشاء . فتناولت الطعام لوحدها , وحافظت
ماريا على جو ودود معها وهي تخدمها .
تلك الليلة لم تستطع النوم إطلاقاً . استلقت صاحية تماماً في
فراشها تصغي إلى همهمة البحر البعيدة . . تتأمل برغبتها التي
تركتها بيضاء شاحبة ومنهكة القوى في الصباح . وتفحص روبرتو
وجهها ملياً عند الفطور , وعلمت أنه قرأ العلامات بالأبيض
والأسود على وجهها .
.
وخرج معها في نزهة قصيرة في الحديقة , يقف من وقت إلى
وقت ليحدق بالبحر . الهواء بارد وفي السماء غمام خفيف تختبئ
الشمس خلفه .
وقت العشاء , لامست يده يدها وهو يناولها قطعة خبز ,
وأحست بقشعريرة . ولم تستطع كبح ارتجافها . . . وتمتم :
ـ الأمر يزداد صعوبة . . . إنه هكذا دائماً .
ـ عمَ تتحدث ؟
ـ عن الإدمان . . مهما قاومت بقوة , إذا كان يجري في دمك
فستحتاجين جيني إليه . . وكلما ازدادت مقــاومتك له كلما زاد
جوعك إليه .
ـ لن أدع هذا يحدث مرة أخــرى .
وتركته لتذهب إلى غرفتها .
مضت ساعات على الصمت المطبق الذي يغلف المنزل .
ولكنها تعلم أن روبرتو صاحٍ , فذبذبات مشاعره كانت تصلها من
غرفته عبر الجدران , لتبقيها صاحية , تحارب نفسها وتحارب
نــداءه .
عندما فتحت باب غرفته كان ضوء المصباح الأصفــر يكوّن
دائرة صفراء حيث يستلقي . . رأسه الأسود فوق الوسادة , وعيناه
تضيقان فوقها وهي تدخــل .
وببطء ارتفع رأسه , وضــاقت عيناه فيها , لتبدي إعجابها بثوب
النوم الحريري بلون القهوة الذي ترتديه , والروب المماثل بأطرافه
الحريرية المطرزة القاتمة .
حــرك يده , ليعم الظـــلام الغرفة . . . وتقدمت نــحـوه في
الظلام . . وأطبقت يداه عليها بقسوة وكأنه يعاقبها على تأخرها في
مقاومته , فحبها له ورغبتها فيه لم يموتا بعد , وهذا ما عليها أن
تعترف به . . . لقد فقدت كل كرامتها , ولم تعد تهتم لــشــيء وهي
تهتف له : أحبك . . أحبك !
وعادت إلى غرفتها في الضوء الشاحب للصباح , كــارهة أن
تتركه نائماً , وتبتعد عن دفء ذراعيه . وأخلدت للنوم فقط بعد أن
أفرغت رأسها وقلبها من الدموع .
دهشت عندما شاهـدته وقد نزل إلى غرفــة الطعام لتناول
الفطور . . ونظرت ماريا إليه بابتسامة دافئة راضية , وقالت :
ـ هكذا يجب أن تبدو ! أنا أشاهد روبرتو الذي أعرفه !
نظرة واحدة أفهمت جيني ما تعنيه ماريا . فقد ذهب اللون
الشاحب عن وجهه , وعيناه عادتا إلى الحياة , مليئتان بالصحة ,
جسده يتحرك برشاقته القديمة , مزاجه كله مزاج رجل استعاد قوته .
تركتهما ماريا , وجلس روبرتو على كرسيه عند الطاولة . . .
نظر إليها وتنهد :
ـ هــل ستبقين مكتئبة طوال النهار . . ألم نتخلص من الأرواح
الشريرة ليلة أمـــس ؟
ـ صحيح ؟
لم تنظـر إليه . . هل يظن أن بإمكانه طرد ذكـــرى جيسكا بمجرد
أن تقضي ساعتين معه ؟ وقال لها :
ـ لا بد أن ما ذرفته من دموع كان له معانٍ ؟
فاستدارت إليه غــاضبة :
ـ ألا تعلم ماذا تعني ؟ إنها تعني أنــني كنت خجلة من نفســي .
عاد وجهه إلى القساوة وضاقت عيناه :
ـ أتخجلين من الاعتراف بأنك تحبينني ؟
أصــابها كلامه بلكمة في معدتها , فأجفلت من الصدمــــة ,
وراقبتها عيناه فتأوهت وغطت وجهها بيديها :
ـ أوه يا إلهـــي ! كم أنت وغــد !
ـ ألهذا السبب لم تستطيعي أن تتزوجي بكراولي ؟
وصب لنفسه القهوة وأخذ يحتسيها , وكأنما ردها لا أهمية له .
وردت بمرارة :
ـ زواج واحـــد كان يكفيني .
ـ ومع ذلك كنت تنوين الزواج به .
فهزت كتفيها :
ـ نحن ملائمان لبعضنا . . فلمَ لا ؟
وكشف عن أسنانه بابتسامة قاسية :
ـ كراولي لن يناسبك مطلقاً . . إنه ناعم جــداً .
كان كلامه أقرب إلى الحقيقة حتى إنها أحســت بالغضب :
ـ لا تسخر من غرانت ! أنت من بين كل البشر ! ليس هذا من
حقك . إنه يــســاوي عشرة منك !
ـ ومع ذلك أنت تحبينني أنـا .
وردت بعنف :
ـ لا !
فقال ببرود :
ـ أوه . . . بلى . . . أنت تحبينني , ولكن الاعتراف يــؤلمك
جداً . بيد أنـي انتزعت ذلك الاعتراف منك .
وأصبحت عيناها واسعتان وحشيتان كعيني قطة برية متوحشة
وأردفت :
ـ ولكنني لا أريد أن أحبك .
فابتسم وقال :
ـ أعلم . . . لقد أوضحت لي هذا . . . فأنا خنزير لا أطــاق ,
وأنت تكرهين رؤيتي . هل تعتبرين عدم قدرتك على الابتعاد عن
فراشي إطــراء لـي ؟
وطارت إليه مكورة الأصابع لتخبش وجهه , ولكنه أمسك بها
وأنزلها إلى ركبتيه , فقاومته بعنف , وصلبت جسدها فوق ذراعيه .
ثم أخذ جسمها الغبي الخائن , يخونها من جديد , والتفت ذراعاها
حول عنقه , تلامس شعره , مؤخرة عنقه , وأخذت تتأوه لعناقه .
وأخيراً توقف , ونظر إلى وجهها الأحمر الملتهب بحرارة .
ـ كيف تمكنت من الســماح له بلمسك , وأنت تحبينني هكذا ؟
كيف ؟ أخبريني الآن . . هل ذهبت إليه بعد أن شاهدت جيسكا
معــي ؟
فهزت رأسها نفياً وبضعف , فــأجفل , وســأل همساً :
ـ وقبلها ؟
ـ لــم يلمســني يوماً .
وغُرزت أصابعه في كتفيها :
ـ مــاذا ؟
ـ أو . . . لقد كنت غاضبة لدرجة الاستعداد لرمــي نفسي بين
ذراعي أي رجــل لمجرد الانتقــام . . . ولكنني لم أفعل !
فحدق بها :
ـ ولكن كراولي قال . . .
ـ لقد كذب . . . كلانا كذبنا . . . إنه لم يكن يوماً . .
ـ اللعنة عليه ! الكــاذب اللعين !
وعلا وجهه بياض بارد كالموت بدد كل أثر للحياة فيه ما عدا
حركة عينيه السوداوين فقالت بقلق :
ـ روبرتو .
فدفعها عنه , ووقف , ثم أخــذ يذرع الغرفة مكفهـر الوجه
متصلب الجسد . ووقفت جيني حيث هي . . . ترتجف , تفكيرها
مشوش تماماً . . ماذا قالت له كــي يغضب هكذا ؟ لقد توقعت منه أن
يبتهج , لا أن يغضب بمرارة .
هل هو غاضب لأن غرانت كذب عليه ؟ لا بد أن يفهم أن
غرانت كان يحميها منه ؟ لقد انزعجت في البداية عندما علمت ما
قاله له . ولكنها بعد ذلك فهمت أنه فعل هذا لمصلحتها , لإنقاذ
كرامتها . فلماذا يغضب روبرتو هكــذا ؟
* * *

   الدوامة - شارلوت لامب        روايات احلام  Where stories live. Discover now